يتجه العالم بأسره نحو مشروع ضخم يغير طريقة التنقل بين القارتين الأوروبية والإفريقية. وتؤكد الأخبار المتداولة أن المملكة المتحدةوفرنساوالنرويج وإسبانيا أبدت اهتمامًا كبيرًا بالمشاركة في إنشاء نفق بحري ضخم يربط المغرب بأوروبا عبر مضيق جبل طارق. هذا المشروع الطموح، الذي كان يُنظر إليه في السابق على أنه خيال هندسي، بدأ يتحول إلى واقع ملموس مع تزايد النقاشات بين الدول المعنية. ومن المتوقع أن يبدأ تنفيذه في العقود القادمة. يقوم المشروع على فكرة إنشاء نفق سككي يمتد تحت مياه المضيق ليكون بمثابة شريان حيوي لنقل الركاب والبضائع بين القارتين. وقد عادت هذه الفكرة إلى الظهور بعد عقود من طرحها لأول مرة نتيجة للتغيرات الاقتصادية والسياسية العالمية التي جعلت من الضروري إعادة إحياء هذا الحلم، خاصة مع ازدياد الحاجة إلى مشاريع بنية تحتية ضخمة تدعم التجارة الدولية وتعزز التعاون الإقليمي. وقد أبدت النرويج، التي تمتلك خبرة واسعة في بناء الأنفاق البحرية، استعدادها لتقديم الدعم التقني للمشروع، مستفيدة من تجاربها الناجحة في حفر الأنفاق تحت البحار والمضائق. وترى فرنسا وإسبانيا في هذا المشروع فرصة استراتيجية لتعزيز علاقاتهما الاقتصادية مع المغرب، الذي أصبح شريكًا تجاريًا هامًا للاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة. وتسعى المملكة المتحدة، التي تبحث عن توسيع نفوذها الاقتصادي بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، إلى تعزيز دورها في المشاريع العابرة للقارات، خاصة تلك التي تفتح آفاقًا جديدة للاستثمارات الأجنبية. وعلى الرغم من المزايا الاقتصادية والسياحية الكبيرة التي يحملها هذا المشروع، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة، منها الطبيعة الجيولوجية المعقدة لمضيق جبل طارق، حيث تصل أعماق المياه في بعض المناطق إلى أكثر من 900 متر، والحاجة إلى استثمارات ضخمة تقدر بمليارات الدولارات. وبحسب تقديرات الخبراء في الهندسة المدنية، فإن التكلفة الأولية للنفق قد تتجاوز 42 مليار جنيه إسترليني، وقد تزداد هذه التكلفة بسبب التعقيدات التقنية التي قد تظهر أثناء عمليات الحفر والإنشاء. بالإضافة إلى ذلك، يحمل هذا المشروع أبعادًا جيوسياسية هامة. فالمغرب، الذي يسعى إلى تعزيز موقعه كمركز إقليمي يربط بين إفريقيا وأوروبا، يرى في هذا النفق فرصة لتثبيت موقعه كبوابة رئيسية للتجارة والسفر بين القارتين. وقد يشكل هذا المشروع ضربة قوية للطرق التقليدية للنقل البحري والجوي، مما قد يدفع بعض الأطراف إلى محاولة عرقلته للحفاظ على مصالحها الاقتصادية. وفي الوقت الذي لا يزال فيه المشروع في مرحلة الدراسة والتخطيط، فإن المؤكد هو أن فكرة النفق لم تعد مجرد حلم مستقبلي، بل أصبحت اليوم واقعًا على طاولة صناع القرار في أوروبا والمغرب. ويبقى السؤال المطروح هو: هل ستتمكن هذه الدول من تجاوز العقبات التقنية والمالية والسياسية لإنجاز هذا المشروع الهندسي الضخم؟