بعد سنين طوال عجاف من العمل ك"أستاذ" في مداشر و قرى المغرب الحبيب، حلمت بتغيير وضعيتي و العمل في المجال "الحضري" كغيري في قطاعات أخرى، و لأن كل الطرق في المغرب لا تؤدي بالضرورة إلى التغيير، فقد طرقت باب العلم الذي وحده قد يفتح آفاق الانعتاق. درست بسلك الماستر، كما العديد من الأساتذة – آملا في استكمال تكويني و في فتح آفاق أكثر إشراقا و آدمية في حقل تعليمي تتمرغ كرامة ممتهنيه يوما بعد يوم في الوحل. بعد سنتين من الدراسة و البحث المضني و السفر بين المراجع و المؤلفات، حصلت أخيرا على شهادة الماستر برسم سنة 2012، و أنا أضع نصب عيني أني سأنعتق يوما من وحل "المجموعات المدرسية" لأنتقل لتدريس المستويات التي تناسب شهادتي في إحدى الثانويات و الترقية في الدرجة لعلي أضيف دريهمات لأجرتي الهزيلة. و لأنني، و لسوء الحظ، جئت في زمن حكومة ما بعد الربيع العربي، التي حفظتنا – مشكورة- من اضطرابات الشارع ووفرت لنا الأمن و الأمان كما يدعي "زعيمها"، فقد تمت مواجهة مطلبي- و مطلب المئات من أمثالي – بالترقية و تغيير الإطار بباب موصد، جاعلة مني على خطوات فقط من المحظوظين من حاملي الماستر إلى حدود 2011 الذين استفادوا من شهاداتهم فقط لأنهم قطفوا أزهار الربيع العربي. وأمام هذا الحيف، الذي أمعنت في تكريسه النقابات التي تخلت عن دورها في الدفاع عن القضايا التعليمية، لم يبق أمامنا إلا طرق باب الاحتجاج و الإضراب، سندنا في ذلك دستور حديث جاء تلبية لنبض الشارع، و الذي ينص صراحة على أن "حق الإضراب مضمون،ويحدد قانون تنظيمي شروط و كيفيات ممارسته" ناهيك عن ضمانه للحريات العامة ومن ضمنها حرية التظاهر السلمي. فاستطعنا حشد ما يربو عن 6000 أستاذ و أستاذة ما بين حاملي الإجازة و الماستر، و هو عدد لم تستطع التعبئة له أي من الديناصورات النقابية الجاثمة على كراسيها و على قلوب الشغيلة منذ سنوات. خضنا اعتصاما بالرباط جاوز المئة يوم، أبدع فيه الأساتذة كل أشكال الاحتجاج السلمي، من مسيرة الحفاة إلى مسيرة الشموع إلى مسيرة الأواني الفارغة، قدمنا عروضا أمام ساحة البرلمان، وصل صوتنا لأسماع العالم إلا مسؤولي القطاع الذين يبدو أن في آذانهم وقرا، فواجهونا بشتى أنواع القهر و القمع و الاعتقال، وكل ذلك في ظل صمت مقيت من طرف النقابات و رجال التعليم أيضا، وفي ظل تعتيم إعلامي من طرف قنواتنا التلفزية التي يبدو أنها كانت مشغولةبالتافه من البرامج. وأمام هذا الاعتصام التاريخي ، تكرمت علينا وزارتنا بمباراة ملغومة و بشروط مجحفة، فقررنا المقاطعة... تهافت عليها بعض انتهازيي "الأساتذة"، شرعنوا المباراة و انتهى الأمر...أو هكذا بدا. قررنا تعليق الإضراب والرجوع إلى أقسامنا، التزمنا بتعويض ما ضاع من حصص التلاميذ، و التزمت الوزارة بتسوية الملف عبر مباراة أخرى. و لأننا ننتمي لوزارة لا نعرف من يسيرها حقيقة، فقد تقرر الانتقام من أساتذة لا لشيء إلا لأنهم طالبوا بالمساواة و الكرامة، و هكذا، لم تتم تبرئة ساحة المناضلين الذين اعتقلوا، تم قصم ظهر العديد من الأساتذة بالاقتطاعات الثقيلة دون مراعاة لالتزاماتهم أو حالتهم الاجتماعية، أوقفت أجور أزيد من 1200 أستاذ وأستاذة، و لتسريح هذه الأجور لا بد من المرور من المجالس التأديبية ب"تهمة" الإضراب و التي لا زالت تعقد حتى الآن، و للإمعان في ساديتها، فقد قسمت المباراة الموعودة إلى محطات زمنية متباعدة. أدركت في الأخير، و أدرك إخواني الأساتذة، أننا لم نفهم الدستور جيدا، فعندما نجد أن " حق الإضراب مضمون" ، يبدو أن لها دلالة غير التي تتبادر إلى الذهن، ووحدهم "مسؤولونا" هم من يستطيعون تأويل بنوده حسب ما يرونه، فنعتذر عن سوء فهمنا.