لقد اختلف دارسُونا المُحْدَثون اختلافاً كبيراً في ترجمة المصطلح الأجنبي، ولاسيما في حقليِ السيميائيات واللسانيات. وسنكتفي - للتدليل على هذا الأمر ? بالوقوف عند مصطلح «Icône»، الذي قدِّمت له، في نقدنا الحديث والمعاصر، عدة مقابلات ومكافئات لغوية. إن أكثر باحِثِينا يفضّلون تعْريب هذا المصطلح بلفظة «أيْقونة»، من منطلق أنه «مقبول من زمن طويل في العربية، ولا داعي لإيجاد ترجمة له»؛ كما قال د. محمد عدناني في كتابه «المصطلحات الأدبية الحديثة» (ص155). وبعضُهم يكسّر أوله (إيقونة)؛ كعادل الفاخوري، وبعضهم يَحذف ياءَه (إقونة)؛ كبسام بركة، وبعضهم يحذف علامة تأنيثه، ويفتح أوله (أيْقون)؛ كالمرحوم محمد الماگري، وبعضهم يكسر أوله (إيقون)؛ كمحمد مفتاح. ويقابل آخرون مفهوم الأيقونة بمكافِئات لغوية عربية أخرى؛ منها «السمة» و»العلامة»! (محمد رشاد الحمزاوي مثلاً)، و»الصورة» (صلاح فضل)، و»التصوير» الشعري (مجدي وهبة وكامل المهندس)، و»الرمز المعبِّر» (مبارك مبارك)، و»المثل» (عبد الله الغذامي)، و»المُماثلة» (محمد مفتاح)، و»المثيلة» (بسّام بركة)، و»الأمْثولة» (كعبد الرحمن الحاج صالح وآخرين). ومن جذر المقابِلات الأربعة الأخيرة، صاغ الناقد الجزائري المرموق عبد الملك مرتاض مصطلح «المُماثِل» ليكون مكافِئه العربي الذي يقترحه ترجمةً لمفهوم الأيقونة. يقول في دراسته الموسومة ب»السبع معلقات: مقارَبة سيمائيّة أنتروبولوجية لنصوصها» (ص120): «نحن الآن نصطنع مصطلح «مُماثل» ترجمةً للمصطلح الغربي الذي تُرْجم إلى العربية، أولَ الأمر، تحت مصطلح «إقونة»، وهو لا يعني شيئاً في دلالة اللغة العربية. وقد أنَّى تعْريبه. وقد جِئنا نحن ذلك.» والحق أن الذي جاءه د. مرتاض ترجمةٌ لا تعريبٌ بالمفهوم الدقيق الشائع له في حقل الدراسة المصطلحية! ويعرّف الناقد «المُماثل» بأنه «سمة حاضرة دالة على سمة غائبة. فالصورة الحاضرة للسمة إذن تُماثِل الصورة الغائبة للسمة؛ فهي إذن مماثِلة لها لا مشابِهة» (التحليل السيمائي للخطاب الشعري، ص140). ويسمّي الصورة الأولى ب»المُماثِل»، والثانية ب»المُماثَل له». واشتق من مصطلحه المقترَح الصفة، فقال «مُماثِلية». ولا مناص من أن نشير إلى أن مرتاضاً، قبل استقراره على هذا المصطلح، كان يُعرِّب مفهوم الأيقونة؛ مثلما يفعل أغلب الدارسين العرب، فيرْسُمه بالصورة التي رأيْناها سابقاً لدى بسام بركة (الإقونة)؛ كما في العنوان الفرعي الأول في المستوى الخامس، من كتابه «شعرية القصيدة»، الذي أفْرَدَه لقراءة نص المقالح «أشجان يمنية» قراءة سيميائية مركَّبة. وصاغ من هذه اللفظة صيغة أخرى، هي «الأيقونية»، التي يريد بها «كل أثر متروك على شيء آخر، بقصد أو بدون قصد؛ كانعكاس وجه في صفحة عين ماء، أو أثر قدم فوق رمل أو ثلج، أو ظهور جسم على مرآة كبيرة، أو وجود صورة لشخصٍ نعرفه أو لا نعرفه من قبل، وهلم جرّاً...» ووصفها، في موضع آخر، ب»النظرية»، وعَدَّها فرعاً من السيميائيات. واشتق من مصطلح «الأيقونة» مصطلحاً آخر هو «التقايُن»، وذلك «ليَزدوج مع «التشاكل» و»التباين» من وجهة، ثم لمحاولة إعطاء دلالة جديدة لهذا المصطلح السيميائي؛ بحيث لا تكون الأيقونية مجرد شيء له قابلية الاستقبال والخضوع فقط، وإنما هي شيءٌ له قابلية التفاعُل والتقايُن والتخاصُب عبر الخطاب الأدبي بعامة، والشعري بخاصة، مع العناصر السيميائية الأخرى.» (التحليل السيميائي للخطاب الشعري (مقال)، ص163). ويبدو أن مرتاضاً، منذ 1994، بدأ يستشْعِر ضرورة ترجمة مصطلح «Icône»، بدل الاقتصار على مجرد تعريبه بلفظ لا يفيد شيئاً يُذكر بصورته اللفظية. يقول عن هذا المصطلح: «كان هذا المصطلح دينياً، مسيحياً، أصلاً، ثم نُقل إلى هذا المعنى السيميائي الذي يَعني، في أبْسط ما يعني، العلاقة الشّبَهية مع العالم الخارجي. وإذا أمْرُه بعضُ ما ذكرنا؛ أفَلَمْ يَأْنِ لنا أن نقترح له ترجمة عربية تنْفض عنه هذه العُجْمَة التي ظل يشكو منها في الكتابات العربية المعاصرة؟ إننا بصدد التفكير في مصطلح لائق، ولْيَكُن على سبيل الاقتِراح: «المُماثِل»» (شعرية القصيدة، ص ص233-234). والملاحَظ أن تحوُّله من المصطلح الأول (الإقونة) إلى الثاني (المماثل) كان تدريجياً وحَذِراً. لذا، رأيْناه - في أول الأمر - يُورد المصطلح الذي يقترحه مقروناً بمقابله الفرنسي، وأحياناً بمرادفه المُعرَّب، قبل أن يستقر أخيراً على مصطلحه المُترْجِم في كتاباته التالية.