أسئلة كثيرة، ونقاشات عديدة فرضت نفسها علينا بعدما وقع الأربعاء الماضي في قلب جريدة ساخرة كان يعرفها بضعة آلاف من الخلق، وأصبحت بعد إبادة هيئة تحريرها صحيفة عالمية يعرفها الصغير قبل الكبير، بل وأصبحت رمزا أساسيا من رموز حرية التعبير بالنسبة للإنسانية كلها. أول نقاش سيفرض نفسه علينا، بعد أن تهدأ الأحاسيس الجياشة التي عبرت بها الإنسانية عن موقفها من المجزرة، هو سؤال علاقة ديننا ببقية الأديان. غير خاف أن أياما سيئة تنتظر من يدين بدين الإسلام في العالم بأسره، لأن الخلط وقع، وهو ليس وليد مجزرة شارلي. لا هو قديم، لكنه وجد في مجزرة شارلي فقط مايؤيده ويعضده . وقد قلناها مرارا وتكرارا للمتطرفين: لا تعطوا من يقولوا عنكم إنكم إرهابيون الدليل على صحة مايقولونه. حاوروهم، جادلوهم بالتي هي أحسن، أظهروا سماحة الإسلام معهم، وفيهم، أكدوا لهم أننا فعلا خير أمة أخرجت للناس، وأن رموزنا ومقدساتنا أكبر منهم وأنها لايمكن أن تتعرض للإساءة فقط لأن أحدا رسمها أو تطاول عليها. أعطوهم دليل حياتنا عوض أن تؤكدوا لهم أننا فعلا ومثلما يقولون هم عنا باستمرار ميتون. للأسف، أصوات العقل لا يسمع لها أحد في هذه المنطقة، وأصوات الجنون والحمق والشعبوية الرخيصة هي التي ترتفع وهي التي تسود في الضفتين، لذلك سنرى أياما سوداء بالفعل في القابل من الوقت. نقاش آخر لابد من الدخول فيه اليوم هو دور علماء المسلمين المتنورين في قراءة النص الديني القراءة الجديدة الجيدة، القادرة على تخليصه من أي فهم متنطع، والقادرة على استلاله من بين أيدي غلاة القوم الذين لايفهمون في الدين الإسلامي إلا آيات القتل والعنف، ولا يرون فيه إطلاقا الآيات الأخرى تلك التي تحض على السلم وتجنح له. المعركة هاته هي أشرس المعارك وأصعبها، لأنها تتعلق أولا بنهوض أناس من مرقدهم الأبدي لكي يخوضوا تجديدا في هذا الدين لم يستطع العديدون أن يفعلوه. ولن يستطيع أي منا أن يقوم بذلك. وحدهم علماء الإسلام المتنورون يستطيعون شريطة أن تتوفر لهم الإرادة، وألا تخيفهم أصوات التطرف، وأن يفهموا أن الإسلام اليوم أمام طريقين : إما أن يجدد ويطور نفسه ويظهر وجه السمح والمسالم للعالم بأكمله، وإما أن يسجل إلى آخر الأيام دينا للقتل في أذهان من لايعرفونه لأن من يتحدثون باسمه لا يعرفونه أساسا. ثالث النقاشات التي طرحت بعد مجزرة شارلي الرهيبة هو نقاش المؤامرة. وهذا النقاش قديم لدى هاته الأمة حتى أصبحت هي المؤامرة على ذاتها. ذلك أنه لم يسبق لنا يوما أن تحملنا مسؤولية فعل من أفعالنا أو تبنيناه، أو قلنا "نعم نحن المخطئون". لا، باستمرار نهرب إلى تفسير ولا أبلد، ولا أغبى ولا أحمق هو تفسير أن جهات خفية تآمرت علينا من أجل أن تلصق لنا هاته التهمة الجديدة لكي تضرب الإسلام من جديد. لا أحد فينا يطرح السؤال: لماذا ستتآمر علينا كبريات الدول ونحن بلدان لا نساوي في ميزان العلاقات الدولية إلا الشيء القليل؟ لا أحد مرة أخرى يشغل باله بالبحث عن جواب، لأن جوابا عن سؤال مزعج مثل هذا لايمكن إلا أن يكون جوابا مزعجا. لهذا تفضل الناس الفرار. يهربون إلى قنوات الاحتيال والشعوذة التي تبرز لهم أن "الشرطي المغربي الأصل الذي قتل لم ينفجر رأسه انفجارا وبالتالي هو يمثل فقط، وتؤكد لهم أن السيارة التي هرب بها الأخوان كواشي ليست هي السيارة التي وجدت فيما بعد، وأن الجثتين لم تعرضا على العموم وبالتالي فلاوجود لجثتين، وأن يهود شارلي إيبدو لم يذهبوا إلى عملهم يوم الأربعاء لأنهم كانوا يعرفون بالمؤامرة، مثل يهود 11 شتنبر إن كنتم تتذكرون"، وقس على ذلك ما شئت من المضحكات المبكيات التي لاتعرف حقا كيف تعامل معها طالما أنها غبية وحمقاء وخرقاء ولا وصف لها إلا حالة الهذيان والسكيزوفرينيا التي أصيب بها جزء لا بأس به من هاته الأمة. للأسف هاته النقاشات ستحدد موقف العالم منا وموقفنا نحن من العالم، ومعها نقاش آخر يتعلق بالمنع والحرية والتقاء الفن بالمقدس، وهذا موضوع ذو شجون، نتحدث عنه في عمود الغد... إلى لقاء ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق سرني كثيرا أن أرى كبير القوم ادريس الخوري في مقدمة الصحافيين المغاربة الواقفين أمام سفارة فرنسا في الرباط. سرني أن يحمل"باادريس" ماتبقى من عتاد شجاعته لكي يعلن به مرة أخرى أنه ضد القتل وضد الهمجية، وضد إبادة الصحافيين، وأنه مع الحياة ومع تقديسها إلى المتم. وطبعا سرني أن أرى وجوها عديدة لزملاء أعزاء فهموا أن اللحظة هي لقولها بكل صراحة: لا للإرهاب، ولتنتظر بقية النقاشات لحظتها للمشاركة في نقاش: هل ماوقع في شارلي إيبدو يمس الإسلام والمسلمين؟ إبعثوا مساهماتكم إلى الموقع عبر صفحاتنا في الفيسبوك وتويتر : ahdath.info و الأحداث المغربية