إسرائيل تطالب بسحب تقرير الخبراء عن المجاعة في غزة "فورا"    تصفيات كأس العالم 2026: مباراة المنتخب الوطني المغربي ونظيره النيجري ستجرى بشبابيك مغلقة            تعشير السيارات يدر 7 مليارات درهم على خزينة الدولة    الخميس بين الحرارة والضباب.. تفاصيل الحالة الجوية بالمغرب    رفض تمتيع لشكر بالسراح المؤقت    الجمعية العامة تواجه رهانات تقرير غوتيريش حول الصحراء بمفاهيم متناقضة    "ماستر كارد" تبرز مسار التحول الرقمي    الوزيرة بن يحيى ترفع ميزانية "جائزة التميز" وتوسعها ترابيا    المغرب ثالث أكبر دولة إفريقية من حيث عدد المليونيرات    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    مدرب رينجرز يؤكد اقتراب رحيل حمزة إيغامان    حادثة انقلاب حافلة بأزيلال تصيب 20 راكبًا    حالة طوارئ أمنية بعد العثور على مسدس بطنجة    واردات الحبوب بالمغرب تتراجع 11% في سبعة أشهر    الزاوية الكركرية تنظم الأسبوع الدولي السابع للتصوف بمناسبة المولد النبوي الشريف    من طنجة إلى الكويرة.. بوريطة: المغرب يفتح بوابة الأطلسي لأشقائه في دول الساحل    اضطراب النوم يضاعف خطر الانتكاسات لدى مرضى قصور القلب (دراسة)    قبل انطلاق البطولة.. اتحاد طنجة يراهن على باركولا وماغي لتغيير وجه الموسم    الإعلان عن مشاركة سفينتين مغربيتين في مبادرة جديدة عالمية لكسر الحصار عن غزة    من تندوف إلى سوريا والساحل.. مسار مرتزقة البوليساريو في خدمة إيران والجزائر    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين 2024 (نصف النهائي).. "تأهلنا إلى النهائي جاء عن جدارة أمام منتخب السنغال القوي" (طارق السكتيوي)    القطاع النقابي "للعدل والإحسان" يطالب بسحب مشروع قانون التعليم العالي وإعادته لطاولة الحوار    ذكرياتٌ فى ذكرىَ رحيل الأديب عبد الكريم غلاّب    موناكو تستضيف قرعة دوري الأبطال.. 36 فريقا يتنافسون على المجد الأوروبي    زخم ثقافي وحملات بيئية يميزان صيف العاصمة الاقتصادية    مجاهد: "سيني بلاج" قيمة مضافة للمشهد السينمائي المغربي    حزب الاستقلال يدين محاولات خصوم المملكة التشويش على النجاحات التي تحققها بلادنا    اختتام فعاليات المهرجان الثقافي والفني والرياضي الأول بالقنيطرة باستقطاب 750 ألف متفرج خلال أربعة أيام    بطولة أمريكا المفتوحة لكرة المضرب.. الأمريكية كوكو جوف تتأهل إلى الدور الثاني    إدارة الجمارك... محجوزات السجائر المهربة تناهز 254 ألف وحدة في 2024    مدرب مانشستر يونايتد يكشف عن تطورات حالة نصير مزراوي    مقتل 13 مسلحا في جنوب شرق إيران    الدنمارك تستدعي دبلوماسيا أمريكيا    ماذا تريد بعض الأصوات المبحوحة في فرنسا؟    ترامب يرأس اجتماعا في البيت الأبيض بشأن الأوضاع في "غزة ما بعد الحرب"    خطوبة كريستيانو وجورجينا تثير تعليقات متناقضة في السعودية        عائلة وأصدقاء أسيدون أسيدون يعلنون صعوبة وضعه الصحي ويطالبون بتكثيف الجهود للكشف عن حقيقة ما حدث له    توقيف شقيقين متورطين في التزوير وترويج المؤثرات العقلية    تقرير: النساء يتقاضين أجورا أقل من الرجال ب42% في القطاع الخاص    الصين تنظم النسخة ال25 من معرضها الدولي للاستثمار في شتنبر المقبل        صحيفة إسبانية: المغرب ضمن أكبر 15 مصنعاً للسيارات في العالم بطاقة إنتاجية مليون سيارة سنة 2025    اختتام الدورة الثانية لمهرجان الموروث الثقافي بجماعة الحوزية بايقاعات روحانية و عروض للتبوريدة    مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد يصدر تقريره السنوي لسنة 2025 حول الجغرافيا السياسية لإفريقيا    هؤلاء يبيعون لك الوهم ..    جلالة الملك يعزي أسرة الإعلامي الراحل محمد حسن الوالي    المغرب ‬‮:‬ ‬حملات ‬تقتضي ‬رفع ‬درجات ‬الحذر    تقرير أممي: ربع سكان العالم يفتقرون إلى مياه شرب آمنة    الصين تحقق سابقة عالمية.. زرع رئة خنزير معدل وراثيا في جسد بشري    ينقل فيروسات حمى الضنك وشيكونغونيا وزيكا.. انتشار بعوض النمر في بلجيكا    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدين والسياسة من الدمج أو الفصل .. إلى التمييز
نشر في العمق المغربي يوم 15 - 10 - 2018

( خيار ما بعد الدولة الدينية أو الدولة العلمانية الشاملة .. هو خيار الدولة المدنية الديمقراطية الحقوقية والتعاقدية)
لم يفضي بنا الحراك إلى تحولات ديمقراطية حقيقية، بل زج بنا في أتون تجربة المغامرة التي لم نكتشف أبجدياتها السياسية حتى الآن!.. لقد تركنا الربيع العربي يتحول إلى خريف، ولم تتحمل أزهاره هواء ملوثا بغبار الايديولوجيات المتطاير في كل الميادين..
لقد سقط الحاكم العربي المستبد ولم يأت فولتير، وبدله حضر هوبز ومكيافيلي!.. فصار التغيير كابوسا مزعجا، فكان بديل الحرية هو الفوضى، وبديل الكرامة هو وجبات الإهانة والإذلال اليومية التي اكتوى بها المواطن العربي في ردهات المخافر والسجون، وبديل العدالة الاجتماعية هو التفاوتات الاجتماعية الرهيبة، وبديل الثورة هو الدولة العميقة، وعاد جميع الرعايا ينشدون سيدا مستبدا مشتركا يعيد “الأمن والاستقرار”، وإن صادر الحقوق والحريات!.
لم نستطع أن نحرر المعنى من العدمية.. لم ننتبه إلى سطوة بنياتنا الفكرية المتخلفة، التي تعيد إنتاج نفسها إلى ما لا نهاية، عبر لاشعور سياسي ينزع إلى التفرد والإقصاء، لم نلتفت بما فيه الكفاية إلى ضرورة اجتراح آفاق المراجعة لذاتنا التاريخيّة المُنهكة.. بقي كل طرف منا يبحث عن الحقيقة في دائرة ذاته، وكل منا اكتشف حقيقته وكفر بحقيقة الأخر، فخسرنا جميعا إمكانية العيش سويا، وضاقت علينا جغرافية الوطن!
لقد نسينا في زحمة الصراع معاني "الكلمة السواء" ودلالات " حلف الفضول" ومضامين"صحيفة المدينة" وأبعاد "صلح الحديبية"، وقمنا بعسكرة المفاهيم الدينية والعلمانية بمختلف مدارسها، لتسود لغة الاحتراب، ومارس كل واحد منا شغبه، وتم احتلال الفضاء العام، وأغرقناه بكل قيودنا الفيودالية، و عشنا تجربة جنون التاريخ، ولا زلنا نحصد تمارها المرة! …
لقد أصبحت سياقاتنا الوطنية والإقليمية والدولية تتسم بخاصية التعقيد المخيف، وخاصية التعددية المتصاعدة، وصارت مجتمعاتنا ودولنا مركبة.. وأمسى عالمنا مزدحما بالأفكار والمشاريع والمرجعيات.. وضمن واقع هذا السياق باتت الحياة المشتركة تحتل أولوية كبرى، وصار سؤال كيف تبنى وتدار وتساس مركزيا؟.. وأصبح التحدي الذي يواجهنا هو: كيف ندبر مصلحة عمومية؟.. كيف يمكن العيش سويا؟.. كيف نخلق لغة مشتركة؟ كيف يمكن أن يتوقف الإنسان عندنا أن يكون سيفا في قبضة الطائفية والعدمية والعمياء؟..
وهذا يتطلب شجاعة للتخلى عن تنانين الأفكار التي تولد الاستبداد، وتنتج التوحش والخراب، وتجاوز ضيق الأحادية والقوقعة نحو رحابة التعددية والنسبية والشراكة والقوة الناعمة.. والتخلي عن الأفكار الانقسامية التي تهدد وحدة المجتمعات، والاعتقاد القاتل الذي يستبيح السلامة الجسدية للمخالف، ومنطق “لست على شيء” الذي يحتكر الحقيقة والخلاص..
وواجب الوقت والحال والسياق والمساق يتطلب؛ التخلص في وعينا من الاستبداد المركب العقائدي والفكري والاجتماعي والسياسي فيما يشبه تخلية العقول لتتمكن من التحلية بالتجديد المأمول.. والتحرر من التفسير الثراتي الذي يعتقد أن للنص معنى واحد يمكن تجليته عبر المأثور، المشحون بالكثير من فتنة التاريخ وقيوده.
والتجربة العملية المستقبلية كفيلة بتحرير الخطاب الفكري والسياسي من بنية المطلق إلى بنية النسبي، والإخلاص لبؤرة الموقد لا لرماده.
وأشكال العلاقة بين الدين والدولة؛ تكون إما بالدمج " الدولة الدينية" وهذا محذور نخشى أن نقع فيه، أو بالفصل" الدولة العلمانية الشاملة" وهذا هو الأخر خيار ماكرثي لا يبقي ولا يذر، أو بالتمييز "الدولة المدنية" وهذا خيار جامع ومناسب، لأن المدنية هي غير منذمجة في الدين وغير منفصلة عنه، وإنما في علاقة حرية به، لا تمارس إكراها له ولا عليه.
ويمكن اعتبار التمييز بين منظور علماني جزئي وآخر شمولي كالذي كشف عنه الدكتور عبد الوهاب المسيري تمييزا إجرائيا نافعا، لأنه يتيح لنا تجنب إطلاق أحكام مطلقة على مفهوم يحتمل دلالات متنوعة، فالعلمانية من حيث هي بحث عقلاني عن الحقيقة، ومن حيث هي احترام لإنسانية الإنسان وكرامته لا يعترضها من الإسلام معترض.. وهذا يسمح وفي إطار التمييز وليس الفصل، أن نجسر مع العلمانية الجزئية بعض التفاهمات التاريخية التي تحمي اجتماعنا السياسي من التشظي والانحلال، ويسمح لنا أيضا بتقديم قراءة نقدية توليدية لمفهوم العلمانية تبرز فجواته المعرفية، وحتى تناقضاته الدلالية، فلقد ولد المفهوم تاريخيا لتصفية تركة الاستبداد السياسي باسم الدين، فالسياق والمساق هو محاربة الاستبداد السياسي المقدس، وليس محاربة الدين في نقائه وصفائه، لكن التطور الدلالي حصل فيه انزياح، فصارت العلمانية نزعة عدمية تقصي الدين من الفضاء العام بشكل تعسفي .
وشعار تسييس الدين هو كشعار تديين السياسة، الأول يروم تحويل المطلق إلى نسبي، بتحويل الدين إلى ايديولوجية ذرائعية لتبرير السلوك السياسي النسبي والمنحط، وهو بحاجة إلى نقد وتصويب، والثاني يروم تحويل النسبي إلى مطلق، وتحويل السياسة إلى عقيدة لممارسة الإكراه، وهو الأخر بحاجة إلى تفكيك وإعادة بناء.. إن الدين هو خيار وجودي يعكس ضمأ الإنسان إلى المطلق، ضمن أساسات الايمان بالله واليوم الأخر والعمل الصالح، وليس خيار ايديولوجي يراد من خلاله ممارسة الهيمنة والسيطرة، وتبرير وشرعنة الإقصاء والإقصاء المضاد، أو ممارسة العنف بكافة تجلياته المادية والرمزية.
والأصل الجامع هو أن يكون الدين مقاصده وضوابطه مجملة، وأن تكون السياسة تدبيرا وإجراءات مفصلة ونسبية، ليحصل التكامل لا التماثل.. فلا نقول إن السياسة هي الشرع، ولكن نقول موافقة للشرع إن كانت عادلة، أو مخالفة للشرع عن كانت ظالمة.
إن أية مرجعية إسلامية كانت أم وضعية في دولة مدنية حرة، لا تكون لها قوة القانون إلا بإرادة من له الحق في الحكم.. وبالتالي لا يجوز للإسلاميين أن يفرضوا مرجعيتهم بالإكراه، كما لا يجوز للعلمانيين أن يعترضوا على المرجعية الإسلامية إذا حازت على رضا واختيار من له الحق في الحكم وهو الشعب أو الأمة.. فلا دين ولا إيديولوجيا في السياسة إلا بالطرق المدنية.
من هنا يمكن اختيار أية المرجعية إسلامية كانت أو علمانية، في إطار دولة مدنية، فنظام الحكم المدني الراشد في تصورنا هو نظام تقيمه الأمة باختيارها، ويكون مستمدا من مرجعيتها وقيمها، ومرتكزا إلى إرادتها، ومستمرا برغبتها وقناعتها.
والمدنية هي مقابل للبداوة والتوحشن ومقابل للنظم العسكراتية، ومقابل للدولة الدينية الاكليروسية، أو الدولة العلماني الماكرثية، ويمكن أن نؤكد بأن النظام التيوقراطي لا دين له، فيمكن أن يتم بأي نظرية دوغمائية عدمية عنصرية فاشية كاريزمية وإقصائية.. سواء كانت دينية أو علمانية..
ومنطق العلاقة بين الديني والسياسي يستوجب رفض “الفصل التعسفي للدين عن السياسة” و”الدمج القهري للدولة والدين”، ويؤكد على حل بين طرفي المعادلة عن طريق التوسط والاعتدال، من خلال التأكيد على مايلي:
– أن الدولة وكل المرجعيات يتعين تمييزهما مؤسستيا، لأن أجهزة الدولة هي الجزء الأكثر استقرارا، والمفترض فيها أن تبقى خارج دائرة الاستقطاب، أن تبقى لكل مواطينها باختلاف مشاربهم الايديولوجية، تعكس المشترك والجامع، ويحكمها ضابط الحيادية والاستقلال النسبي.
– التمييز المذكور لا يطال الفصل بين السياسات ومختلف المرجعيات الدينية والفكرية، لأن السياسات هي العملية المتغيرة، والمختصة بصنع الخيارات بين التوجهات السياسية والفكرية المتنافسة.
– حدود هذا التمييز يتطلب تعاقدا مجتمعيا، حتى لا يمكن للأكثرية أن تستبد بالسلطة، ولا تلجأ الأقلية إلى المقاومة العنفية، أو الاستنجاد بالخارج، أو الالتجاء إلى السلبية والانعزال.
– يقتضي مبدأ “السلطة للأمة" إما مبدأ التبني\ بالفعل للمرجعية المجتمعية في حده الأقصى، أو مبدأ الاحترام\ بالترك لكل ما يخالفهما في حده الأدنى.
– وتمييز الدين عن الدولة ووصله بالسياسات، يسمح بتطبيق مقاصده ومبادئه، بشكل مدني وقانوني.
– مبادئ الشريعة هي وضع إلهي، لا يمكن فهمها إلا من خلال فهم بشري تاريخي ونسبي، غير معصوم عن الخطأ والنسيان، ولا يمكن تنزيلها إلا عبر تدبير اجتهادي وقانوني خاضع لإرادة الأمة، ويستدعي المعارضة حتى من داخل الدائرة الإسلامية.
– الانتماء للأسرة الدولية رهين بامتلاك مقومات الدولة القانونية، والتقيد بالمواثيق الدولية المصادق عليها .
– والاستيعاب الراشد للإطار المرجعي للدولة، يكون بالاحترام الكامل للهوية الجامعة للأمة والشعب، فكل دول العالم تستلهم إطاراتها المرجعية، ولكن بدون الاخلال بقيم المواطنة والعدل والانصاف والمساواة امام القانون وتوفير الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.