خطاب العرش : رسائل قوية وأوراش مفتوحة    الأمير مولاي رشيد يترأس بتطوان مأدبة غداء أقامها رئيس الحكومة بمناسبة عيد العرش    بنك المغرب: الأصول الاحتياطية الرسمية بلغت 375,5 مليار درهم خلال سنة 2024    الذكاء الاصطناعي.. توقيع اتفاقية شراكة بين جامعة محمد السادس وطنجة المتوسط    رصاص البحرية الجزائرية يقتل شابا من الريف خلال محاولة للهجرة    شادي رحال يصدر "حبيبي يا ملك" إهداءً للملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش    تجربة احترافية جديدة لأبوخلال وعبقار    الطواف بالمشاعل يضيء كورنيش المضيق في عرض فني مبهر    وضعية التحملات وموارد الخزينة .. عجز في الميزانية ب 31 مليار درهم عند متم يونيو    ضمنها هيئات مغربية.. 120 شبكة ومنظمة حقوقية عبر العالم تطالب بوقف الإبادة في غزة    الفن فقد أحد أكثر وجوهه نقاء وتواضعا .. وداعا لطفي لبيب الفنان الجندي الذي شارك في حرب أكتوبر ورفض تكريم الاحتلال    الملك محمد السادس يُكرم لبؤات الأطلس بعد بلوغهن نهائي كأس إفريقيا    الخشوع الأخير.. إمام يغادر الحياة وهو ساجد خلال صلاة العشاء    التلفزيون الروسي يبث لقطات لموجة "تسونامي"    الملك محمد السادس يترأس بالمضيق حفل استقبال بمناسبة عيد العرش المجيد    "بوليساريو" ترفض دعوة الملك محمد السادس إلى حل توافقي "لا غالب فيه ولا مغلوب" وتتمسك بحق تقرير المصير    السيطرة على حريق اندلع في معمل للزرابي بكزناية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    المغرب يمد اليد والنظام الجزائري يعضّ الأصابع: جنرالات في عزلة وتبون في مأزق الشرعية    بتنسيق أمني.. توقيف 3 أشخاص يشتبه في ارتباطها بشبكة تنشط في التهريب الدولي للمخدرات    أمريكا تحيي ريادة الملك محمد السادس    مكتب المطارات يعين مديرين جديدين    حادثة سير مميتة تودي بحياة أربعيني بالجديدة    تغييرات جديدة تطال صفوف الوداد    سلطان عمان يسأل الازدهار للمغرب    ما مدة صلاحية المستحضرات الخاصة بالتجميل؟    ريفولوت تطرق أبواب المغرب في خطوة توسعية نحو المنطقة    بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية بمناسبة الذكرى ال26 لتربّع جلالة الملك على العرش    الولايات المتحدة تبرز ريادة جلالة الملك لفائدة السلام والازدهار، وتشيد بالشراكة الدائمة مع المملكة المغربية (وزارة الخارجية الأمريكية)            غابات المغرب بين رهانات الاستراتيجية وتحديات التنزيل    المؤتمر العربي العام يطلق نداءً لرفع الحصار عن مدينة السويداء السورية    كيف غير لقجع قواعد اللعبة في القارة السمراء ؟    الملك محمد السادس يستقبل إنفانتينو رئيس "الفيفا"    بريطانيا ترفض انتقادات بأن خطوة الاعتراف بدولة فلسطينية "تكافئ حماس"    فرنسا و14 دولة غربية تدعو دولا أخرى لإعلان عزمها الاعتراف بفلسطين    المغرب يطلب رسميا من إسرائيل تسهيل إدخال مساعدات إنسانية لغزة    أسعار النفط تتراجع مع تقييم الأسواق لمخاطر المعروض بعد إنذار ترامب لروسيا    المثقفون والمنصات... بين زواج العقل وزواج المصلحة    عبد الكبير عبقار يعزز دفاع خيتافي بعقد يمتد إلى غاية 2028    رحيل الفنان المصري لطفي لبيب عن 72 عاما بعد صراع مع المرض    15 دولة غربية تدعو البلدان الأخرى إلى إعلان عزمها الاعتراف بفلسطين    تقارير: قرعة المونديال في لاس فيغاس    زلزال قوي في أقصى شرق روسيا يتسبب في تسونامي وأوامر إجلاء باليابان وهاواي    "وداعا صاحب البهجة".. وفاة الفنان المصري لطفي لبيب عن عمر 77 عاما    أنفوغرافيك | ستلتحق ب 147 دولة.. أقوى دولة في أوروبا تستعد للاعتراف بفلسطين    كندا.. مونتريال تستضيف مهرجان "أوريونتاليس" في غشت المقبل بمشاركة المغرب    معرض فوتوغرافي يفحص تغيير "الصحون" أذواق ورؤى وذهنيات المغاربة    عضة كلب ضال تودي بحياة طفل نواحي الناظور    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    متى ينبغي إجراء الفحوص الدورية على العينين؟    استخدام الهاتف في سن مبكرة يهدد الصحة العقلية    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم        على ‬بعد ‬أمتار ‬من ‬المسجد ‬النبوي‮…‬ خيال ‬يشتغل ‬على ‬المدينة ‬الأولى‮!‬    الوصول إلى مطار المدينة المنورة‮:‬‮ على متن طائر عملاق مثل منام ابن بطوطة!    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في طنجة 24 يوم 13 - 06 - 2025

محمد حدادي – و م ع: ذرع دروبا من سوق "البوادي" الشعبي النابض بالحياة في قلب مدينة جدة، جيئة وذهابا، قبل أن يتسمر وجما أمام محل لبيع السبح، وقد ارتسمت على ملامحه علامات الحيرة والتردد، تاهت عيناه وتساءل عن أيها يختار إزاء تنوع صنوف الألوان وضروب الأشكال، وجودة المواد والخامات المتباينة بين الباهظ ثمنه والبسيط زهيد السعر.
حرص الحاج المغربي عبد الله، وهو في العقد الخامس من عمره، قبل موعد الرحيل عن الديار المقدسة بعد أدائه فريضة الحج لهذا العام 1446 ه، على اغتنام الفترة بين صلاتي المغرب والعشاء، بعد أن تلطف الحر قليلا، ليقتني بعض الهدايا لأهله وأصدقائه، لكن تردده ذاك جعله يقف صامتا دون أن يبرح المكان، قبل أن ينبري أحد أعوان المتجر ليقدم له بعض الشروحات التي قد تجلي حيرته.
هي نجمة تعلو في سماء هدايا الحجيج بدون منازع، تختزل معاني روحية بليغة أكانت باهظة الثمن أم بسيطة، تجد لها مكانا أثيرا في النفوس رغم كونها مجرد حبات يجمع بينها خيط، لكن وقعها لدى المهداة إليهم من الأقارب والأصدقاء يكون كبيرا، إذ يرى فيها الكثيرون بركة ودعاء بأن يمن عليهم المنان أيضا بزيارة مهوى القلوب.
ومن الناس من لا تكتمل عندهم أناقة اليد إلا بسبحة تتهاوى في تؤدة لا تخلو من فخامة بين الأصابع على إيقاع ذكر الله، حيث تتداخل طقطقات حباتها مع عبارات التسبيح وتعظيم الله جل وعلا، كأنما تعزف على أوتار القلب حروف عبارات التقوى.
ومهما اختلفت أنواعها وتباينت أسعارها والمواد التي تدخل في صنعها، تبقى السبح من أعز الهدايا التي يجلبها حجاج بيت الله الحرام والمعتمرون كتذكار من البقاع المقدسة، وهدية تنطوي على معاني البركة إلى أحبتهم وأصدقائهم.
وتظل السبح من الهدايا التي لا تخلو منها حقائب العائدين من الحج، مهما اختلفت قدراتهم المادية، والشعوب والثقافات التي ينتمون إليها.
وسواء أكانت من الأحجار الكريمة، كالزمرد واللؤلؤ والمرجان، أو بسيطة، من البلاستيك والخشب أو المواد الزجاجية، تبقى السبح ذات معاني رمزية وقيمة معنوية بالأساس، لما تحيل عليه وتختزله من دلالات روحية ترتبط بالذكر والعبادة والتقوى، فضلا عن كونها تنطوي على معاني كبيرة، لكونها اقتنيت من مكة المكرمة أو المدينة المنورة.
وتتكون السبحة عموما من تسعة وتسعين حبة مع فاصلتين صغيرتين، حيث يكون بين كل فاصلة ثلاثة وثلاثون حبة وشاهد، ومنها ما يتكون من ثلاثة وثلاثين حبة مع فاصلتين، تكون بين كل منهما إحدى عشرة حبة وشاهد، ويحرص صناعها على أن تكون حباتها ذات حجم مناسب ويسهل تحريكها بأصابع اليد.
وثمة عوامل عديدة تدخل في تحديد أسعار السبح، يكون لها تأثير مباشر على قيمتها في السوق. ويأتي في صدارة هذه العوامل الخامات والمواد المستخدمة في الصنع. ويرتفع سعر السبح كلما كانت خامتها نادرة مثل الكهرمان، والأحجار الكريمة أو من المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة.
وتؤثر دقة الصنع والتصميم، أيضا، على قيمة السبح، حيث تبقى السبحة المصنوعة بطريقة يدوية أكثر تطلبا من حيث مدة الصنع ومهارة الصانع التقليدي ومدى حرفيته، مقابل السبح التي تصنع بطريقة آلية من مواد بسيطة زهيدة السعر كالبلاستيك مثلا.
وهناك من يتولد في نفسه شغف خاص بجمع أنواع عديدة ومختلفة من السبح لاسيما الثمين منها. وبفضل هذا الشغف تصبح لديهم صفات الخبير القادر على التفريق بين أنواع السبح ومعرفة الأصلي منها والمقلد. وغالبا ما تجدهم في بحث متواصل عن النادر منها وعن تلك المصنوعة من مواد باهظة الثمن أو ذات القيمة الثقافية والروحية، خاصة حينما يعتقد أنها مباركة أو كانت مملوكة لشخص عرف بزهده وورعه.
وعلى الصعيد الاقتصادي فإن حجم سوق الهدايا التذكارية التي يشتريها الحجاج والمعتمرون خلال موسم الحج والعمرة يبلغ حوالي 30 مليار ريال (8 ملايير دولار)، بحسب ملتقى السفر والاستثمار السياحي السعودي.
وتقدر نسبة السبح والسجاد بحوالي 40 بالمائة من إجمالي هدايا الحجاج في موسم الحج.
وتتضح الأهمية الاقتصادية لهذه السوق بالنظر إلى التوافد الكثيف للحجاج أو المعتمرين على المحلات التجارية، سواء في أسواق مكة المكرمة أو المدينة والمنورة أو جدة، لاقتناء هدايا تتباين أسعارها وتختلف أنواعها بحسب تفضيلاتهم وقدراتهم المادية.
ولئن كان الكثيرون يواصلون تفضيل السبحة التقليدية، المصنوعة بطريقة حرفية من أرقى المواد الطبيعية كالكهرمان أو المرجان أو الفيروز، لما يتميز به ملمسها الطبيعي والأناقة التي تضفيها على اليد، فإن البعض الآخر، تغريهم مزايا التكنلوجيا التي غزت كل شيء في العالم.
وكغزوها كل مناحي الحياة، وجدت الثورة التكنولوجية لها موطئ قدم حتى في صناعة السبح، لتنتشر بين أيدي البعض سبح إلكترونية صغيرة يسعى مصنعوها لكسب نصيب من السوق، بالاعتماد على ما توفره من مزايا.
والسبحة الإلكترونية جهاز صغير خفيف الوزن يمكن الإمساك به بأصبعين فقط، من مميزاته توفره على شاشة وعداد رقمي لتسجيل عدد التسبيحات، يتيح لمستعمله التقدم في الأذكار ومعرفة عددها ما يحول بينه وبين النسيان، لئلا يعيد التسبيح من جديد.
وثمة، أيضا، مسبحة إلكترونية على شكل تطبيقات يمكن تحميلها على الهاتف المحمول، توفر خيارات متنوعة وعديدة على غرار باقي التطبيقات. ويعتقد أنصار هذه المسبحة أنها تتيح التركيز، وأنها مثالية لعد التسبيحات وتحول دون القلق بشأن مدى التقدم في تعداد الأذكار.
لكن هذه السبح الإلكترونية مهما تطورت تفتقر إلى القيمة الخاصة التي تختزنها السبح التقليدية وتاريخها على الصعيدين الثقافي أو الروحي، كما أنها تحتاج إلى الشحن أو استبدال البطارية، فضلا عن افتقارها للقيمة المادية الناتجة عن المواد النادرة والفخمة التي تصنع منها السبحة التقليدية.
ومن السبح التقليدية ما يعتقد بعضهم أنها "مباركة" ولا مجال لأي جهاز إلكتروني مهما كان دقيقا أن يحل محلها. وعلاوة على كل ذلك يبقى التقليدي من السبح جسرا بين الماضي والحاضر، إذ تضرب جذوره في عمق التاريخ والثقافة الإسلاميين.
وغني عن القول إن هديا الحجاج لا تقتصر على السبح، بل إنها تشمل، كذلك، سجادات الصلاة ومجسمات الحرمين والتمور، فضلا عن الأقمشة بأنواعها والعطور بصنوفها وخاصة الشرقي منها، وكذا التحف التي تحمل صورا للكعبة أو المسجد الحرام.
بعد شروحاته تلك حول السبح انساب الحديث تلقائيا بين نسيم عون المتجر اليمني والحاج عبد الله، ليتناول شغفهما المشترك بكرة القدم وما يقدمه حارس المرمى المغربي المتألق ياسين بونو من أداء متميز في الدوري السعودي.
بعد حيرته استقر رأي الحاج عبد الله في نهاية المطاف، على مجموعة من السبح، فهي برأيه أخف وزنا من باقي الهدايا وأكبر وقعا وتأثيرا بالنسبة للأقارب. اختار من بعضها عشرات عديدة، فيما كان أكثر حرصا على دقة الانتقاء وجودة الاختيار بالنسبة لأنواع أخرى أجمل وأرقى اعتبارا لمدى قرب من ينوي إهداءها إليهم من قلبه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.