يوم الكلاسيكو الاسباني يوم استثنائي عند كثير من المغاربة، ففي هذا اليوم تكون المقاهي ممتلئة عن بكرة أبيها في معظم المدن، وناذرا ما يمكن أن تجد مكانك إلا إذا حجزته ساعة على الأقل قبل انطلاق المباراة. قبل هذا الحدث بأيام، لا صوت يعلو في الشوارع وفي المحلات التجارية و في الثانويات والجامعات، على صوت الجدال والمناقرات بين أنصار البارصا والريال، الجميع يتحسس نبضات قلبه وكأن الأمر يتعلق بمعركة حاسمة بين جيشين. الفضائيات الناقلة لهذا الحدث تبرع في تضخيمه وتهويله باستخدام كل أشكال المؤثرات، تقدم برامج مطولة حول تاريخ الفريقين حتى صار المتتبعون لليغا متضلعين في تاريخها وسير لاعبيها في مقابل جهل عميق بتاريخ مغربهم وأمتهم المجيد. مع انطلاق المباراة، تتسارع دقات القلوب كما يحلو لعصامالشوالي معلق ''بيين سبور'' أن يقول دائما، مقاهي الشوارع الرئيسة تعج بالمتابعين، أكوام من الأدخنة تخنق الجو بفعل كثرة المدخنين، تتصاعد أهازيج التشجيع،هاتافات لا يفهم منها إلا الصراخ، سيل من السب واللعن ينزل على كل لاعب ضيع فرصة تسجيل. يجتمع أصدقاء كثر في هذا اليوم للاستمتاع بمتابعة الكلاسيكو، لكن من خلال ملاحظة ما يجري بين هؤلاء وهم يتفاعلون مع أحداث المباراة ، نخلص إلى أن هذه اللعبة لم تعد مناسبة للاستمتاع و الترويح عن النفس ، بل أصبحت مجالا للصراع والتنافس وأداة للتعصب المقيت. أتذكر يوما كنت أتابع فيه مباراة الكلاسيكو مع صديق لي في أحد المقاهي، سجل أحد الفريقين هدفا، فانقلب المقهى من شدة القفز والهياج، كُسرت قنينات كثيرة. كان يجلس إلى جانب طاولتنا رجل ''بارصاوي'' يقارب سنه الأربعين عاما، ويبدو أن الرجل كان ينتظر ثأره منذ زمن بعيد، لذلك فما أن تم تسجيل الهدف حتى أطلق سلسلة من عبارات الاستفزاز والنقير في اتجاه غريمه ''الريالي'' الجالس في طاولة متقدمة.
لم يمسك هذا الأخير أعصابه، فرد عليه بعبارات أشد قسوة، تحول الجدال إلى نزال بالسب والكلام الساقط، ثم ما لبث أن تطور الأمر إلى اشتباك بالأيدي، وهكذا صار المقهى حلبة مصارعة، وانصرف متابعوا الكلاسيكو إلى فك العراك. لم تعد كرة القدم إذن مجالا للتنافس بين اللاعبين فوق المستطيل الأخضر فقط، بل غدت وسيلة لبث النزاعات بينالزملاءوالأصدقاءوالأقرباء. فعندمايتسببالتشجيعفيالفُرقةوإثارةالمشكلات فذلك أمر خطير لأنه يدل على مستوى وعي متدني عند فئات كثيرة من مجتمعنا. لكن الأخطر من ذلك هو عندما تتحول هذه الرياضة إلى أداة لمسخ الهوية وطمس الثقافات بدلا من أن تلعب دورها المفترض في التقريب بين الشعوب والحضارات وإعمال السلم بينها، ففي الشوارع كما في المؤسسات التعليمية صرنا نلحظ شبابا بقصات شعر غريبة شبيهة بتلك التي يظهر بها نجوم البارصا والريال وغيرهما من الأندية أثناء المباريات. فبالنسبة لهؤلاء المهووسين هم يعبرون عن مدى حبهم وولائهم لهذا النادي أو ذاك. وهكذا ففي الوقت الذي تسعى فيه المناهج التعليمية و التربوية إلى إكساب النشء مبادئ الاعتزاز بالهوية العربية والاسلامية عبر التعريف بانجازاتها الحضارية وبرموزها في النضال السياسي والثوري، نجحت الساحرة المستديرة بسهولة بالغة في استيلاب عقول متتبيعها عبر تحويل رموز نضالها الكروي إلى نجوم عالمية، بل إلى مثل عليا. أتذكر في هذا الصدد إجابة طفل يسكن في حينا عندما سألته عماذا يطمح أن يصير في المستقبل، وكنت أتوقع أن يختار إحدى المهن الراقية، لكنه رد بنبرة طفولية بريئة: ''ميسي''!. وقتئذ أدركت أن كرة القدم ليست مجرد لعبة،وإنما صارت سلاحا فتاكا حول كبار و شباب وأطفال أمتنا إلى ''أيتام في مأدبة مروضي النجوم''.