تأخر التساقطات يقلق المزارعين ومربي الماشية من موسم فلاحي صعب    المغرب يتجه نحو نمو أكثر توازناً في النصف الثاني من 2025 مع تباطؤ طفيف بعد طفرة الربيع    "جيتكس غلوبال" يبرز مستجدات الحلول الذكية ومستقبل الأصول الرقمية    مشاكل تقنية تربك بيع "تذاكر الكان"    "المجلس الإقتصادي والإجتماعي": الدعم الحكومي للصحافة عام 2024 بلغ 325 مليون درهم وعلى الوزارة نشر لوائح المستفيدين    شباب GenZ يقررون استئناف الوقفات الاحتجاجية ويدعون لتوسيع حملة المقاطعة    المغرب يطلق مشروعا جديدا لصناعة محركات الطائرات باستثمار يفوق 3.4 مليارات درهم    من فرنسا... شباب الاتحاد يطلقون "نداء" رفضًا للولاية الرابعة للشكر ول"مسرحية" المؤتمر الوطني    رئيس الحكومة يدعو إلى تعزيز التنسيق والتعاون بين المرافق العمومية ووسيط المملكة    الرئيس الأمريكي ترامب في قمة شرم الشيخ: تحقق المستحيل وأصبح لدينا أخيرا سلام في الشرق الأوسط    المنتخب المغربي يصطدم بفرنسا في نصف نهائي مونديال أقل من 20 سنة    العثور على جثة بدون رأس بشاطئ الديزة بمرتيل    820 مليون درهم لتحويل ورزازات إلى وجهة مرجعية في السياحة الثقافية المستدامة    اليساري مصطفى البراهمة في ذمة الله    "حماس" تسلم الدفعة الأخيرة من الرهائن    نتنياهو يعلن الغياب عن "قمة مصر"    هيئة حقوقية تطالب بمراجعة قوانين التظاهر ووقف متابعة المحتجين السلميين    وهبي: يبدو أني الوحيد في جهة الأغلبية .. الجميع اختار صف المعارضة    بنسعيد: رهانات 2030 بالمغرب تتطلب تطوير المشهد الإعلامي الوطني    الكشف عن أثمنة تذاكر "كان" المغرب    المغرب يضرب موعدا مع فرنسا في قبل نهائي كأس العالم للشباب    صحيفة إسبانية: المغرب يفرض نفسه كأبرز المرشحين لكأس العالم بعد أداء "لا يمكن وقفه"    بورصة الدار البيضاء تغلق على ارتفاع    برادة: الجيل "زد" ينبّه لإكراهات قائمة.. وميزانية الملاعب لا تعطل الأولويات    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    حملات أمنية تمشيطية واسعة بغابات طنجة وتطوان لتوقيف المهاجرين    فوز 3 علماء بجائزة نوبل في الاقتصاد    منعم السليماني يتألق مع نجوم عالميين    لافونتين المغربي والخطاب السياسي..    معايير منح جائزة نوبل بين التشريف السياسي والاستحقاق الأكاديمي    تمديد آجال الترشيح للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة إلى غاية 20 أكتوبر    دراسة يابانية: الشاي الأخضر يقي من مرض الكبد الدهني    منظمة الصحة تحذر: البكتيريا المقاومة للمضادات تهدد الأرواح    علماء كنديون يكتشفون طريقة بسيطة عن طريق تحليل عينات من أظفار القدم للكشف المبكر عن سرطان الرئة    جائزة نوبل للأدب بيان ضدّ الشعبوية الأوروبية    «بين حبيبات الرذاذ، خلسة صفاء» .. ما بين المبتدأ وشبه الجملة، ينهمر شعر مينة الأزهر    إدغار موران: فيلسوف العصر العاشق للحمراء    ولد الرشيد: حرية الصحافة وسيلة لمحاربة الفساد وشرط أساسي لبناء الثقة بين المواطن والدولة    الصين: ارتفاع الصادرات بنسبة 8,3 بالمائة في شتنبر رغم التوترات التجارية مع واشنطن    روسيا–إيران–الجزائر.. صفقات تسليح سرية: وصحيفة إيطالية تؤكّد أن المثلث العسكري الجديد يُقلق الغرب    الرئيس الصيني يدعو إلى مسيرة جديدة لتحقيق المساواة وتمكين المرأة عالمياً    المغاربة متوجسون من تداعيات انتشار الأنفلونزا الموسمية خلال فصل الخريف    الجامعة الملكية المغربية لكرة المضرب تعقد جمعها العام العادي    وهبي: نقاتل من أجل المغرب.. وحلمنا رفع كأس العالم    كيوسك الإثنين | تحذيرات من التواطؤ الثابت بين البوليساريو والجماعات الإرهابية    مصرع عون مساعدة بشركة الطرق السيارة في حادثة سير بالقنيطرة    الملك يشرف اليوم على تدشين مصنع لصناعة أجزاء الطائرات بالدار البيضاء    البرلمان يمطر حكومة أخنوش بأسئلة حارقة حول جودة التعليم ومآل مكافحة الفساد عشية احتجاجات شباب Z    إيطاليا.. العداء المغربي الحسين العزاوي يتوج بطلا للعالم في سباق "غولدن تريل ورلد سيريز"    الفلبين: زلزال بقوة 5,8 درجة يضرب جزيرة سيبو    نجيب أقصبي ل "لوموند": حركة "جيل زد" نتيجة مباشرة ل "رأسمالية التواطؤ" في المغرب التي سحقت الفقراء والطبقة الوسطى    نظام آلي جديد يراقب حدود أوروبا    العِبرة من مِحن خير أمة..    الإصابة بضعف المعصم .. الأسباب وسبل العلاج    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العشرية السوداء في الجزائر: من المسؤول عن "عهد المذابح"؟

يقول العلامة ابن خلدون في كتابه المرجعي "العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" (المعروف اختصارا ب "مقدمة ابن خلدون") عبارة جميلة تحتاج أن يتوقف عندها المرء بكثير من التمعن وغير قليل من التدبر. تقول هذه العبارة "ينبغي إعمال العقل في الخبر"، وهي العبارة التي سطرها مؤصل علم الاجتماع والعمران البشري كقاعدة لتمحيص الأحداث التاريخية وإخضاعها لمنطق العلم والتحقيق والبحث الدقيق في مصدر الخبر ومصداقيته.
في هذا السياق، ودائما في رحاب فكر ابن خلدون، فإن التاريخ، في بعده الباطن، هو محاولة "للتدقيق وتعليل الكائنات، والعلم بكيفيّة الوقائع، وأسباب حدوثها، وبذلك يكون التاريخ عريقاً، وعميقاً، وجديراً بأن يكون علماً يوقفنا على أخبار الأمم الماضية وأخلاقها". وتبقى هذه الضوابط مقدمة لتسليط الضوء على نقطة البحث وتحديد المسؤوليات فيما عرف ب "العشرية السوداء" مع تجاوز البعد الظاهر للتاريخ (دائما بتعبير ابن خلدون) لتفادي الوقوع ضحية تصريحات انفعالية صدرت تحت تأثير الصدمة ووقع المفاجأة وهو ما جعلها تفتقد إلى الرزانة السياسية والتعبير المنطقي المفروض أن يحكم البيانات الرسمية للدول والمؤسسات على السواء.
وحيث أن المناسبة شرط، فإن إثارة موضوع العشرية السوداء يتزامن مع التصريحات الجزائرية الأخيرة والتي حاولت "يائسة" إقحام المغرب وتحميله جزء من المسؤولية عن عهد المذابح الذي عرفته الجزائر بعد إقبار المسار الديمقراطي سنة 1992م من طرف جنرالات الجزائر. هذا الاتهام، الذي نعتبره من سقط المتاع ولا يستحق الرد عليه، يدفعنا إلى إعادة فتح ملف هذا الفترة التاريخية وكشف بعض الملابسات التي والمتورطين الحقيقيين في هذه المجازر التي تم ارتكابها في حق عشرات الآلاف من الجزائريين بهدف تحصين سلطة الجنرالات ولو تعلق الأمر بقتل كل من يقف في وجه تحقيق هذا الهدف السياسي حتى لو تعلق الأمر برأس السلطة السياسية شخصيا.
الجماعات الإرهابية في الجزائر: الابن الشرعي للمخابرات العسكرية
إن مصداقية المؤرخ أو الباحث مرتبطة بمدى التصاقه بالقرائن والأدلة في إثبات الواقعة التاريخية من منطق أن "من افتقد الدليل ضل السبيل"، وهو الإكراه المنهجي الذي يُجبرنا على دعم الوقائع بالشهادات التي مصدرها قيادات عسكرية كانت شاهدة على هذه المرحلة المؤلمة من تاريخ الجزائر الشقيقة وظلت لسنوات جزء من منظومة الجيش الجزائري.
إن انخراط النظام الجزائري، آنذاك، في توجيه دفة الإرهاب، بدأ بإعلان رئيس الحكومة الجزائرية رضا مالك (1993-1994) عن تغيير استراتيجية مواجهة الإرهابي من خلال كلمته الشهيرة "على الرعب أن يغير مواقعه" وهي العبارة التي يمكن اعتبارها بمثابة الضوء الأخضر لاستباحة دماء الجزائريين وخاصة في المناطق التي أعطت أصواتها للإسلاميين، وبالتالي خلق ردة فعل شعبية عكسية اتجاه الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
وإذا كانت الوقائع تقطع بضلوع النظام الجزائري في المجازر التي عرفتها العشرية السوداء فإن بعض الضباط الجزائريين يؤكدون على أن تأسيس الجماعات المتطرفة، هو الآخر، تم داخل مكاتب المخابرات العسكرية ونخص بالذكر، على سبيل المثل لا الحصر، الحركة الإسلامية المسلحة (MIA) التي كان يتزعمها عبد القادر شبوطي، والجماعة الإسلامية المسلحة (GIA) التي أسسها منصوري الملياني. وهنا يؤكد العقيد محمد سمراوي في تصريحه لبرنامج "بلا حدود" الذي بُث على قناة الجزيرة بأن عبد القادر شبوطي كان يتحرك بسيارة تابعة للمخابرات العسكرية، كما أن أمراء الجماعة الإسلامية المسلحة كانوا، عمليا، تابعين لمكاتب المخابرات العسكرية ومنهم من كان عنصرا في الجيش وفي نفس الوقت ينشط ضمن التنظيمات الإرهابية ويوجه العمليات العسكرية الانتقامية.
غير أن الأمانة التاريخية تقتضي منا القول بأن العقال انفلت من جنرالات الجزائر في ظل تفريخ مجموعة من التنظيمات الإرهابية التي أخذت تُوجه نشاطها بعيدا عن سلطة الجيش بل وجعلت منه هدفا مباحا لاستراتيجيتها الإرهابية. هذا المعطى لا ينفي مسؤولية جنرالات الجيش الذي "أخرجوا المارد من قمقمه" وبالتالي يتحملون مسؤولية تدهور الوضع الأمني خلال عهد المذابح، وهو ما يفسر تغيير مصطلح "الجماعة الإسلامية المسلحة" إلى "الجماعات الإسلامية المسلحة "Les GIA" بالنظر إلى عملية التفريخ التي عرفتها المنظومة الإرهابية.
جمال زيتوني "رَجُلُنا":
يعتبر جمال زيتوني (أبو عبد الرحمن أمين) من أخطر رموز الإرهاب الذي تربعوا على إمارة الجماعة الإسلامية المسلحة (GIA) خلفا لشريف قوسمي (أبو عبدالله أحمد) ومن أشد الإرهابيين دموية وأكثرهم سفكا لدماء الجزائريين. هذه الشخصية الدموية لم تكن، في حقيقة الأمر، سوى دمية بشرية وماركة مخابراتية مسجلة.
وهنا نحيل على شهادة النقيب أحمد شوشان التي نشرها على موقعه على الأنترنت "شاهد من قلب الأحداث" حيث ذكر تفاصيل المهمة التي طلبها منه العميد كمال عبد الرحمن مقابل الحصول على منصب مهم داخل المديرية العامة لأمن الجيش. وحول هذه المهمة يقول النقيب شوشان "…كان العميد (كمال عبد الرحمن) متكئا فاعتدل ثم قال: المهمة تقوم على قاعدة "انهيار السقف يتطلب نسف الأعمدة". والأعمدة في العمل الإسلامي المسلح هم السعيد مخلوفي ومحمد السعيد وعبد الرزاق رجام و بعة عزالدين وأمثالهم". هذه المهمة الخطيرة أثارت ذهول النقيب شوشان الذي رد بالقول "…لو أنكم طلبتم مني وضع حد للمجرمين الذين يتبجحون بقتل النساء والأطفال ويخرون المدارس كجمال زيتوني وأمثاله لتفهمت طلبكم…وهنا قاطعني طرطاق (يقصد اللواء بشير طرطاق) منفعلا: دع زيتوني وشأنه، هو رجلنا".
إرهاب الجيش يقطف رأس الدولة:
في المجتمعات الديمقراطية تكون الجيوش ذراع الأمة فقط وليس رأسها أبدا (بيو باروخا)، غير أن الجيش في الجارة الشرقية جعل من نفسه رأس الدولة وذراعها وعقلها بدون أي هامش للتحرك لباقي مؤسسات الدولة، وأية محاولة للاستقلالية بالقرار السياسي أو الأمني بعيدا عن مؤسسة الجيش يعتبر كبيرة من الكبائر تعرض صاحبها لحكم الإعدام واجب النفاذ.
ويبدو أن الراحل محمد بوضياف (رحمة الله عليه) لم يكن مطلعا على البيئة الاستراتيجية في الجزائر وعلى طبيعة موازين القوى، وصدَّق، فيما يبدو، وعود الجيش في تمكينه من جميع الصلاحيات دون تدخل من قياداته، وهو ما جعله يتحرك كرئيس فعلي للدولة باحثا له عن حاضنة شعبية تساعده في مواجهة شبكة الجنرالات المتحكمين في ناصية القرار السياسي.
أمام هذا الوضع المقلق واتساع شعبية بوضياف، قرر الجنرالات التخلص من رئيس الجمهورية عبر تعيين الملازم مبارك بومعرافي (المدعو عبدالحق) في آخر لحظة ضمن المجموعة المكلفة بضمان حماية الرئيس وتزويده بقنبلة يدوية كانت داخل مكتب العقيد محمد سمراوي والذي اعترف بأن الجيش تحصل عليها في "عملية تيلملي"، وهي نفس القنبلة التي رماها مبارك بومعرافي على المنصة الرئاسية قبل أن ينتصب لإطلاق الرصاص على الرئيس بوضياف. ويقول سمراوي أن هذه القنبلة لا يمكن أن تغادر المكتب إلا بتعليمات مباشرة من العقيد اسماعيل العماري الذي كان على رأس مديرية التجسس (DCE).
ورغم أن الجيش حاول الإيهام بأن بومعرافي كان عنصرا متعاطفا مع الإسلاميين وله ميولات انتحارية إلا أن العقيد سمراوي في كتابه "كرونولوجية سنوات الدم" يؤكد بأن هذا الملازم كان يعاقر الخمر ولا علاقة له بأي تنظيم إسلامي ولم يكن ابن حركي كما روج لذلك العسكر. كما أكد ذات الضابط العسكري السامي بأن الجنرالات حاولوا التخلص من بومعرافي إلا أنه استطاع الهرب وسلم نفسه "للشرطة" بدل أن يسلم نفسه ل "أصدقائه" لأنه كان يعلم أنهم سيقومون بتصفيته.
وتجدر الإشارة إلى أن بومعرافي حكم عليه بالإعدام وهو الحكم الذي يدعي كثيرون أنه لم ينفذ بعد رغم انتشار أخبار تقول بأنه قضى في حريق سجن سركاجي سنة 2002م، والذي يقال بأنه هو الآخر كان مدبرا.
كانت هذه مجرد توطئة لفتح ملف العشرية السوداء الذي تورط فيه نظام الجنرالات في الجزائر واستباحوا من خلالها دماء الجزائريين من خلال عشرات الجرائم والعمليات الإرهابية ومنها مجزرة بن طلحة، اغتيال رهبان تبحرين (شهادة ضابط الصف المساعد عبدالقادر تيغا)، منظمة الشباب الجزائريين الأحرار، اغتيالات رموز الفيس في الخارج… وغيرها من العمليات التي سنقدم حولها مجموعة من التوضيحات مشفوعة بالعديد من الشهادات الموثقة لشخصيات عاصرت هذه الأحداث ولنجيب على السؤال الرئيسي "من هم المتورطون الحقيقيون في دعم الجماعات الإرهابية التي تسببت في إراقة دماء الجزائريين خلال العشرية السوداء"؟؟؟؟
*د. عبدالحق الصنايبي: خبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.