الجديدة.. انطلاق الدورة السادسة لأيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني    كومان : الأجهزة الأمنية المغربية نموذج ريادي في مواكبة التنمية وصون الأمن    الهاكا توجه إنذارا للقناة الأولى بسبب "تغليط الجمهور" بإشهار "اتصالات المغرب" ضمن سلسلة رمضانية    الوزير كريم زيدان في لقاء مفتوح مع مؤسسة الفقيه التطواني    حزب الاستقلال يستحضر منظومة القيم في فكر علال الفاسي بمناسبة الذكرى 51 لرحيله    اسبانيا تعلن توقيف عنصر موالي ل "داعش" بالتعاون مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني    بمشاركة المغرب..انطلاق أعمال القمة العربية الرابعة والثلاثين ببغداد    وكالات روسية: بوتين يستضيف أول قمة روسية عربية في أكتوبر المقبل    الرئيس الكوري السابق يغادر حزبه قبيل انتخابات مبكرة    تعاون أمني مغربي-إسباني يفضي إلى توقيف عنصر إرهابي في غوادالاخارا    نهضة بركان أمام فرصة ذهبية للاقتراب من المجد القاري ضد سيمبا التنزاني    الوداد يواجه بورتو البرتغالي وديا في ثاني مبارياته التحضيرية لمونديال الأندية    موعد مع التاريخ.. "الأشبال" يطمحون للظفر بلقب أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة وتكرار إنجاز 1997    إفران تعتمد على الذكاء الاصطناعي للوقاية من حرائق الغابات ومكافحتها    الأميرة للا حسناء تترأس حفل افتتاح الدورة ال28 لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    شرطة بني ملال تستعرض إنجازات    من العروي إلى وجدة.. مطاردة أمنية تنتهي باعتقال أخطر لص سيارات    الفيفا تكشف توقعاتها لمداخيل كأس العالم 2030.. إيرادات غير مسبوقة    محمد صلاح مهاجم ليفربول يحدد موعد اعتزاله    مغرب الحضارة: أولائك لعنهم الله لأنهم سرطان خبيث الدولة تبني وهم يخربون.. ويخونون    كيوسك السبت | انخفاض المساحات الغابوية المتضررة من الحرائق سنة 2024    "السينتينليون".. قبيلة معزولة تواجه خطر الانقراض بسبب تطفل الغرباء    عملية سرقة بمؤسسة "روض الأزهار" بالعرائش: الجاني انتحل صفة ولي أمر واستغل لحظة غفلة    احتفالية مهيبة بمناسبة تخليد الذكرى التاسعة والستين لتأسيس المديرية العامة للأمن الوطني بالعرائش    ورشة تكوينية حول التحول الرقمي والتوقيع الإلكتروني بكلية العرائش    الزيارة لكنوز العرب زائرة 2من3    تأييد الحكم الابتدائي في قضية رئيس جماعة تازروت القاضي بستة أشهر حبسا موقوف التنفيذ    معاناة المعشرين الأفارقة في ميناء طنجة المتوسطي من سياسة الجمارك المغربية وتحديات العبور…    الاتحاد الأوروبي يجدد رفضه القاطع الاعتراف ب"كيان البوليساريو" الانفصالي    سميرة فرجي تنثر أزهار شعرها في رحاب جامعة محمد الأول بوجدة    افتتاح المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي عند الدخول الجامعي 2025-2026    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تترأس حفل افتتاح الدورة ال28 لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    أقصبي: استوردنا أسئلة لا تخصنا وفقدنا السيادة البحثية.. وتقديس الرياضيات في الاقتصاد قادنا إلى نتائج عبثية    ملتقى ينادي بتأهيل فلاحي الشمال    الدرهم يرتفع بنسبة 0,4 في الماي ة مقابل اليورو خلال الفترة من 08 إلى 14 ماي(بنك المغرب)    ‬الشعباني: نهضة بركان يحترم سيمبا    منظمة: حصيلة الحصبة ثقيلة.. وعفيف: المغرب يخرج من الحالة الوبائية    اليماني: تحرير أسعار المحروقات خدم مصالح الشركات.. وأرباحها تتجاوز 80 مليار درهم    للجمعة ال76.. آلاف المغاربة يشاركون في وقفات تضامنية مع غزة    موسم طانطان: شاهد حيّ على ثقافة الرحل    أبرز تعديلات النظام الأساسي ل"الباطرونا"    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بارتفاع    المغرب يواجه جنوب إفريقيا في المباراة النهائية لكأس أمم إفريقيا للشباب    ترامب: كثيرون يتضورون جوعا في غزة    تغازوت تحتضن مؤتمر شركات السفر الفرنسية لتعزيز التعاون السياحي المغربي الفرنسي    لازارو وزينب أسامة يعلنان عن عمل فني مشترك بعنوان "بينالتي"    متحف البطحاء بفاس يستقطب آلاف الزوار بعد ترميمه ويبرز غنى الحضارة المغربية    من طنجة إلى مراكش.. الصالون الوطني لوكالات كراء السيارات يتوسّع وطنياً    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    تزايد عدد المشردين يقلص الدخول إلى مطار مدريد    ابتلاع الطفل لأجسام غريبة .. أخطار وإسعافات أولية    دراسة: الاحترار المناخي يهدد أوروبا بانتشار وبائي لحمى الضنك وشيكونغونيا    دراسة: الإفراط في الأغذية المُعالجة قد يضاعف خطر الإصابة بأعراض مبكرة لمرض باركنسون    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدخل إلى نشأة البلاغة العربية
نشر في العمق المغربي يوم 04 - 11 - 2019

إن الحديث عن البلاغة العربية يدفعنا إلى العودة إلى ما قبل خمسة عشر قرنا، حيث كانت البلاغة متناثرة في النصوص الإبداعية الأدبية، والأحكام النقدية، والملاحظات الشعرية والنثرية؛ حيث كانت للعرب قبل الإسلام أسواق موسمية يأتون إليها قصد البيع والشراء، ومن أشهرها سوق “عكاظ “، وسرعان ما تحولت هذه الأسواق إلى مراكز ثقافية للندوات الأدبية والإلقاءات الشعرية، ويحكى أن النابغة الذبياني كانت تضرب له قبة حمراء، و ينشد عليه الشعراء قصائدهم، فلم يكن شاعرا فحسب لكنه كان شيخ الحكام لهذه المناظرات الشعرية، والأدبية، ومن أشهرها قصة الشاعر حسان بن ثابت الأنصاري والخنساء شاعرة الرثاء .
1 – أ – البلاغة في اللغة .(ضبط المعنى اللغوي)
جاء في لسان العرب . ” بلغ الشيء : بلوغا وبلاغا : وصل وانتهى ،وأبلغه هو إبلاغا وبلغه تبليغا .
قال الشاعر : قالت ولم تقصد لقيل الخنى مهلا فقد أبلغت أسماعي
والبلاغ : ما بلغك .والبلاغ : الكفاية .ويقال أمر بلغ بالفتح .وأمر بالغ وبلغ والبلاغة : الفصاحة والبلغ : البليغ من الرجال .ورجل بليغ وبلغ .حسن الكلام فصيحه يبلغ بعبارة لسانه كما في قلبه .والجمع بلغاء، وقد بلغ بالضم، بلاغة أي صار بليغا وقول بليغ . بلغ والبلاغات كالوشايات وبالغ فلان في أمري إذا لم يقصر فيه “1. وسميت البلغة بلغة لأنك تتبلغ بها فتنتهي بك إلى مافوقها وهي البلاغ أيضا والبلاغ”2 .التبليغ في قول الله تعالى “هذا بلاغ للناس “3.
وجاء في كتاب أساس البلاغة للزمخشري المتوفى سنة 538 هجري ؛ مادة ( ب ل غ ): ” أبلغه السلام وبلغه. وبلغت ببلاغ الله : بتبليغه وبلغ في العلم المبالغ .وبلغ الصبي .وبلغ منَى ما قلت، وبلغ منه البلغين .وأبلغت إلى فلان : فعلت به ما بلغ به الأذى والمكروه البليغ […]وبلُغ الرجلُ بلاغةً فهو بليغٌ وتبالغ في كلامه : تعاطى البلاغة وليس من أهلها .”4 .
و التعريف نفسه نجده في مجموعة من المعاجم الأدبية واللغوية: ( كتاب الوافي، وكتاب الصحاح، ومعجم البلاغة…إلخ )، حيث تتفق على كون البلاغة من مادة ب ل غ وتعني الوصول والنهاية وليست هي الفصاحة، هذه الأخيرة التي تتضمنها البلاغة، لكن هنا فرق بين البلاغة والفصاحة، وهذا ما سأتوقف عنده في التعريف الاصطلاحي للبلاغة . كما نجد هناك تعريفا للبلاغة في معجم تاج العروس لمحمد مرتضى الحسيني الزبيدي، يقول: ” بلغ : (بلغ المكان ،بلوغا)، بالضم : (وصل إليه ) انتهى، ومنه قوله تعالى: '' لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس'' سورة النحل الآية7 .ومنه أيضا '' فإذا بلغن أجلهن '' سورة البقرة 234 .ومنه أيضا البلوغ والإبلاغ : الانتهاء إلى أقصى المقصد و النهي […] والبلاغة على وجهين : أحدهما : أن يكون بذاته بليغا، وطبقا للمعنى المقصود به، وصدقا في نفسه، ومتى احترم وصف من ذلك كان ناقصا في البلاغة . والثاني : أن يكون بليغا باعتبار القائل والمقول له، وهو أن يقصد القائل به أمرا ما، فيورده على وجه حقيق أن يقبله المقول له “5 .
من هنا نستنتج أن البلاغة في اللغة العربية تؤدي معاني مختلفة الدلالة والوضوح، إلا أنها تلتقي في التعبير عن الوصول إلى المبتغى و النهاية .
1 – ب – البلاغة في الاصطلاح .
يعرف الجاحظ البلاغة بقوله: ” البيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجب دون الضمير حتى يفضي إليك السامع إلى حقيقته […] والغاية التي يجري إليها السامع إنما هو الفهم والإفهام فبأي شيء بلغت الإفهام وأوضحت عن المعنى، فذلك هو البيان “6 .
نستشف من كلام الجاحظ أن البلاغة هي البيان المرتبط بالمعنى والفهم والإفهام، وكل هذا من أجل إيصال المعنى إلى قلب السامع / المتلقي، والحفاظ على محتوى الرسالة واضحة المعالم والمعنى.
إلى جانب الجاحظ نجد أبا هلال العسكري يعرف البلاغة بقوله: ” البلاغة كل ما تبلغ به المعنى قلب السامع؛ فتمكنه في نفسه لتمكنه في نفسك مع صورة مقبولة ومعرض حسن “7.
جدير بالرصد أن نوضح أن الاختلاف بين العسكري والجاحظ في الألفاظ تركيبا ومعنى، لكن الهدف واحد هو الوصول إلى قلب السامع، و إيصال المعنى والدلالة دون مانع يحول ضد ما أراد المتكلم. كما نجد أيضا تعريفا للسكاكي حول البلاغة، يقول: ” هي بلوغ المتكلم في تأدية المعاني حدا له اختصاص بتوفية خواص التركيب حقها، وإيراد أنواع التشبيه والمجاز والكناية على وجهها “8 . في هذا التعريف للسكاكي نجده قد أدخل بعض المفاهيم البلاغية من قبل التشبيه والمجاز والكناية. مما يجعل من البلاغة تستهدف قلب السامع / المتلقي أيضا .
وقد سئل عبدالله بن المقفع ما البلاغة ؟ قال: ” البلاغة اسم جامع لمعاني تجري في وجوه كثيرة . فمنها ما يكون في السكوت، ومنها ما يكون في الإشارة، ومنها ما يكون في الحديث، ومنها ما يكون في الاحتجاج، ومنها ما يكون جوابا، ومنها ما يكون ابتداء، ومنها ما يكون شعرا ومنها ما يكون سجعا وخطبا، ومنها ما يكون رسائل […] والإيجاز هو البلاغة “9. من أين أتى ابن المقفع بهذا التعريف الصريح للبلاغة وارتباطها بمجموعة من المعارف الأدبية، والعلمية، والثقافية. هل أتى بهذا من معرفته الموسوعية؟، يجب لا ننسى أنه رجل فارسي الأصل أو كان هذا متداولا في عصره أو استفاد من الثقافتين الفارسية والعربية. مما يجعلنا نقف عند مسألة التأثير والتأثر في إرساء دعائم البحث البلاغي والنقدي العربيين . إضافة إلى كل من الجاحظ والعسكري والسكاكي وابن المقفع المتوفي سنة 142 ه. نجد الرماني قد قسم البلاغة إلى عشرة أقسام هي : الإيجاز، التشبيه، الاستعارة، التلاؤم، الفواصل، التجانس، التصريف، التضمين، المبالغة وحسن البيان. وهذا الأخير هو المقصود بالبلاغة وبيت القصيد.
و ” أحسن البلاغة الترصيع والسَجع واتساق البناء واعتدال الوزن واشتقاق لفظ من لفظ وعكس ما نظم من بناء، وتلخيص العبارة بألفاظ مستعارة وإيراد الأقسام موفورة بالتمام وتصحيح المقابلة بمعاني متعادلة وصحة التقسيم باتفاق النظوم وتلخيص الأوصاف بنفي الخلاف والمبالغة في الوصف وتكافؤ المعاني في المقابلة والتوازي وإرداف اللواحق وتمثيل المعاني “10 . وإن كان هناك التشبيه والمجاز و الكناية بعدين عن تصنيف حمادي صمود، في مفاهيم البلاغة العربية . وأن الفرق بين البلاغة والفصاحة من حيث المعنى والدلالة، يقول ابن سنان : ” أن الفصاحة مقصودة على وصف الألفاظ، والبلاغة لا تكون إلا وصفا للألفاظ مع المعاني. لا يقال في كلمة واحدة لا تدل على معنى يفصل عن مثلها بليغة، وإن قيل فيها إنها فصيحة، وكل كلام بليغ فصيح وليس كل فصيح بليغ كالذي يقع فيه الإسهاب في غير موضعه “11.
2 – نشأة البلاغة العربية .
لقد اهتم العرب بالبحث البلاغي والنقدي بعد نزول القرآن الكريم، والاهتمام بقضاياه ومعانيه، وامتداد الدعوة الإسلامية إلى الدول المجاورة لشبه الجزيرة العربية. وكانت هذه المرحلة التي اهتم فيها العلماء العرب بالقرآن دراسة و شرحا وتفسيرا، اهتم العرب أيضا بجمع لغتهم المتفرقة بين القبائل العربية بشبه الجزيرة العربية والشام.
أما ما يخص المصطلحات البلاغية والنقدية، فأول ما ظهرت هذه المفاهيم اللغوية والدلالية لم تكن واضحة المعالم، دقيقة التعريفات، وهنا أقف عند مفهوم البيان الذي أعطاه الجاحظ مفهوم البلاغة، وأيضا هذا الأخير الذي طال ما حمل مفهوم الفصاحة والبديع، خلال القرون الأولى – الأول والثاني – في نشأة البلاغة العربية .هذه المصطلحات والمفاهيم التي أطلقها العرب على بعض الملاحظات النقدية في الشعر العربي، وهنا نستحضر قصة النابغة الذبياني والجارية التي اكتشفت عيب من عيوب القافية والروي في شعر النابغة؛ ( الإقواء ) . ولقد كانت هذه الملاحظات عابرة يدركها العرب بحكم تمرسهم وذوقهم وسليقتهم اللغوية، في التميز بين الكلام البليغ والقول الدارج السوقي العامي . وبين ما هو من البلاغة والنقد وبين ما هو عار عليهما وليست له علاقة بهما.
وكما سبق ذكر ذلك فلقد تمثل تلك الأحكام النقدية والبلاغية والمفاضلات الشعرية، التي كان يقوم بها النابغة الذبياني بسوق عكاظ، في تفضيل شاعر عن آخر ومن بين أشهر محاكمته التي عرفها الأدب العربي؛ هي تلك التي درت رحاها بين الشاعر حسان بن تابث الأنصاري والخنساء شاعرة الرثاء . وقد رجح فيها هذه الأخيرة عن حسان بن تابث . وكما نجد في تاريخ الشعر العربي مفاضلة شعرية في الزمن الغابر، بين الشاعر امرئ القيس وعلقمة بن عبدة الملقب بعلقمة الفحل، وكان فيها الحكم زوج امرئ القيس وانتصار فيها علقمة الفحل على امرئ القيس . إضافة إلى بعض المختارات الشعرية التي عرفها الأدب العربي؛ ومنها المفضليات، والأصمعيات، والحماسة، هذا ما يجعل منا نتشبث بكون البلاغة العربية نشأت في بيئة عربية، كانت ارهاصاتها الأولية في العصر الجاهلي، تم نمت وازدهرت خلال العصر العباسي بعيدا عن التأثير الأرسطي . كما يقول ابن خلدون أنها ولدت في البيئة العربية لخدمة مقاصد عربية، ويأتي على رأس هذه المقاصد منع اللحن، وهنا تظهر علاقة البلاغة باللغة وعلمي النحو والصرف . بعد دخول مجموعة من الشعوب غير العربية إلى الدين الإسلامي .
ومن بين العلماء العرب الذين أسهموا في نشأة وإرساء دعائم البلاغة العربية نذكر:
الجاحظ المتوفى سنة 255 هج وكتابيه : البيان والتبين والحيوان .
الرماني المتوفى سنة 386 هج ،كتاب النكت في إعجاز القرآن .
أبو هلال العسكري المتوفى سنة 395 ، كتاب الصناعتين .
البقلاني المتوفى سنة 403 هج كتاب إعجاز القرآن .
عبدالقاهر الجرجاني ،أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز .
السكاكي المتوفى سنة 626 هج ، كتب مفتاح العلوم .
وبعد هؤلاء لم يتبق من البلاغة العربية إلا الشروحات و التلاخيص ، مع الخطيب القزويني والفلاسفة العرب .
أما بخصوص القرآن الكريم ودوره في نشأة البلاغة العربية، فلا يمكننا الحديث عن بلاغة عربية خارج القرآن الكريم والشعر العربي، والحديث النبوي الشريف. ففي القرآن الكريم، قال تعالى : ” الرحمان علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ” 12 .وقال رسول الله ” إن من الشعر لحكمة، وإن من السحر لبيان “13 . ولفهم القرآن الكريم والسنة النبوية لابد من العودة إلى اللغة العربية والبلاغة والشعر، قال ابن العباس: ” إذا تعاجم شيء من القرآن فانظروا في الشعر فإن الشعر عربي ” 14.
وهناك مجموعة من الكتب اللغوية والبلاغية التي اهتمت بالقرآن الكريم شرحا ونقدا وبلاغة نذكر :
كتاب “معاني القرآن” للفراء المتوفى سنة 207 ه.
كتاب “مجاز القرآن” لأبي عبيدة معمر بن المثنى المتوفى 210 ه
كتاب تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة المتوفى سنة 226 ه .
في هذه الكتب التي اعتنت بدراسة القرآن الكريم شرحا وتفسيرا، نجد بين دفتيها مصطلحات ومفاهيم بلاغية، ونقدية، وقضايا لغوية. كما نجد تعريفات لهذه المفاهيم يرتبط بالقرآن والثقافة العربية. من قبيل المجاز الذي كان بالنسبة لهؤلاء الذين اهتموا بدراسة القرآن الكريم هو الأسلوب.
لقد أسهمت الدراسات القرآنية والشعرية في ظهور حس نقدي بلاغي عند العلماء الرواة، جعلهم هذا الحدس والاهتمام يرجعون إلى البوادي العربية؛ من أجل جمع شتات اللغة العربية. نثرا وشعرا وأمثال وحكايات. بعد ما شعروا بالخطر الذي بدأ يلاحق اللغة العربية (اللحن ) . بعد دخول الشعوب غير العربية المجاورة إلى دائرة الإسلام ، ما نتج عنه من تفشي اللحن والأغلاط اللغوية.
إن ” أول من اهتم بجمع الأشعار وتدوينها تمهيدا لعملهم النحوي الرامي إلى تقعيد اللغة، وضبط نواميس استعمالها. وقد أدَى بهم ذلك، بطبيعة الحال إلى إثارة عدد من القضايا المتصلة بلغة تلك الأشعار وأساليبها، كما تولدت عن اهتمامهم بتعقب سقطات الشعراء، وإحصاء محاسنهم و نواة أعمالهم التي تضمنت إشارات بلاغية لا يستهان بها [… ] فتقنين اللغة هو اللبنة الأولى في البناء البلاغي، إذ به تتحدد هندسة المباني وتتضح النواميس الخفية المتحكمة في الفعل اللغوي من جهة الخطأ والصواب “15 . هكذا يكون الاهتمام باللغة العربية صرفا ونحوا، دراسة وتحليلا، قد لعب دورا مهما في نشأة البلاغة العربية، إلى جانب الاهتمام بالقرآن والشعر.
وتعتبر مؤلفات الجاحظ “البيان والتبين ” و”الحيوان ” أقدم الكتب والصحائف التي وصلتنا تعتني بالكلام من جانبه الدلالي واللغوي .
3 – بلاغة الشعر عند العرب .
يقول قدامة بن جعفر المتوفى سنة 328 ه: ” الشعر قول موزون مقفى يدل على معنى “16 .بهذا يضعنا قدامة الذي يعتبر صاحب أول كتاب نقدي في الشعر العربي والأدب، حيث عرف فيه بالشعر وحدوده.
وقد عرف السكاكي الشعر: ” والشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم، كسائر أصناف العلم والصناعات : منها ما تثقفه العين، ومنها ما تثقفه الأذن، ومنها ما تثقفه اليد، ومنها ما يثقفه اللسان “17 .ورغم ما ألف من كتب في نقد الشعر بعد قدامة بن جعفر إلا أن كتاب ” نقد الشعر” احتل مكانة مرموقة بين النقاد والبلاغيين العرب الذين اهتموا به شرحا ونقدا وتلخيصا .فإلى اليوم لازال تعريف قدامة للشعر متداولا بين النقاد المحدثين الذين اهتموا بالشعر دراسة وتحليلا . لكن يمكن أن نقول إن كتاب “البديع” يعتبر: ” على صغر حجمه وقلة ما أضاف إلى مادة العلم، منعرجا حاسما في التأليف البلاغي ومساهمة فعالة في بلورة حدود العلم وتخليصه من تبعية العلوم الأخرى “18 .
بهذا يكون الاهتمام بدراسة الشعر قد أسهم في نشأة علم البلاغة وعلومها التي قسمها السكاكي إلى ثلاثة علوم هي : علم البيان وعلم البديع وعلم المعاني، يقول القاضي الجرجاني المتوفى سنة (392ه): “وكانت العرب إنما تفاضل بين الشعراء في الجودة والحسن يشرف المعنى وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته، وتسليم السبق فيه لمن وصف فأصاب وشبه فقارب بيه فأغزر، ولمن كثرت سوائر أمثاله و شوارد أبياته ولم تكن تعبأ بالتجنيس والمطابقة، ولا تحفل بالإبداع والاستعارة إذا حصل لها عمود الشعر ونظام القريض “19 . فالاهتمام بالشعر وقضاياه هو اهتمام بالبلاغة وقضاياها، هكذا يكون الشعر قد لعب دورا مهما في نشأة علم البلاغة .
كما أشرنا إلى ذلك سابقا باهتمام اللغويين العرب بجمع اللغة . وإن ” تقنين اللغة هو اللبنة الأولى في البناء البلاغي إذ به تتحدد هندسة المباني وتتضح النواميس الخفية المتحطمة في الفعل اللغوي من جهة الخطأ والصواب “20 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.