رئيس مجلس حقوق الإنسان يدعو إلى إدارة للحدود تحترم حقوق المهاجرين في وضعية عبور    الملك محمد السادس: مستقبل الأمة العربية رهين بإيجاد تصور استراتيجي مشترك    المغرب يثير من جديد موضوع استقلال الشعب القبايلي في الامم المتحدة    نمو مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي بميناء قاع أسراس    جلالة الملك: الظروف الصعبة التي تمر منها القضية الفلسطينية تجعلنا أكثر إصرارا على أن تظل هذه القضية جوهر إقرار سلام عادل في الشرق الأوسط    والي أمن طنجة: إيقاف أزيد من 58 ألف شخص.. وحجز أطنان من المخدرات خلال سنة واحدة    على هامش تكريمه.. البكوري: مهرجان الريف يسعى لتقريب الإبداعات الناطقة بالأمازيغية إلى الجمهور التطواني    رئيس الحكومة يحل بالمنامة لتمثيل جلالة الملك في القمة العربية    أندية "البريميرليغ" تجتمع للتصويت على إلغاء تقنية ال"VAR" بداية من الموسم المقبل    هذه حجم الأموال التي يكتنزها المغاربة في الأبناك.. ارتفعت بنسبة 4.4%    ولاية أمن طنجة تتفاعل مع شريط فيديو يظهر شرطي مرور يشهر سلاحه الوظيفي على وجه أحد مستعملي الطريق    عائلات "مغاربة ميانمار" تحتج بالرباط .. وناجية تكشف تفاصيل "رحلة الجحيم"    القمة العربية: عباس يتهم حماس ب"توفير ذرائع" لإسرائيل لتهاجم قطاع غزة    منح جائزة التميز لبرلمان البحر الأبيض المتوسط لوكالة بيت مال القدس الشريف    وفاة الفنان أحمد بيرو أحد رواد الطرب الغرناطي    "فيفا" يدرس مقترحا بإقامة مباريات الدوريات المحلية خارج بلدانها    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة.. نزول أمطار ضعيفة ومتفرقة فوق مناطق طنجة واللوكوس    "حماة المال العام" يستنكرون التضييق على نشاطهم الفاضح للفساد ويطالبون بمحاسبة المفسدين    أخنوش يتباحث مع رئيس الحكومة اللبنانية    هذه العوامل ترفع خطر الإصابة بهشاشة العظام    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    باحثون يعددون دور الدبلوماسية الأكاديمية في إسناد مغربية الصحراء    تصفيات مونديال 2026: الحكم المغربي سمير الكزاز يقود مباراة السنغال وموريتانيا    بعثة نهضة بركان تطير إلى مصر لمواجهة الزمالك    انطلاق القافلة الثقافية والرياضية لفائدة نزلاء بعض المؤسسات السجنية بجهة طنجة تطوان الحسيمة من داخل السجن المحلي بواد لاو    إيقاف مسؤول بفريق نسوي لكرة القدم ثلاث سنوات بسبب ابتزازه لاعباته    إطلاق مجموعة قمصان جديدة لشركة "أديداس" العالمية تحمل اللمسة المغربية    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    اعتبروا الحوار "فاشلا".. موظفون بالجماعات الترابية يطالبون بإحداث وزارة خاصة    مربو الماشية يؤكدون أن الزيادة في أثمنة الأضاحي حتمية ولا مفر منها    يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه    مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال    قافلة GO سياحة تحط رحالها بجهة العيون – الساقية الحمراء    صعود أسعار النفط بفضل قوة الطلب وبيانات التضخم الأمريكية    "أديداس" تطلق قمصانا جديدة بلمسة مغربية    ظاهرة "أسامة المسلم": الجذور والخلفيات...    الاستعادة الخلدونية    مطالب لوزارة التربية الوطنية بالتدخل لإنقاذ حياة أستاذ مضرب عن الطعام منذ 10 أيام    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    المغربي محمد وسيل ينجح في تسلق أصعب جبل تقنيا في سلوفينيا    كلاب ضالة تفترس حيوانات وتهدد سلامة السكان بتطوان    من أجل خارطة طريق لهندسة الثقافة بالمغرب    أشجار عتيقة تكشف السر الذي جعل العام الماضي هو الأشد حرارة منذ 2000 عام    نسخة جديدة من برنامج الذكاء الاصطناعي لحل المعادلات الرياضية والتفاعل مع مشاعر البشر    مدريد في ورطة بسبب الإمارات والجزائر    أكاديمية المملكة تُسائل معايير تصنيف الأدباء الأفارقة وتُكرم المؤرخ "هامباتي با"    محكي الطفولة يغري روائيين مغاربة    زيلنسكي يلغي زياراته الخارجية وبوتين يؤكد أن التقدم الروسي يسير كما هو مخطط له    زعيم المعارضة في إسرائيل: عودة الرهائن أهم من شن عملية في رفح    "تسريب أسرار".. تفاصيل إقالة وزير الدفاع الروسي    الأمم المتحدة تفتح التحقيق في مقتل أول موظف دولي    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وسائل الإعلام بين سلطة الرقميات و رهانات الصحافة
نشر في تطوان نيوز يوم 19 - 01 - 2017

تعتبر وسائل الإعلام أي مجموع أدوات بث المعلومات وسيلة تعبير أساسية بالنسبة للمجتمعات الديمقراطية إذ تلعب دورا هاما في تكوين الرأي العام. لا يخفى على أحد أن وسائل الإعلام هاته قد تركز على معلومة أو نقاش معين على حساب مواضيع و نقاشات أخرى و بالتالي نحن أمام أخلاقيات مهنة تستدعي الدقة في المعلومة، احترام الحياة الخصوصية و التحقق من مصادر الخبر.
من المعروف أيضا أن وسائل الإعلام عرفت تقدما في مجال الدمقرطة بشكل موازي لتطور الديمقراطية في العالم فغدت هذه الوسائل اليوم في المتناول بثمن معقول، بطريقة سهلة و بشكل منصف في مجموع التراب الوطني أو الدولي. لا ينكر أحد بأن وسائل الإعلام شكلت حلقة وصل بين النظام أو السلطة و الشعوب و ساهم تعددها في اشتغال الديمقراطية و ظلت خلال القرن الماضي إحدى ركائزها. لكنه في العشرين سنة الأخيرة، بدأنا نلاحظ انحسارا تدريجيا لصحافة الرأي و دخولا ممنهجا و قويا لمجموعات التمويل العالمية في هذا المجال و هي مؤشرات تنضح بدخولنا عصرا جديدا ينذر بانحباس التعدد في الرأي و تسطيح الأفكار.
السؤال الآن هو: هل ما زالت الصحافة تشكل السلطة الرابعة؟
هل تحافظ وسائل الإعلام اليوم على مبدأ الشفافية أ ي أنه إذا كانت الديمقراطية تقتضي الحق في الولوج إلى المعلومة و كشف الأسرار فهل يجب تعميم المعلومة بشكل مطلق و إلى أي حد لا يصطدم هذا المبدأ مع الحياة الخاصة و مع أسرار الدول و الحكومات التي تحتاج إلى نوع من السرية لتهيئ قراراتها السياسية أو الاقتصادية؟
نقطة ثانية: أليس هناك احتمال أو خطر على نوعية و مصداقية المعلومات خاصة بعد دخول الرساميل الخاصة التي تسعى إلى تغيير الأخبار و المعلومات بما يناسب مصالحها ضدا على مبدأ الديمقراطية؟ إن التعدد في وسائل الإعلام لا يعني التعدد في الرأي و تنوعه فما بالك باستطلاعات الرأي التي يمكن أن تؤثر بل تحريف السلوكات الانتخابية.
نقطة ثالثة: ليست هناك مناصفة بين مختلف أنواع وسائل الإعلام بمعنى أن التلفزة التي تعتبر وسيلة الإعلام الجماهيرية بامتياز متهمة اليوم أكثر من اي وقت مضى بتبسيط النقاش و صناعة الرأي العام بينما هناك سباق محموم على تحقيق أعلى نسب مشاهدة على حساب النقاش الديمقراطي. اكثر من ذلك، بما أن الفاعلين السياسيين يتفاعلون جدا مع أصداء وسائل الإعلام، نجدهم يؤقلمون خطابهم ليس حسب قناعاتهم بل حسب الرأي العام أو حسب رؤية وسائل الإعلام هاته. و الحالة هذه، أصبح النقاش حول الأفكار و الديمقراطية يفسح المجال للتلفزة لتضع يدها على الحملات الانتخابية و نحن نعرف أيضا انه ليست هناك مناصفة بين المرشحين فيما يتعلق المساحة المخصصة لهم في التلفزة اضف إلى أن هذه الأخيرة توجه النقاش و السلوك الخطابي السياسي عبر اعتماد شكل معين يعتمد على جمل صغرى لأن الفاعل السياسي مطالب بالإجابة عن إشكاليات معقدة في زمن وجيز.
نقطة أخرى: نحن اليوم إزاء محو تام للحدود بين الحياة الخاصة و العامة، بين المعلومة و التواصل و الإشهار. إننا اليوم أمام الدور المتزايد للإنترنيت و الشبكات الاجتماعية و الخطابات التبسيطية الجاهزة في معالجة النزاعات و الحروب و الإرهاب و حقوق الإنسان تضعنا أمام أخلاقيات و رهانات وسائل الإعلام في سياق يعتوره تقدم تكنولوجي مذهل يضرب في العمق ليس فقط الجانب المتعلق بالنموذج الاقتصادي لوسائل الإعلام بل أشكال تنظيمها، مهنها و محتوياتها.
إن ولوج فاعلين جدد مثل ابل، غوغل، أمازون، فايس بوك و غيرها إلى مجال صناعة الإعلام (صحافة، تلفزة و راديو) سيبعثر المشهد الإعلامي لأن هذه الشركات لا تنصب نفسها اليوم كأرضيات بث de simples plateformes de diffusion فقط بل كمنتجة للمحتويات.
ما هي انعكاسات ولوج شركات البيغ ضاطا Big dataلمجال الإعلام و التحكم التدريجي فيه على الديمقراطية و قيمها الإنسانية و على رأسها حقوق الإنسان؟ . و ما هي تأثيراتها على صلاحيات أو الدول الوطنية و ماهي هوية الدول ما فوق الوطنية (السوبراوطنية) التي تنظر و تؤطر إليها في ظل العولمة؟
في سنة 2014، سافر يانييك بولوري، رئيس مجموعة هافاس لمقابلة المسؤولين عن شركة غوغل. شهور بعد ذلك، و مخاطبا مجموعة من مديري بعض الشركات في اجتماع عقد في باريس لمناقشة واقع و مستقبل ما يسمى ببيغ ضاطا، قال بولوري: عندما حطت بي الطائرة، أشعلت هاتفي النقال فإذا بي أتوصل برسالة تخبرني بأنه قرب الفندق الذي سأنزل به يوجد مطعم ياباني يقدم أجود أطباق السوشي و بتخفيض يبلغ 15 في المائة. في اليوم الموالي و أثناء الاجتماع الذي انعقد بمونطان فيو، مقر شركة غوغل، أخبرت زملائي الأمريكين (غوغل) بما حصل و سألتهم عن الجهة التي أرسلت إلي ذلك الإعلان فكان جوابهم: نحن، لقد حددنا موقعك جغرافيا géolocaliséعند وصولك و قمنا بتحليل دقيق لأجندتك و برقياتك الإلكترونية و عرفنا موقع فندقك و عرفنا بأنك تحب طابق السوشي و اشترينا لك في الزمن الحقيقي إعلانا يهمك لمطعم قريب من فندقك. هذا رائع...فأجبتهم: و ماذا عن حياتي الخاصة؟ فأجابوني: آه، الحياة الخاصة، أنتم الأوروبيين تتحدثون كثيرا عن الحياة الخاصة....
كل دقيقة، هناك حوايي 300 ألف تويت (مكبر الصوت)، 15 مليون برقية (س م س)، 204 مليون مايل يتم إرسالها عبر العالم، و 2 مليون كلمة مفتاح يتم نقرها على محرك البحث غوغل. جميع الهواتف النقالة و سمارفونات بمثابة نوافذ أو كاميرات تحصل عبرها شركات البغ ضاطا على المعلومات الشخصية للمستعملين: كل ما تعلق بوسائل الإعلام و التواصل، الأبناك، الطاقة، السيارات، الصحة، التأمين...لا يوجد أي قطاع بمنأى عن هذا السف و الكنس نحو الداخل و المضحك-المؤسف أن كل هذه المعلومات يتم تقديمها من طرف المستعملين أنفسهم عن طواعية،. نعم، كل ما يخص ما نشتري أو نريد اقتناءه، ما سوف نستهلكه و ماذا سنفعل بأيامنا، صحتنا، طريقتنا في السياقة، سلوكاتنا العاطفية و الجنسية، أراءنا...كل هذه المعطيات تخضع لتحليل دقيق. منذ 2010، أضحى المجتمع الإنساني ينتج في يومين ما أنتجه منذ اختراع الكتابة منذ 5300 سنة و 98 في المائة من هذه المعلومات ذات طبيعة رقمية. و إذا كان 70 في المائة من المعطيات يتم تقديمها من طرف المستعملين أنفسهم فإن أربع شركات تتحكم اليوم في 80 في المائة من هذا الزخم الهائل من المعلومات و هي آبل، ميكروسوفط، غوغل و فايس بوك. إنه الذهب الأسود الجديد، أخطبوط هائل بلغ رقم معاملاته في الولايات المتحدة فقط في 34 مليار دولار مع نسبة نمو تناهز 40 في المائة كل سنة.
أخطبوط هائل يتحكم في كل شيئ، مما دفع مارك زوكربيرغ، رب الفايسبوك إلى ولعه بكتاب مويزيس ناعيم "نهاية القوة أو السلطةThe end of power "، كتاب يحكي عن عالم يتحول لمنح المزيد من السلطة للأفراد على حساب التنظيمات كالحكومات و الجيوش". حسب زوكربيرغ، السلطة الحقيقية لم تعد اليوم في أيدي الدولة بل في يد أفراد تنسج علاقات اجتماعية بينها و هو ما يصنع فايس بوك.
بالنسبة لأوليغارشية سيليكون فالي الجديدة العدو واضح : إنها الدولة في شكلها الحالي التي وجب الإجهاز عليها. إن الحكومة في رأي باطري فريدمان، حفيد الاقتصادي اللبرالي الشهير و المهندس السابق لدي غوغل ميلطون فريدمان عبارة عن "معمل غير فعال" و الديموقراطية "غير منسجمة مع ما يعتور الواقع الجديد. إن النظام السياسي، يضيف فريدمان الحفيد، متكلس و قواعد تنظيم التجارة أو استعمال المعطيات الخصوصية أو العمومية منتهية الصلاحية تعيق التقدم و التطور. لهذا، يدافع عن sécessionانفصال شركات التكنولوجيا العليا High Tech عن الدول و عن استقرارها في ما يصطلح عليه ب" المدن العائمة" Villes flottantes بعيدا عن سيادة الدول .
بيطر ثيل، رئيس باي بال، أكبر شركة عالمية لبطاقات الائتمان ينحو نفس المنحى، إذ نقرأ في تصريح له سنة 2009 بأنه ثمة سباق محموم بين ال"السياسة و التكنولوجيا" و تصريح آخر سنة 2013 إبان النزاع حول الميزانية الذي أرغم الحكومة الفدرالية الأمريكية على تعليق مؤقت لخدماتها: "إن شركات البيغ ضاطا تتجاوز السلطة السياسية و الدول لأنها إذا أغلقت سقط سوق البورصة و أفلست بينما إذا أغلقت الحكومة و علقت خدماتها فلا شيء يحصب إطلاقا و نستمر في التقدم بل إن في شلل الحكومة خير لنا جميعا".
في ندوة انعقدت سنة 2013 تحت شعار Silicon valley ultimate exitشارك فيها بالاجي سرينيفاسان المختص في البيت كوين أو ما يسمى بالعملة الرقمية صرح هذا الأخير: "إن الولايات المتحدة في كسوف و سيشطب عليها التاريخ قريبا و لهذا وجب خلق وطن جديد، Une nation start-up، مضيفا: حينما تجد شركة معينة نفسها متجاوزة، لا تحاولوا أن تصلحوها من الداخل بل يجب مغادرتها و خلق شركة ناهضة une nouvelle start upن لماذا لا نفعل نفس الشيء مع الدولة؟
بعد ذلك، أي سنة 2014، يأتي الدور على لاري بييج Larry Page، المؤسس لشركة غوغل رفقة Serguei Brin ليصرح أمام حشد من مطوري برامج الحواسيب: "هناك العديد من المسائل الهامة و المحفزة التي يمكننا القيام بها لولا تدخل الحكومات التي تعتبرها غير قانونية".
هذا يعني أنه وراء رغبة رواد العالم الرقمي تكمن نية و عزيمة للقضاء على الديمقراطية التي تعتبر في نظرهم مزعجة و معيقة لشهيتهم اللامحدودة
الآن، ما هو موقف هؤلاء من وسائل الإعلام؟.
إنها ايضا مصدر إزعاج و إعاقة لمشاريعهم لأنها تنافس هذه الشركات الرقمية العملاقة في إنتاج المعلومات و إيصالها للجمهور. "شعارنا، تقول غوغل، هو تنظيم المعلومات في العالم لجعلها في متناول الجميع و ذات جدوى". إذن، لا بد أن تبطل هذه الشركات مفعول وسائل الإعلام و لذلك ثمة مخطط كبير لبلوغ هذا الهدف و هذا المخطط يبدأ أولا بإضعاف الخصم و مد اليد نحوه بعد ذلك للتوقيع معه على صفقة تكون فيها لوسائل الإعلام القسمة الضيزى.
لنأخذ مثلا ما يحدث في فرنسا: بعد أن سف محرك البحث غوغل مبلغ 6 ملايير دولار من مداخيل الإشهار التي كانت تستفيد منها وسائل الإعلام المكتوبة، طالبت هذه الأخيرة من غوغل أداء ضريبة العشر Une dîme على المنتوجات الإشهارية التي توجد في خانة الحوادثActualités . من أجل تجنب مصادقة الحكومة و البرلمان على قانون يلزمها الأداء، توجه إريك شميدت، الرئيس المدير العام لمحرك البحث إلى قصر الإيليزي في فبراير 2013 للتحدث إلى مسؤولي الصحافة الفرنسية. النتيجة: عوض أداء هذه الضريبة، مولت غوغل "صندوقا" من أجل الإبداع الرقمي للصحافة de la Innovation numérique de la presse من أجل "دعم المشاريع التي تمكن من تسهيل انتقال الصحف ذات الطابع السياسي و العام إلى العالم الرقمي"و من أصل 60 مليون دولار الذي يتضمنه هذا الصندوق، فإن 9 من الصحف اليومية و الأسبوعية الرئيسية قد استفادت من ثلث هذا المبلغ لإسكات انتقاداتها و ربما شراء ذممها بناء على وثيقة-اتفاق تم التصديق عليه من طرف الرئيس هولاند بنفسه كما لو تعلق الأمر برشيس دولة و ليس بمدير شركة.
نفس الشيئ حصل مع فايس بوك التي وقعت سنة 2015 اتفاقا مع 9 كبريات الصحف الأمريكية و الإنجليزية و الألمانية يتم بموجبه إعمال ألغوريتم صممه مهندسو فايس بوك يتكلف باختيار نوعية المقالات التي يجب التركيز عليها و تسليط الضوء عليها في الشبكة أي أن فايس بوك بمثابة مرشح filtreهو الذي يتكلف بتضخيم أو تقزيم مفعول هذه المعلومة أو تلك التي أنتجها الآخرون حسب منطقة الخاص. و هذا يعني أن الجرائد تدخل شيئا فشيئا في جيب زوكيربيرغ.
نفس المنطق يسري علىInstant articles، أي ذلك الPlayer الذي يمكن انطلاقا من الشبكة الاجتماعية الولوج إلى محتويات بعض الجرائد مثل le parisien, 20 minutes, Paris Match, Les echosو هو أيضا تابع لفايس بوك.
أما بالنسبة لشركة أبل، فهي تتحكم بشكل مباشر أكثر حيث أنها تتدخل بمقص الرقابة و المنع في الأشكال الرقمية لبعض الجرائد على الآي باض و الآي فون.
نحن إذن إزاء شركات تعتبر الديمقراطية و قيمها العالمية شيئا منتهي الصلاحية و ما يهمها هو ما تصطلح عليه Antoinette Rouvroy "بالحكامة الألكوريتمية"Gouvernance algorithmique، و هي طريقة جديدة في الحكامة تشتغل وفق شكل استباقي للممكن ، لما يمكن أن يكون بدل تنظيم السلوكات و لا تخاطب لأفراد إلا عبر إنذاراتalertes تحدث فيهم ردود أفعال عوض الاعتماد على قدرتهم على الفهم و العمل.
إننا أمام مستقبل توجهه هذه الشركات (البيغ ضاطا) تضمحل فيه الدول الوطنية و الطبقات السياسية شيئا فشيئا إلى أن تتبخر كليا و يتم إطلاق رصاصة الرحمة على ما تبقى من ديمقراطية و نظامها التمثيلي. هل سيعود للتصويت كل 4 أو 5 سنوات معنى في مستقبل قريب تعرف فيه هذه الشركات في الزمن الحقيقي كيف يتفاعل كل فرد مع أي اقتراح يهم التنظيم الجماعي للمجتمعات؟ لا نظن ذلك.
و ماذا عن تحصيل الضرائب التي تعتبر عماد الدول و إحدى صلاحياتها الكبرى؟
نحن نعرف مثلا أن أغلب هذا الشركات الرقمية العملاقة لا تؤدي بتاتا أولا تودي إلا نزرا قليلا من الضرائب مقارنة مع أرقام معاملاتها الخيالية و لا إمكانية لمعرفة مقرها الاجتماعي...إننا إزاء أموال خيالية غير مراقبة من جراء ما يسمى بالتي تحطم الحدود و تهدد نماذج الدول الوطنية.
الآن نتساءل: ما هي وضعية الإعلام المغربي أمام هذه الشركات و المعطيات الجديدة. هل هناك دراسات في هذا الصدد و ما هي التدابير التي تم اتخاذها أو يجب اتخاذها للتقليص من حدة التحكم أما هناك حالة تسيب و ما هو الثمن المقدم لذلك؟.
ختاما، نعتقد بأن السؤال المحوري الذي يعتبر رهان الإعلام مستقبلا هو: كيف يمكن التوفيق بين الأعمدة الثلاث لفلسفة الإعلام و هي: مبدأ حرية التعبير ومبدأ واجب الإعلام و مبدأ المسؤولية لاسترجاع توازن إعلام يشتغل خارج الضغوطات؟
ما هي الاقتراحات التي تمكن من إعطاء المعلومة قيمتها الحقيقية خلال السنوات المقبلة؟ كيف السبيل إلى تنظيم مواطن مشترك للإعلام و مد جسور الحوار بين المجتمع المدني و الصحفيين و المؤسسات الإعلامية و السلطات العمومية؟ كيف السبيل كما يقول Gerd Leonhard الخبير المستقبلي في مجال الإعلام كي يخرج الفاعلون الإعلاميون الكبار من العتمة إلى الضوء و الشفافية؟ كيف نمنح المستهلكين سلطات أكبر و نكف عن ما يصطلح عليه ب"إدارة عدم الرضا" la gestion de l'insatisfaction ؟
نحن نقف اليوم أمام ضرورة الخروج من التوافق حول "أهمية امتلاك المعلومة" إلى "حيوية معرفة فك شفراتها و القراءة بين سطورها" و الذي يعتبرها المستقبليون الإعلاميون سر النجاح في السنوات و العقود القادمة. و نحن أيضا أمام رهان لعلنا بكسبه نستطيع أن ننقل الإشهار التلفزي أو الإذاعي من مجرد ضوضاء أو تشويش إلى فن يحسن حكي الحكايات.....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.