في ظل تزايد الحوادث الجوية التي تُشعل القلق عبر العالم، يعود سؤال مقلق ليطفو على السطح: ماذا يحدث فعليا لجسم الإنسان عند تحطم الطائرة؟ بعيدا عن النظريات والتهويل، هناك أجوبة دقيقة وقاسية، تستند إلى تحقيقات علمية قادها الخبير البريطاني في حوادث الطيران، توني كولين، الذي أمضى سنوات في تحليل لحظات الرعب الأخيرة داخل الطائرات المنكوبة. في تقرير شهير له سنة 2004، كشف كولين أن السبب الرئيسي للوفاة في مثل هذه الكوارث لا يكون عادة الحريق أو الغرق، كما يُشاع، بل الصدمة البدنية الفجائية الناتجة عن قوة الارتطام. ويصف كولين المشهد قائلا: "الوفيات تحدث في أغلبها بسبب الإصابات العنيفة عند تحطم هيكل الطائرة، مما يؤدي إلى بتر الأطراف، تمزق الأعضاء الحيوية، أو حتى سحق الجسد بالكامل".
عندما تضرب الطائرة الأرض أو الماء، يُدفع الركاب بقوة هائلة إلى الأمام، ما يخلّف سلسلة من الإصابات المميتة، منها إصابات في الصدر لدى 80% من الضحايا، تنوعت بين كسور الأضلاع والقص والعمود الفقري، في حين تمزق القلب يُسجّل في نحو نصف الحالات بسبب انضغاطه بين العمود الفقري وعظمة الصدر. أما تمزق الشريان الأورطي، وهو من أخطر الإصابات، فيحدث في 35% من الحالات، وينتج عنه نزيف داخلي سريع لا ينجو منه أحد.
إلى جانب ذلك، تصيب إصابات دماغية ما يقارب ثلثي الركاب، بينما يتعرض أكثر من ثلثي الضحايا لنزيف داخلي حاد ناجم عن تمزق الكبد أو الطحال أو الكلى. الكسور أيضًا شائعة للغاية، بنسبة 74% في الأرجل و57% في الذراعين، خاصة وأن السيقان عادة ما تُحشر تحت المقاعد أو تصطدم بها أثناء الارتطام.
ورغم أن أحزمة الأمان تُعتبر من وسائل الإنقاذ الأساسية، فإنها ليست محصّنة من التسبب بإصابات، خصوصا عند انقلاب الجسد فوق الحزام أثناء التحطم، ما قد يؤدي إلى تمزق الأمعاء الدقيقة. كما أن أدوات التثبيت لا تصمد دائمًا أمام قوة الاصطدام.
أما الطيارون، فلهم نصيب خاص من الإصابات بسبب تمركز أيديهم وأقدامهم على أدوات التحكم لحظة الاصطدام، وارتطام وجوههم المباشر بلوحة العدادات.
وبخصوص موقع الجلوس داخل الطائرة، لا توجد قاعدة ثابتة للحماية، إلا أن بعض الدراسات تشير إلى أن الجلوس فوق الأجنحة، حيث يتمركز ثقل الطائرة، قد يوفر بعض الأمان، بينما يرى كولين أن المقاعد الموجّهة للخلف — كما هو الحال في بعض مقصورات الدرجة الأولى — قد تُوفّر حماية أكبر للرأس والعنق عند الاصطدام.
ورغم قسوة هذه الحقائق، فإن دراسة كولين كانت ذات أثر بالغ، إذ ساهمت في تحسين تصميم مقاعد الطائرات وتطوير بروتوكولات السلامة، لتجعل فرص النجاة في المستقبل أفضل، ولو قليلاً، في وجه كارثة تبقى من بين أكثر الكوابيس رعبا في ذاكرة البشرية.