الطريق إلى الإليزيه… الصوت العربي وانتفاضة صناديق الاقتراع * العلم: باريس بقلم // أحمد الميداوي أي موقع للجالية المغاربية في المشهد الانتخابي الرئاسي بعد أن نطق فرانسوا فيون ممثل "الجمهوريون" في حملته برفض منح الأجانب حق الاقتراع فى الانتخابات، الذي قد يؤدى إلى "المساس بالجمهورية" على حد قوله؟.. وهل استفادت هذه الجالية من ثقل عددها البالغ نحو مليونين من الناخبين من حاملي الجنسية الفرنسية، لتشكل قوة انتخابية وازنة في المشهد السياسي الفرنسي؟ وما هي طبيعة العوائق التي تحول دون تفعيل قوتها تفعيلا ذكيا يغتنم هذه المناسبات الانتخابية لفرض الذات؟.. كل هذه الأسئلة وغيرها تطرح بإلحاح وحمى المنافسة الانتخابية بلغت ذروتها بين تنظيمات حزبية يمينية ووسطية و يسارية ومتطرفة، ولم تبق سوى أربعة أيام لمعرف المرشحين اللذين سيتأهلان لنهائيات الجولة الحاسمة المقررة في ماي القادم. فرفض فيون ومعه المرشحة اليمينية المتطرفة، مارين لوبن، منح التصويت للمغاربيين، هو تنكر صارخ منهما لموقف العديد من الفرنسيين الذي تحول من الخوف غير المبرر من العربي المسلم إلى نوع من التنويه والإشادة بالاختراقات التي حققها بفضل النجاح في الدراسة والتميز في العمل.. فهناك تفوقات حقيقية في مجالات الإدارة والأعمال والبحث العلمي والطب والتعليم الجامعي.. وهناك أيضا حضور قوي في وسائل الإعلام إلى درجة الظهور المستمر على شاشات الفضائيات وفي البرامج الإخبارية والسياسية والثقافية، حتى أصبح اسم خالد وأحمد وسعاد من الأسماء الوازنة في الكثير من مناحي الحياة الفرنسية، ولا تثير نفس ردود الفعل العنصرية التي ألفناها في الثمانينات والتسعينات لدى شريحة واسعة من الفرنسيين. وقد يكون للربط بين الهوية والهجرة الذي تبناه اليمين التقليدي وأكسبه أصوات اليمين المتطرف في انتخابات مختلفة رئاسية وبرلمانية وجهوية، مفعول سلبي على مستقبله السياسي لو عرفت الجمعيات المغاربية كيف تدفع أبناء الاغتراب "المتجنسين" إلى القيام بنهضة مواطناتية تحول انتفاضة الضواحي من انتفاضة سخط واحتجاج إلى انتفاضة صناديق الاقتراع. ذلك أن حالة العزوف عن الانتخابات ليست استثنائية في الوسط الاغترابي، بل تعكس سلوك الأغلبية الساحقة من شباب الهجرة الذين يرفضون سياسة اليمين ويناهضونها بالمظاهرات وأعمال الشغب، لكنهم لا يبذلون أدني جهد لمواجهتها سياسيا عن طريق صناديق الاقتراع. في سياق هذه المعطيات المؤثرة على الصعيد المحلي، وجدت النخب المغاربية ومعها أيضا شريحة من المثقفين والسياسيين، نفسها متحمسة للمشاركة في الاستحقاقات المحلية وأمامها من جهة، تراكمات الماضي الصعب الذي عاشه جيل الآباء، وواجه خلاله العنصرية والتمييز المجحف على المستويين التمثيلي والقانوني، وكذلك الإقصاء الثقافي والاجتماعي. ومن جهة ثانية، إصرار أطراف سياسية تمثل اليمين ويمين اليمين (اليمين المتطرف) على حرمانها من اكتساب حقوق المواطنة على نحو طبيعي، إسوة بالمهاجرين الذين قدموا من البلدان الأوربية مثل البرتغال وإسبانيا وإيطاليا. فانتفاضة صناديق الاقتراع هي السبيل الأنجع لإرغام أحزاب اليمين، في سياق تهافتها على الصوت العربي، على استبدال أسلوبها المتسم بفوقية واحتقارية للقيم العربية والإسلامية بدءا من مواجهة الحجاب إلى الاستهجان باللحم الحلال واعتبار الإسلام مرادفا لاضطهاد المرأة، بأسلوب يعطي للتعددية بعدا أعمق، ويلغي النظرة الاستعلائية الغربية القائلة بوجود نمطين من البشر: الأول منحط ووضيع لا قيمة لوجوده ولحضارته، والثاني متفوِق وذكي وسامٍ، يعود إليه الفضل في ولادة التاريخ وقيام الحضارة. ومهما يكن، فإن تطلع الأحزاب الفرنسية بمختلف أطيافها إلى الصوت العربي يعكس من جهة الثقل الذي باتت تمثله الجالية العربية في المشهد الفرنسي العام، ومن جهة أخرى قدرتها على التأثير في مجرى الحياة السياسية في فرنسا، مما يطرح بقوة فكرة إقامة تكتل عربي قوي وقادر على مواجهة كل أشكال التطرف السياسي والاجتماعي. ولا بد هنا من الإقرار بأن غياب الصوت العربي وخاصة المغاربي، يقع جزء كبير منه على عاتق أعضاء الجالية المغاربية أنفسهم. فلم تتمكن هذه الجالية حتى اليوم من صياغة مرجعية سياسية مشتركة أو مؤطرة بشكل يسمح بالتلاقي حول أهداف انتخابية محددة وتطلعات سياسية واجتماعية موحدة، وما زالت منقسمة بين من يتبنى مرجعية يمينية وآخر يسارية إلى ثالث يحاول حصر انتمائه بالحدود الجغرافية لبلده الأصل فقط. ولا بد من التأكيد أيضا على أن اليسار يعول كثيرا على الجالية المغاربية باعتبار أن 80 في المئة من المهاجرين أقرب إلى الأحزاب اليسارية. ويمكن تفسير هذا التوجه بالتطلع لفكرة المساواة الاجتماعية المطروحة في برامج اليسار الذي يبقى في تصورها أكثر قربا منها ومن الفئات الفقيرة بشكل عام، حتى وإن كانت شريحة واسعة من هذه الجالية تعلن، في ظل فشل المشاريع المتعلقة بالهجرة، ومنها سياسة ما يعرف بالاندماج التي تطرحها مختلف الأحزاب السياسية، أن لا ثقة لديها في السياسيين من اليمين واليسار.