الجمال، الأناقة، النجاح المهني، شريك الحياة المثالي والحياة الزوجية المستقرة… كلمات مفاتيح قد تقود إلى تحديد طبيعة العلاقة التي تجمع المرأة بالمرأة الأخرى. علاقة يكاد يجزم البعض بأنها تقوم على أساس الغيرة، ذلك الشعور الذي يتحكم في المرأة التي توصف من طرف العديد من الناس ب«المسمومة» فيؤدي إلى سلوكات سلبية تدخل ضمن الحروب غير المنتهية بين النساء من حسد ومكر وتخريب، بينما يرى آخرون أن تلك الصفة ليست حكرا على النساء وأن الأمر يتعلق بعيب قد يعاني منه أي شخص بغض النظر عن جنسه. جلست في ركن قصي داخل صالون التجميل، الذي تقصده نهاية كل أسبوع من أجل تصفيف شعرها، في الوقت الذي اجتمعت فيه زبونات الصالون لتبادل أطراف الحديث. لم تستجب لمحاولاتهن في إشراكها بمواضيع النقاش، واكتفت بتوظيف لغة الجسد بدلا من الكلام من خلال الابتسام وتحريك رأسها حينما كانت الزبونات يسألنها عن رأيها في كل ما له صلة بأمور المنزل والحياة الزوجية والعلاقات العائلية. «كل أصدقائي رجال» «النساء لا يجدن سوى الثرثرة والنميمة»، بصوت خافت أبدت فاطمة الزهراء تذمرها من الأسلوب الذي كانت تتحدث به زبونات الصالون، وطبيعة المواضيع التي يتطرقن إليها، وشرعت في انتقاد طريقة تفكير المنتميات إلى الجنس اللطيف وكأنها لا يجمعها بهن نفس الانتماء، قبل أن تنتقل للحديث عن المعاناة التي عاشتها خلال محطات من حياتها نتيجة احتكاكها بنساء تصفهن ب«المسمومات». «من النادر ألا أصادف زميلة في العمل تحاول محاربتي في نجاحي» تؤكد فاطمة الزهراء، التي ترجع سبب السنوات التي قضتها في التنقل بين عدد من الشركات الخاصة إلى المكائد التي كانت تدبرها لها زميلاتها في العمل بدافع الحسد والغيرة، بالرغم من أنها كانت تحسن معاملتهن وتكن لهن كل الاحترام. لم تقتصر المكائد النسائية التي كانت فاطمة الزهراء ضحية لها على مكائد زميلاتها في العمل، فحسب الشابة الثلاثينية حاولت العديد ممن كانت تحسبهن صديقات لها تشويه صورتها والإساءة إلى سمعتها من خلال الإشاعات اللواتي كن يختلقنها. «لقد صار كل أصدقائي اليوم من الرجال لأنهم أكثر صدقا وأقل مكرا» تقول فاطمة الزهراء، فلقد كانت المكائد والمضايقات التي تعرضت لها على يد من كانت تعتبرهن صديقات لها كفيلة بجعلها تحرص على إبقاء علاقتها بالنساء سطحية، بينما تتخذ من الرجال أصدقاء لها ولا تتردد في البوح لهم بكل أسرارها وغيرها من الأمور التي تندرج ضمن خانة الخصوصيات في ثقة تامة بأنهم لن يقدموا في يوم من الأيام على إفشاء تلك الأسرار كما اعتادت أن تفعل النساء. صفة ليست حكرا على النساء على عكس فاطمة الزهراء ترفض سارة أن يتم إلصاق صفة «المسمومة» بالمرأة، وتعتبر اتهام الأخيرة بهذا الأمر نوعا من التمييز في حقها ومحاولة للتقليل من شأنها. « هاته الصفة ليست حكرا على النساء، فالأمر يتعلق بصفة إنسانية وعيب على مستوى الشخصية قد يعاني منه أي شخص بغض النظر عن جنسه» تقول سارة متحدثة بنبرة انفعالية تحمل بين طياتها الكثير من الحماس والشراسة في الدفاع عن الجنس اللطيف. «يوجد حولنا العديد من الأشخاص الذين يقابلون المعروف بالإساءة ويلحقون الأذى بالآخرين دون سبب» تؤكد الشابة ذات الثانية والثلاثين عاما، فهي لم تسلم حتى من إساءات الرجال سواء من طرف زملائها في العمل أو حتى بعض أفراد عائلتها. من أكثر الأمور التي تحز في النفس حسب سارة أن يلمح المرء الحسد في عيون المقربين منه، وهو الأمر الذي عانت منه بشدة، فلقد كانت تصرفات قريباتها في كثير من الأحيان تعكس غيرتهن من جمالها وأناقتها، حيث كن دائما يعمدن إلى انتقاد طريقة لباسها والسخرية منها بهدف التقليل من شأنها. في المقابل كان أقاربها الرجال يعجزون عن كتم غيظهم من تفوقها في مسارها المهني الذي قادها إلى تبوإ منصب مهم تتقاضى بفضله أضعاف ما يتقاضونه، فيلمحون كلما سنحت لهم الفرصة بأن وصولها إلى تلك المكانة كان بطرق غير مشروعة. منافسة وغيرة محمد ذو الثامنة والعشرين عاما يرى أن صفة «المسمومة» التي تقترن بالعديد من النساء لم تأت من فراغ، وأن العلاقة بين النساء غالبا ما تقوم على المنافسة والغيرة. «المرأة دائما ما تضع نفسها في مقارنة مع الأخرى» يقول محمد، مؤكدا أن الجمال والأناقة والحظ السعيد في الزواج والحياة المهنية من أكثر الأمور التي تؤجج الغيرة في نفس المرأة. «المرأة تحب دوما أن تحصل على الأفضل بينماتستكثره على غيرها» يقول محمد بنبرة امتزجت فيها السخرية بالاستنكار، فهو كان شاهدا داخل محيطه العائلي والاجتماعي على العديد من المواقف التي أدرك من خلالها أن المرأة يمكن أن تستخدم كل شيء سيء من تصرفات وأساليب وحتى عبارات جارحة لإلحاق الأذى بالمرأة التي ترى فيها غريمة لها أو للتقليل من شأنها في أفضل الأحوال. يعترف محمد بأنه في كثير من الأحيان لا يتعامل بجدية مع شكاوى النساء في محيطه العائلي عندما ينشب أي خلاف تكون إحداهن طرفا فيه، بل ويرفض حتى تصديق الروايات التي تصدر على ألسنتهن مبررا موقفه بعبارة بسيطة «إن كيدهن عظيم». شادية وغزو