أمام 33 دولة.. السكوري يستعرض السياسة الجديدة للمغرب في مجال الهجرة واللجوء    انقلاب سيارة إسعاف في منعرجات تيشكا يخلف إصابتين    زاكورة.. متابعة عون سلطة في ملف "تعنيف طفل قاصر"    أجودان في الدرك الملكي ينهي حياته بسلاحه الوظيفي    هل استقر حمدالله على وجهته المقبلة بعيدا عن السعودية؟    مستجدات انتقال المغربي عطية الله إلى الأهلي المصري    الصحابي يعود إلى التدريب    كيف أحدثت الصحراء المغربية انقساما داخل الحكومة البريطانية؟    تنسيقيات التعليم تتمسك بتمكين الأساتذة الموقوفين من إلغاء عقوبات التأديب    السعودية تخلي مكة المكرمة من الزوار    طقس الخميس..تساقطات مطرية وبروز رعد وهبات رياح قوية بهذه المناطق    قضية الصحراء المغربية.. سويسرا تدعم حلا سياسيا "عادلا ودائما ومقبولا" من لدن الأطراف    الملك يبعث برقية إلى خادم الحرمين الشريفين إثر تعرضه لوعكة صحية    بعد ساعات من البحث.. انتشال جثة حارس من تحت أنقاض عمارة منهارة بطنجة (فيديو)    نادي أتالانتا يتوج بالدوري الأوروبي    شبهة اختلاس توقف مدير وكالة بنكية    الاتحاد الأوروبي يقرر الزيادة في رسوم "تأشيرات شنغن"    المغرب وفرنسا يناقشان سرقة التراث    حكاية طبيب "الدراوش" بتطوان في الزمن الجميل (الحلقة الثالثة)    مكافحة غسل الأموال تلائم المعايير الدولية    "حماس" تعلق على الاعتراف الثلاثي بفلسطين    المنتدى العالمي للماء: تسليط الضوء ببالي على انجازات المغرب في مجال تدبير الموارد المائية    إصدار سندات للخزينة بمبلغ ملياري درهم    حصيلة القتلى في غزة تصل إلى 35.709    الجواهري: بنوك المغرب حاضرة في 30 بلداً إفريقياً وتحقق 23% من نشاطها في القارة    رغم تطمينات الحكومة.. ارتفاع أسعار هذه المنتجات بعد رفع الدعم عن غاز البوتان    في اليوم العالمي للشاي.. المغاربة يشربون 4 كؤوس يوميًا لكل فرد    بورصة الدار البيضاء تُسجل انخفاضًا طفيفًا في ختام تعاملات الأربعاء    باريس سان جيرمان يمنح أشرف حكيمي الضوء الأخضر للمشاركة في أولمبياد باريس 2024    المدير العام للإيسيسكو: المنظمة تسعى إلى النهوض بمعجم اللغة العربية    مزور: الاقتصادات الغربية استغلت أسواقنا لبيع منتوجاتها وأغلقت الأبواب في وجه منتوجاتنا لحماية نفسها    تجار بالحسيمة ينضمون إلى حملة مقاطعة بطاقات التعبئة    مطالب للحكومة بالإعلان عن أسماء المستفيدين من دعم استيراد الأضاحي    حموشي يوقع مذكرة تفاهم مع نظيره البرازيلي بشأن تعزيز التعاون الثنائي في المجال الأمني    إضراب كتاب الضبط يؤجل محاكمة "مومو"    منظمة الصحة العالمية: آخر مستشفيين في شمال غزة بالكاد يعملان    غوارديولا يفوز بجائزة أفضل مدرب في البطولة الإتقليزية الممتازة لهذا العام    تشييع حاشد للرئيس الإيراني في تبريز ووصول الجثامين إلى طهران    شادي رياض يتوافق مع كريستال بالاس على شروط الانضمام    الزليج المغربي.. تاريخ وتراث من الموحدين إلى اليوم    "بين مرافئ العمر" مجموعة قصصية جديدة للروائي والقاص المغربي أحمد العكيدي    "القرية المجاورة للجنة" أول فيلم صومالي بمهرجان كان السينمائي الدولي    الزمالك المصري يوجه الشكر لياسين البحيري على تصرفه تجاه "دونغا"    الذهب يتراجع وسط ترقب لمحضر اجتماع المركزي الأمريكي    رواية "كايروس" للألمانية جيني إربنبك تفوز بجائزة "بوكر" الدولية    فقرات فنية متنوعة بمهرجان القفطان المغربي الثالث بكندا    "بشوفك".. سعد لمجرد يستعد لطرح عمل مصري جديد    بملابس عملهم.. أطباء مغاربة يتضامنون مع نظرائهم بفلسطين    إسرائيل تستدعي سفيرَيها في إيرلندا والنروج    تقنيات الإنجاب لزيادة المواليد تثير جدلا سياسيا في فرنسا وأمريكا    دراسة: المبالغة في تناول الملح تزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة بنسبة 41%    انتشار متحور "بيرولا" يقلق سكان مليلية    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (13)    الأمثال العامية بتطوان... (604)    أكثر من 267 ألف حاج يصلون إلى السعودية    أكاديميون يخضعون دعاوى الطاعنين في السنة النبوية لميزان النقد العلمي    الأمثال العامية بتطوان... (603)    المغرب يضع رقما هاتفيا رهن إشارة الجالية بالصين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب بين القوى التقليدية فوق تراب أوكرانيا:
نشر في العلم يوم 28 - 08 - 2022


النظام العالمي في مرحلة مخاض صعب
أخطر التداعيات المترتبة عن الحرب الروسية الأوكرانية تتمثل في الجوانب المتعلقة بالسياسات الأمنية والعسكرية، ليس في المنطقة المحيطة بها فحسب، ولا حتى في القارة العجوز التي تدور فوقها، بل في الأوضاع العالمية والعلاقات الدولية السائدة وفي النظام العالمي القائم، وفي كل ما يتعلق بالاستراتيجيات السياسية والأمنية والعسكرية في المستقبل المنظور والبعيد. ويمكن القول إن الهواجس والحسابات الأمنية كانت الحطب الذي أشعل فتيل هذه الحرب، كما أنها تمثل أهم التداعيات المترتبة عنها. و هذه أحد أهم الإشكاليات و أكثرها تعقيدا، بحيث تمثل أحد أهم الأسباب، في نفس الوقت الذي تشكل فيه أكبر التحديات فيما يتعلق بالتداعيات .
الأكيد أن مفهوم القومية الروسية التقليدية كان عاملا مؤثرا في صلب التطورات الأخيرة ، و هو المفهوم الذي يجد تفسيره في تاريخ روسيا القديم و الحديث ، حيث كانت القومية الروسية تمثل المرجعية الايديولوجية للاتحاد السوفياتي ، و كانت تنتشر على مساحة توازي مساحة قارة كاملة ، قبل أن تقود التطورات إلى تفتت هذه الكتلة الجغرافية الشاسعة ، و انتهت إلى اندثار الاتحاد السوفياتي ، و سقوط جدار برلين الذي دق المسمار الأخير في نعش الكتلة الشرقية التي كانت تحقق كثيرا من التوازن في نظام القطبية الثنائية العالمية ، التي كانت تسود في النظام العالمي القديم .و أن القومية الروسية لم تعد قادرة على تحمل التطورات المتلاحقة و المتسارعة التي ضيقت الخناق عليها كثيرا إلى حد محاصرتها بولاءات و تحالفات جديدة وضعت كثيرا من الحصي في حذائها ، وجعلت سيرها على قدمين بصفة طبيعية و سليمة شبه مستحيل . و يمكن المجازفة بالقول إن مفهوم القومية الروسية التقليدية أفرز ما أصبح الإعلام الغربي يسميه ب ( الظاهرة البوتينية) التي تنطلق من مفهوم القومية الروسية التاريخي ، و تحاول أن تعيد القيام بنفس الأدوار التاريخية لموسكو على أساس التطورات المستجدة ، بما يعني إعطاء نفس الأدوار لموسكو ، لكن في الإطار الجغرافي الجديد الذي صارت عليه في الوقت الحالي . و الواضح أن قرار كييف الانضمام إلى حلف الشمال الأطلسي كان بمثابة عود الثقاب الذي كان ينقص الوضع لاشتعال النار في هشيم التعقيدات الكثيرة التي صارت عليها الأوضاع المحيطة بموسكو و التي قد تكون ارتأت و قدرت من جانبها أن التوقيت مناسب لاتخاذ قرار صعب و خطير، لكنه ضروري، و ملح في مسعى إلى إعادة النظر فيما يحدث و يجري الترتيب له، و إلى مراجعة الحسابات، وبالتالي الإعلان رسميا على إخراج الخلاف و النزاع حول طبيعة النظام العالمي الجديد من مناطق الظل إلى العلن .
هذه الأسباب الحقيقية للحرب الضروس التي تدور رحاها فوق التراب الأوكراني و التي تمثل فيها أوكرانيا ساحة المواجهة العلنية و المكشوفة بين القوى العظمى ، و تحديدا بين حلف الشمال الأطلسي و ما تبقى من خلايا نائمة لحلف ( وارسو ) الذي كان يقوده الاتحاد السوفياتي . و لذلك فإن الهدف الحقيقي من الحرب الملتهبة لا يقتصر على حسم خلافات الجوار بين كييف و موسكو ، بقدر ما يتمثل في الصراع المحتدم بين القوى العظمى حول مناطق النفوذ في العالم و رغبة كل طرف في تقليم أظافر الطرف الآخر و إضعافه و انهاكه ، للإبقاء على بنية النظام العالمي كما أفرزتها التطورات و الأحداث التي عرفتها الأوضاع العالمية خلال العقود القليلة الماضية .
هذا من جهة اعتبار السياسات ، أو تحديدا الحسابات السياسية و العسكرية ، من الأسباب الرئيسية و الحقيقية التي أوقدت نيران المواجهة المسلحة بين الأطراف الكبرى المتنازعة حول النظام العالمي الجديد ، أما من جهة اعتبار هذه الحسابات أحد أكبر و أهم التداعيات المترتبة عليها ، فإن ما أكدته التطورات التي أعقبت بدايتها يؤشر على تغيرات عميقة في البنية الأمنية في القارة الأوربية و من خلالها في العالم ، لأن الحرب ليست محدودة في امتدادها الجغرافي ، بل هي شديدة الارتباط بالأوضاع العالمية، ولما سيعيشه العالم من أحداث و وقائع خلال المستقبل القريب . و في هذا السياق لم يكن يتوقع أكثر الخبراء دراية و اطلاعا بخبايا الأوضاع إن تسارع دول أوربية تحصنت في الحياد و الابتعاد عن خيارات و مواقف التحالفات الأمنية و العسكرية طوال عقود من الزمن ، إلى إعلان التحاقها بحلف الشمال الأطلسي، و اصطفافها إلى جانب القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية في الحرب ضد روسيا، و ليس كافيا القول إن هذه الدول تحسست رؤوسها من الخطر الروسي، و أن المد الروسي سيصل إليها ، و أن أي انتصار لموسكو في هذه الحرب سيمثل تحفيزا قويا لهذا المد و سيمكن ( البوتينية الجديدة ) من الزخم اللازم، بل أنه من الراجح القول إن هذه الحرب مثلت المناسبة و الملائمة لهذه الدول للحسم في توجهات سياساتها الخارجية على أساس مراعاة مصالح اقتصادية صرفة . و لم يكن متوقعا أن تبادر دولة ، في حجم ألمانيا ، بمراجعة خياراتها الأمنية و العسكرية بالحجم و الصفة التي قامت بها بعد إعلان الحرب .فقد أعلنت ألمانيا عن خيار ( التريث في تعزيز قدراتها العسكرية ) الذي كانت تعتمده لكبح مخاوف أوروبية من تنامي الدور الألماني في القارة الأوربية ، حيث تحولت إلى أكبر القوى الاقتصادية في القارة العجوز ، و لم تتردد برلين في إعلان منع تصدير الأسلحة الفتاكة إلى مناطق النزاع ، لكنها بمجرد بداية الحرب الروسية الأوكرانية تخلت ألمانيا عن جميع هذه المراجع المحددة لسياستها الخارجية ، و اتخذت قرارات ، يمكن وصفها بالتاريخية و بغير المسبوقة ، للاصطفاف ضد روسيا، حيث أعلنت الحكومة الألمانية عن رفع ميزانية البلاد العسكرية إلى 100 مليار أورو ، وقررت إرسال أسلحة فتاكة إلى أوكرانيا لتعزيز قدراتها العسكرية في مواجهة الغزو الروسي ، و السبب أنه لا يمكن لألمانيا كما جاء على لسان المستشار الألماني في تصريحه أمام البرلمان الألماني ، انه لا يمكن ( السماح لبوتين بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء ) و لا بد من ( حشد ما يكفي من القوة لوضع حد لتجار الحروب من أمثال بوتين ) و هو بذلك يؤكد بصفة واضحة أن تغيير المواقف و الاختيارات الألمانية في هذا التوقيت لا يعود بصفة مطلقة الى الحرب الروسية ، الأوكرانية في حدودها الجغرافية الضيقة ، بل يرجع بالأساس إلى عدم السماح لموسكو بإعادة إنتاج الماضي .
و تبقى أهم التداعيات ذلك الالتفاف الأوروبي الذي حققته الولايات المتحدة الأمريكية حول اختياراتها و مواقفها و نظرتها إلى النظام العالمي ، و الذي تعذر على الإدارات الامريكية المتعاقبة تحقيقه في مختلف الحروب الخارجية السابقة التي خاضتها ، و في مختلف محطات و فترات النزاعات و الخلافات التي خاضتها على المستوى الخارجي ، حيث تحقق ما كانت تسعى إليه منذ عقود من الزمن في القارة الأوروبية ، و كانت في حاجة ملحة إليه لتصريف سياساتها الخارجية في مواجهة غريم تقليدي تدرك أنه يمرض و لكنه لا يموت ، و في مواجهة قوى اقتصادية عالمية جديدة تزاحمها بحدة و تنافسها بقوة في مختلف مناطق العالم ، بما يمثل تهديدا مباشرا و خطيرا لمصالحها الاقتصادية الاستراتيجية في العالم .
هذه إذن حقيقة الحرب التي لم تعد خاطفة ، كما أرادتها أطرافها في البداية ، و هذه هي الأسباب التي لا تملك أطرافها شجاعة الكشف عنها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.