تواصل أسعار اللحوم الحمراء في الأسواق المغربية تحليقها خارج منطق العرض والطلب، رغم الدعوة الملكية الأخيرة التي أوصت عموم المواطنين بالإحجام عن ذبح الأضاحي خلال عيد الأضحى المقبل. توقع كثيرون أن تؤدي هذه الخطوة إلى انخفاض محسوس في الأثمان، غير أن الواقع كشف عن فوضى حقيقية يتحكم فيها الجزار أكثر مما يحكمها السوق. في أسواق مدن كأكادير والدار البيضاء وفاس، تتباين الأسعار بشكل يثير تساؤلات المواطنين، ففي بعض المناطق، سجل انخفاض طفيف لا يكاد يُلاحظ، بينما ظلت الأسعار مستقرة في أخرى، وارتفعت مجددًا في مناطق ثالثة. ويعزو كثيرون هذا الوضع إلى غياب التأطير المؤسساتي، ما فتح الباب أمام تسعير ارتجالي يخضع ل"مزاج الجزار"، على حد تعبير أحد المتسوقين. دعوة المؤسسة الملكية التي جاءت في ظرف اقتصادي واجتماعي حساس، فُهمت على نطاق واسع كمبادرة للتخفيف من أعباء العيد، وكفرصة لإعادة هيكلة السوق وضبط سلوك المضاربين. لكن النتيجة كانت مخيبة، إذ لم تُواكب المبادرة الملكية بإجراءات عملية على مستوى تسويق اللحوم أو مراقبة الأسعار، ما جعلها تفقد تأثيرها المتوقع. في جولة ميدانية بأحد الأسواق الكبرى في الرباط، تراوحت أسعار اللحوم الحمراء ما بين 100 و150 درهمًا للكيلوغرام الواحد، وهي لحوم مستوردة، بينما في محلات الجزارة العادية، بلغت أسعار لحم البقر 110 دراهم للكيلوغرام، ولحم الأغنام 130 درهمًا. وفي أسواق أخرى، سُجلت أسعار أقل، حيث بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من اللحوم الحمراء 70 درهمًا، مع توقعات بتراجعها قريبًا إلى 50 درهمًا، حسب ما نقله موقع "مدار21". هذا التباين الكبير يعكس حالة الفوضى التي يعيشها سوق اللحوم الحمراء في المغرب، في غياب إطار تنظيمي يضمن الاستقرار والإنصاف. الفاعلون في القطاع يُرجعون الفوضى الحالية إلى قانون "حرية الأسعار والمنافسة"، الذي يمنح للتجار الحق في تحديد الأسعار وفقًا لحساباتهم الخاصة. لكن مختصين في الاقتصاد يعتبرون أن القانون، رغم أهدافه النبيلة، لا يمكن تفعيله في بيئة سوق غير مهيكلة، تغيب فيها الشفافية وتنتشر فيها الممارسات غير القانونية. وتتزايد الدعوات اليوم إلى تدخل الدولة بشكل مباشر لضبط الأسعار، ولو مرحليًا، حمايةً للقدرة الشرائية للمواطنين، خاصة في ظل تزايد الضغوط المعيشية. فحرية السوق، كما يرى متابعون، لا تعني ترك المواطنين يواجهون تقلبات الأسعار دون حماية أو رقابة. هذا، وبين دعوة ملكية حملت بعدًا اجتماعيًا وإنسانيًا، وسوقٍ يُدار بقواعد غير واضحة، يبقى المواطن المغربي هو الخاسر الأكبر، يعيش عيدًا بلا ذبح، لكن بجيوب تُذبح كل يوم على مقصلة الأسعار.