يبدو أن الارهاب العالمي نجح في التحكم في لحظات الفرح التي تصنعها كرنافالات ألمانيا. إذ على بعد يوم واحد على إثنين الورود الذي تصل فيه الكرنافالات ذروتها، أعلنت مدينة برونشفايغ شمال البلاد، إلغاء مهرجانها بسبب تهديد بوقوع هجوم إرهابي لمتطرفين اسلامييين. وجاء ذلك بناء على معلومات قدمتها "مصادر جديرة بالثقة في جهاز امن الدولة" بحسب شرطة المدينة، لذلك طلبت الشرطة من سكان المدينة بعدم التوجه الى موقع انطلاق الكرنفال". وهكذا وجد سكان المدينة وطالبوا الفرح، أنفسهم محرومين من اللحظات البهيجة التي تخلقها أكبر كرنافالات شمال ألمانيا. وإن لم تفصح السلطات الأمنية هل بين هذا الاجراء وبين الهجومين اللذين وقعا السبت في كوبنهاغن من سبب، أم أن للأمر علاقة بالهجوم الدامي الذي شهدته باريس والذي استهدف مجلة شارلي ايبدو الساخرة، الذي اوقع 17 قتيلا. وقبل نحو شهر تقريبا أعلن منظمو ا أهم عرض كرنفالي في المانيا في كولونيا غرب البلاد، منع استخدام تصميم لتكريم رسامي الكاريكاتور الذين قتلوا في الهجوم على شارلي ايبدو لدواع امنية. وكان مقررا أن يظهر تصميم يظهر رجلا باللباس الاسود يحمل حزاما ناسفا ومشهرا مسدسا. وكانت لجنة الكرنفال في مدينة كولونيا ، قد أعلنت أنها دعمت فكرة التصميم دفاعا عن حرية التعبير والصحافة. غير أنها تلقت "رسائل من سكان محليين اعربوا عن قلقهم"، لذا راعى المنظمون ذلك، وأخذوا هذا القلق على محمل الجد"، وذلك بالرغم من أن المنظمين أقروا بانه "لم يكن هناك اي دليل" من الشرطة بوجود تهديد ارهابي. إثنين الورود أو الحاجة إلى السخرية يشكل "اثنين الورود" مناسبة لعشاق الكرنفال للتعبير عن آرائهم ومواقفهم السياسية بطرق ساخرة. وأصبحت السخرية السياسية تقليداً عريقا في مهرجانات الكرنفال بألمانيا. بعدما حاول السياسيون في الماضي رسم حدود لها، صار بإمكانها اليوم أن تطال الجميع وتطرح كل المواضيع تقريباً باعتبارها نوعاً من أنواع التعبير عن الرأي. فهنا الكل يأخذ نصيبه من السخرية سواء تعلق الأمر بفلاديمير بوتين أو باراك أوباما أو أنغيلا ميركل أو حتى بابا الفاتيكان. لقد سبق أن ظهرت المستشارة الألمانية، في إحدى عربات قافلة كرنفال في كولونيا، على شكل "أنثى خنزير يرضع من ثديها صغار خنازير إسبانية ويونانية وإيطالية وبرتغالية" في انتقاد واضح لسياسة ميركل الأوروبية. إذ بحلول "اثنين الورود" (Rosenmontag) تكون احتفالات كرنفال ألمانيا، كما هي هي حال كرنفالات العالم، قد وصلت إلى ذروتها. وخلال هذا اليوم تجوب قوافل الكرنفال أهم شوارع المدن التي تشهد طقوساً احتفالية. ويشكل "اثنين الورود" مناسبة لعشاق الكرنفال للتعبير عن آرائهم ومواقفهم السياسية بطرق ساخرة. وليست هذه هي المرة الأولى التي تتم السخرية فيها من أنغيلا ميركل بهذه الطريقة التي قد يراها البعض غير ملائمة. لكن المستشارة الألمانية كعادتها لم تحتج ولم تحرك ساكناً حيال ذلك. وترى الخبيرة القانونية يوليا فليك أن ميركل تتصرف بشكل صحيح بعدم متابعة أو التضييق على من يسخر منها. وتقول فليك "ينبغي على من يدخل المطبخ أن لا يهاب النار". وترى يوليا فليك التي كتبت موضوع أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه حول "القيود القانونية للسخرية" أن هذه القاعدة "تسري بشكل خاص على السياسيين". كونراد أديناور ونبذه للسخرية في الماضي، لم تكن السخرية السياسية محط ترحيب في ألمانيا. فعندما كانت ألمانيا ديمقراطية ناشئة، طلب المستشار الألماني كونراد أديناور من عمداء المدن الكرنفالية الرئيسية منع السخرية السياسية في عروض الكرنفال. وكان أديناور ينظر إلى السخرية بمثابة خيانة للدولة وليس كوسيلة ديمقراطية للتعبير. وتستبعد يوليا فليك في الوقت الحالي أن تكون البرامج السياسية الساخرة في ألمانيا عرضة للمضايقات. وتقول فليك "إن حدود التصورات الأخلاقية أصبحت أكثر اتساعاً في العقود الأخيرة وأنها أصبحت أكثر تقبلاً". وهذا ما يؤكده أيضاً شتيفان دينزر مبتكر فكرة برنامج "هويته شو" (Heute-Show) بالقناة الثانية. يقول شتيفان دينزر "نحن محطة حرة. نقوم بعمل ما نريد ونترك ما نريد". وتابع دينزر "منذ خمس سنوات وأنا أدير هيئة تحرير برنامج هويته شو. خلال هذه المدة لم يحاول أي سياسي أن يؤثر عليّ أو على فريق عملي". حرية التعبير في مقابل الحقوق الشخصية ورغم أن السخرية السياسية هي نوع من أنواع حرية التعبير عن الرأي، إلا أنها تبقى مرتبطة بقيود قانونية حتى لا تعتدي على الحقوق الشخصية وتبتعد عن انتهاك شرف وكرامة الأشخاص. وتقول المستشارة القانونية للمجلة الألمانية الساخرة "تيتانيك" غابرييلا ريتيش "إذا شعر أحد الأفراد بأن كرامته قد مُست وقام برفع دعوى أمام المحكمة، هنا يجب توضيح إن كان ذلك حرية رأي أم اعتداء على الحقوق الشخصية". وتابعت ريتيش "يصعب تحديد ما يجب أن يقال وما لا يجب أن يقال. وكل حكم يختلف عن الآخر. فعندما تصل مثل هذه القضايا إلى المحاكم، فغالبا ما يكون مضمونها ذا طابع شخصي". ويمكن اعتبار صورة البابا السابق بنيديكتوس السادس عشر، التي اختارتها مجلة "تينانيك" الساخرة لغلاف إحدى نسخها قبل حوالي سنتين، كمثال للقضايا التي تتداخل فيها حرية الرأي مع الحقوق الشخصية. وقد أظهرت المجلة البابا وهو يرتدي رداءه المعهود، وبه بقعة صفراء عند منتصف الجسد. وعنونت المجلة الصورة بالعبارة التالية: "انكشف مكان الثغرة"، في إشارة إلى تسريب وثائق سرية من الفاتيكان وصل فحواها إلى الرأي العام عن طريق الصحافة. وكان الفاتيكان قد هدد آنذاك برفع دعوى على المجلة قبل أن يتراجع عن ذلك. وتقول ريتيش إنه في حالة ما اذا قامت إحدى المحاكم الألمانية بالبت في هذه الدعوة، فإن فرص النجاح في كسب الفاتيكان لهذه القضية أو الفشل في ذلك كانت ستكون متساوية. الفرح مهنة كولونيا يعد كرنفال كولونيا الأكبر من نوعه على صعيد ألمانيا ويضاهي الكرنفالات العالمية الكبرى مثل كارنفال ريو في البرازيل أو مهرجان نيو أرليون في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وتربط سكان مدينة كولونا علاقة مميزة بطقوس الكرنفال وتاريخه العريق. فقد توالى على مدينة كولونيا شعوب وأعراق مختلفة بداية من الرومان قبل 2000 عاما ليتم احتلالها في فترات أخرى من الفرنسيين وشعوب أوروبية أخرى. وهذا المزيج الثقافي والإرث التاريخي جعل من مدينة كولونيا مدينة الترفيه والسهر على مر العصور. يعرف على سكان مدينة كولونيا طابعهم الاحتفالي والعفوي، وذلك ليس فقط في أيام الكرنفال كما يقول أحد الكوميديين إن :" سكان كولونيا لهم عقلية مختلفة وعلاقتهم بالكرنفال يصعب شرحها، فهي مثل علاقة الرضيع بأمه." يبقى لموسيقى الكرنفال حضور قوي حتى بعد انتهاء الموسم الاحتفالي، فسرعان ما تنتهي احتفالات الكرنفال حتى تبدأ بعدها احتفالات عيد الفصح ومواسم احتفالية أخرى. بداية الاحتفال الرسمي بالكرنفال التنكري تبدأ في 11 نوفمبر بمدينة كولونيا، وتستمر الاحتفالات حتى بداية شهر الصيام لدى المسيحيين. وتعتبر مدينة كولونيا الواقعة غرب ألمانيا الأشهر والأقدم والأكبر في احتفالات الكرنفال، حيث يشارك الملايين كل عام بهذه المناسبة.