على أنغام الموسيقى الجبلية التي تبدعها الآهات البعيدة، تستقبلك مدينة وزان بأشجار الزيتون والرمان الذهبي، وعلى روائح معصرات الزيتون على طول الطريق الرابطة بين وزان وشفشاون، تستلهمك آهات مدينة تائهة بين جبال الريف الشامخة، والمكنونة بتاريخ صوفي يضمن لزائها الضمان الروحي والإجتماعي حتى سميت المدينة « بدار الضمانة » – أصل التسمية .. وزان أم دار الضمانة تتضارب الرويات الشفاهية التي استقتها « القناة » بخصوص أصل تسمية مدينة وزان، لكن البعض يربطها بأصول لاتينية حينما أطق أحد أباطرة الرومان الإسم على ولي عهده يحمل أوزينوس، ومنه جاءت كلمة « وزان »، لكن محمد الزنفة أحد شباب المدينة يقول أن أصل التسمية يرجع من اشتقاقها من الكلمة العربية « الوزان » التي أطلقت على أحد الأشخاص المسمى بعبد السلام الذي كان يضع موازين له بمدخل المدينة بالمحل المعروف حاليا بالرمل، وحيث كان التجار ملزمون باللجوء إليه لوزن بضاعتهم وسلعهم فأطلقوا عليه اسم الوزان، الذي حملته المدينة فيما بعد، نظرا لكثرة تداوله. تعرف المدينة كثيرا ب »دار الضمانة » غير أن هذا التوصيف مرتبط بالمدينة لأسباب تاريخية منها أن الضمانة هنا تأتي بالمعني الصوفي كما تأتي بالمفهوم العادي المتداول في القانون الوضعي إذ كان كثيرا ما يلجئ الجناة إلي بعض الزوايا والأضرحة، ويحتمون بها هربا من ملاحقتهم والقبض عليهم من طرف السلطات الحاكمة، ولم يستثني عهد الحماية الفرنسية بالمغرب من عهد الممارسات، إذ كثيرا ما كان المستعمر يحترم قدسية هذه الأماكن. لكن سكان المدينة يجزئون إسم المكان إلى أحرف ويطلقون كل وصف على حرف معين، فالواو تعني الورع، والزاي تعني الزهد، والألف تعني الإيمان، أما النون فهي النور. – المدينة القديمة .. حينما تجانس الأندلسيون مع اليهود والأمازيغ. داخل المدينة القديمة تستوقفك أحداث وروايات تسردها الأحجار والحيطان، تاريخ وطني ترويه شفاه بعض ممن بقوا على أرض الحياة من المناضلين الوطنيين، ففي أربعينيات القرن الماضي وفي خضم الصراع بين السلطات الفرنسية والحركة الوطنية من أجل الاستقلال، كانت المدينة تشكل مصنعا حقيقيا لتزويد الحركة بالوطنيين المثقفين، الذين صنعوا الحدث بكل شجاعة وإقدام، كما شكلت وزان قريب ملجأ للعديد من المجاهدين الفارين من عيون الخونة والاستعمار. بحي الملاح الذي سكنه اليهود تعج الحركة الإقتصادية بمختلف تلاوينها، لكن للصناعة التقليدية حضور وصيت كبير خصوصا دباغة الجلود، وصناعة النسيج، والنجارة والحدادة، كما تميزت كثيرا في مجال الخراطة وحياكة الصوف، أما « الجلابة الوزانية » فقد أطبقت شهرتها الآفاق وذاع صيتها، حيث أضحت تعد أفضل الجلابيب المغربية. يحكي عبد السلام الوزاني « للقناة » أن آخر العائلات اليهودية التي عاشت بالمنطقة، والتي استقرت بحي « جنان علي » و حي « الجمعة » أو « الجوموعة » كما ينطقها سكان المنطقة، يقول عبد السلام أن 5 عائلات من اليهود منها » عائلة عاليا، وعائلة أودي، وعائلة رابحة » ظلت بوزان إلى حدود ثمانيات القرن الماضي، مبرزا أن اليهود الوزانين أوفياء لمزاراتهم وأضرحتهم عكس المغاربة الذين توقفت زيارة للمولى عبد الله بن شريف قبل سنوات. ويضيف عبد السلام، أن لليهود المغاربة موعد سنوي يجلب آلاف اليهود المغاربة، وهو مزار « سيدي ربي عمران » بمنطقة « أسجن » البعيدة ب 9 كيلومترات عن وزان، والذي يعد مناسبة للترويح والترويج للسياحة والتجارة بالمنطقة، متحسرا في الوقت ذاته عن توقف ما يسمى بالعمرة الصغرى للمسلمين أو « عمرة مولاي عبد الله الشريف » والتي كانت بدورها مناسبة كبرى لجلب سياح الداخل وإنعاش السياحة الدينية وانتعاش الفنادق الصغرى التي تعد الملجأ الوحيد للراغبين في الإيواء بمدينة وزان. – الساعة … موعد يومي للترويح عن الذات. الساعة أو « المكانة » كا يسميها أهل المنطقة، هي معلمة تاريخية مرتبطة بشكل ملموس بسلوكيات أهل المنطقة في الترويح عن الذات والتسوق، بل تجسد بساحتها وفنادقها البسيطة، والمقاهي المجاورة لها المتنفس الوحيد لساكنة وزان ل يحكي محمد سميشة البالغ من العمر 56 سنة، وأحد أبناء وزان « للقناة » أنه قبل 20 سنة توقفت الساعة عن أداء أدوارها بشكل منتظم، مبرزا أن الساعة كانت تثير دقات بحسب الموعد، فعلى سبيل المثال، يسمع الوزاني ثلاث نبضات على الساعة الثالثة زوالا، ونبضة واحدة عند كل نصف ساعة. لكن ليوم الخميس صوت مختلف تماما تشعره الساعة في حدود منصف اليوم على الساعة الثانية عشرة ظهرا، حيث تطلق الساعة صفارة خاصة لتشعر ساكنة الضواحي التي تأتي للتسوق يوم الخميس عن قرب موعد مغادرة المدينة، وإشعارهم بمرور نصف يوم ما يحتم عليهم البحث عن وسيلة النقل، وشراء ما يستلزم من السوق ومغادرة المدينة. وظيفة الساعة بحسب محمد تحمل دلالات تاريخية كبرى، حيث كانت تستعمل ليبلغ المستعمر زوار المدينة بقرب موعد إغلاق أبواب المدينة والتي كانت توصد في حدود منتصف اليوم، ولا يمكن لأي أحد أن يدخل المدينة بعد الثانية عشرة ظهرا إلا الأجانب اللذين يمكنهم الدخول وقتما أرادوا الدخول. وخلال شهر رمضان، يقول محمد أن الساعة تؤدي وظيفة دينية محظة، بحيث تشعر الساعة ساكنة المدينة بموعد آذان الإفطار عند آذان المغرب، كما تطلق الساعة صفارة على بعد نصف ساعة من موعد الإمساك، وهاته الوظيفة لازالت تقوم بها الساعة، في يومين أو ثلاثة الأولى من شهر كل رمضان، قبل أن تعاود مسيرة عطالتها التي استهلت قبل 20 سنة. ويختم محمد حواره بحسرة مفعمة بالكمد والحزن، نظرا لقرب موعد إنهيار الساعة بحسب زعمه والذي سيكون خلال العشرين سنة المقبلة، فمحمد يقول أن الساعة أحدثت سنة 1912 من طرف مستعمر فرنسي، والذي ادعى أن الساعة ستعيش 130 سنة فقط، وهو يثير إمكانية سقوط هاته المعلمة سنة 2042، أي بعد 25 سنة المقبلة، لكن هذا الموعد المشؤوم عند محمد مرتبط بآمال كبرى مناشدة للمسؤولين بضرورة ترميم هاته المعلمة والعمل على إطالة عمرها حتى تعيش للأجيال المقبلة. – الزاوية الوزانية .. محج المريدين والباحثين عن الخلاص الروحي. تعد زواية عبد الله الشريف، أو الزاوية الوزارنية مؤسسة دينية للخلاص الروحي والضمان الصوفي الذي لا يعرفه ولا يتكلم عنه ولا يمنحه إلا أهل الصوفية، فهو ضمان التوبة والمغفرة يوم الحساب لكل من كتب له الله أن يوارى جثمانه بأرض مدينة وزان. ويعتبر الولي الصالح مولاي عبد الله الشريف، مؤسس الزاوية الوزانية، إذ يعد من أقطاب الصوفية العظماء في العالم الإسلامي الغربي، ولعل ذلك ما جعل وزان تدخل التاريخ كمزار ديني بحلول الولي الصالح مولاي عبد الله الشريف إليها -المتوفى سنة1678 ميلادية/1089هجرية، حيث أسس زاويته ما أثر إيجابا على الإتساع الحضاري وعلمي وثقافي للمدينة، وحولتها إلى قبلة علمية وروحية ومحجبة لمريدي المعرفة. ولعل ما تكتنزه خزينة المسجد الأعظم من مخطوطات ومؤلفات مهمة في علوم مختلفة وفنون معرفية متنوعة والتي يرجع الفضل في تأسيسها إلى شيوخ الزاوية أنفسهم الذين جمعوا بين علوم الشريعة والحقيقة، بالإضافة إلى العدد الكبير للعلماء والمريدين الذين تربو في حضن الزاوية الوزانية ونهلوا من حياضها وتتلمذوا على شيوخها، فتوزعوا في كثير من الأقطار، ونزلوا في عدد كثير من الأمصار، كما تتحدث بذلك كتب التراجم والأخبار.