أكادير24 | Agadir24/ عبدالله بن عيسى تقني معلوماتي تحكم الخوارزميات اليوم الطريقة التي نستهلك بها الأخبار على مختلف المنصات الرقمية، إذ لم يعد القارئ هو من يختار ما يقرأ، بل أصبحت "العقول البرمجية" تحدد له ما يظهر على شاشته أولًا. هذه التحولات العميقة غيّرت من طبيعة العمل الصحفي، وجعلت من الخوارزميات أداة ذات تأثير مزدوج، تحمل في طياتها فرصًا مهمة وتحديات مثيرة للقلق في الآن ذاته. في زمن السرعة الرقمية، أصبحت الخوارزميات حليفًا للصحفيين، إذ تمكّنهم من تتبع المواضيع الرائجة على منصات التواصل الاجتماعي، وتساعدهم على تحليل اهتمامات الجمهور في الوقت الحقيقي. خلال زلزال الحوز بالمغرب مثلًا، استُخدمت الخوارزميات لرصد أكثر المناطق تضررًا عبر منشورات السكان، مما سرّع في وصول المعلومات وأتاح تغطية صحفية دقيقة وموجهة. كما أنها ساهمت في تقديم تجربة قراءة شخصية، فالمستخدم الذي يهتم بالشأن المحلي أو الرياضي، يحصل على محتوى يتماشى مع ميولاته، ما يرفع من مستوى التفاعل والبقاء داخل المنصة لفترة أطول. لكن الوجه الآخر لهذه التكنولوجيا يثير الكثير من الجدل، فالخوارزميات لا تميز بين المحتوى الجيد والمحتوى السطحي، بل تبحث عمّا يُثير الانتباه ويُحقق أكبر عدد من النقرات، وبالتالي، فإن أخبار المشاهير والعناوين المثيرة غالبًا ما تتصدر المشهد على حساب تحقيقات معمقة أو قضايا اجتماعية مهمة. وبهذا، فإن الصحفي يجد نفسه أحيانًا مضطرًا للكتابة وفق ما تطلبه "الخوارزمية" وليس وفق ما يفرضه ضميره المهني أو مقتضيات الخدمة العمومية. الأمر لا يتوقف عند المحتوى، بل يتعداه إلى التأثير على وعي القارئ نفسه، فعندما تُظهر الخوارزميات فقط المواضيع التي توافق آراء المستخدم ومعتقداته، فإن ذلك يُنتج ما يُعرف بفقاعة التصفية، حيث لا يتعرض القارئ لأي رأي مخالف، مما يُضعف الحوار المجتمعي ويُعزز الانغلاق الفكري. على سبيل المثال، إذا كان أحدهم يفضّل قراءة الأخبار من زاوية سياسية معينة، فإن الخوارزميات ستغرقه في مقالات تعزز تلك النظرة فقط، دون أن تتيح له فرصة الاطلاع على زوايا مختلفة. المعطى الأكثر إثارة للقلق هو ما يرتبط بالخصوصية، فلكي تكون الخوارزميات فعالة في تخصيص المحتوى، فإنها تعتمد على جمع وتحليل كميات هائلة من بيانات المستخدمين.. ما يشاهدونه، كم من الوقت يقضونه على كل موضوع، ماذا يشاركون، بل وأحيانًا حتى أماكن تواجدهم. هذه البيانات قد تُستغل لأغراض تجارية أو سياسية، دون أن يكون للمستخدم علم بذلك، ما يطرح تساؤلات أخلاقية وقانونية عميقة. كما أن هذه البرمجيات قد تُقيد استقلالية الصحفي نفسه، إذ تُشجع بعض المنصات الصحفيين على كتابة مواضيع ذات تفاعل عالٍ، بصرف النظر عن قيمتها الإخبارية أو العمق المهني الذي تتطلبه. وهكذا، يجد الصحفي نفسه بين مطرقة الخوارزمية وسندان الضمير، مطالبًا بإنتاج محتوى جذاب حتى يضمن الانتشار، ما قد يؤثر على التوازن بين السرعة والجودة، وبين الجاذبية والمصداقية. في ظل هذا الوضع، يُطرح سؤال أساسي.. كيف يمكن للصحافة أن تتعايش مع الخوارزميات دون أن تفقد روحها؟ الجواب لا يكمن في رفض التكنولوجيا، بل في استخدامها بشكل مسؤول. من الممكن تطوير خوارزميات ذكية لا تقتصر على تعزيز المحتوى الرائج فقط، بل تأخذ بعين الاعتبار معايير التنوع والمصداقية، وتمنح مساحة للمواضيع الجادة والمقالات التحليلية حتى وإن كانت لا تحظى بشعبية فورية. الرهان اليوم هو على بناء توازن بين ما تريده الخوارزميات وما يحتاجه المجتمع، وعلى الصحفيين أن يظلوا أوفياء لمبادئ المهنة.. الدقة، الاستقلالية، وخدمة الصالح العام، حتى وإن تطلّب الأمر مقاومة تيار التفاعل السطحي، فالصحافة لم تكن يوما أداة لإرضاء الخوارزميات، بل كانت ولا تزال صوت الناس ومرآة الواقع. هذا، وتظل الخوارزميات أداة ذات وجهين، وإذا كانت قد سهّلت علينا الوصول إلى المعلومة، فإنها في المقابل قد تُعيد تشكيل وعينا دون أن نشعر. وهنا يكمن التحدي الأكبر.. أن نكون قرّاء أذكياء وصحفيين مسؤولين في عصر الذكاء الاصطناعي.