أكد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، خلال مداخلته بجلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين المنعقدة يوم الثلاثاء 23 دجنبر الجاري، أن إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية، خاصة تلك الصادرة لفائدة الأجراء، لا يمكن اختزالها في وزارة العدل وحدها، معتبراً أن عدداً من الإكراهات المرتبطة بوضعية المقاولات وبالواقع الاقتصادي والمالي يحد من فعالية التنفيذ، رغم وجود أحكام قضائية نهائية. وأوضح وهبي أن "الشركة قد تكون تمارس أنشطة مختلفة، لكنها تعيش في الوقت نفسه أزمة مالية حقيقية"، متسائلاً عن الكيفية التي يمكن بها تنفيذ الأحكام في وضعية "صعوبة المقاولة"، ومبرزاً أن هذه الوضعية تطرح إشكالات قانونية وواقعية معقدة تتجاوز أحياناً منطق التنفيذ الآلي.
وشدد وزير العدل على أن تنفيذ الأحكام يخضع لإجراءات قانونية محددة، في مقدمتها إجراءات الحجز ومتابعة القضايا، مبرزاً أن هذه المساطر ليست دائماً كافية لضمان حقوق العمال عندما تكون الشركة المعنية في وضعية عجز أو اختناق مالي. وقال في هذا السياق إن "القانون له حدوده، ولا يمكنه أن يخلق إمكانيات غير موجودة"، مضيفاً أن القاضي ومختلف المتدخلين يعملون داخل إطار قانوني مضبوط لا يسمح دائماً بالاستجابة الفورية لكل الحالات. وفي معرض حديثه عن دور المحامين في هذا المسار، أشار وهبي إلى أن المحامي الذي يتولى الدفاع عن العمال يلجأ، في حالات صعوبات المقاولة، إلى البحث في التحويلات المالية التي تكون قد تمت من حسابات الشركة إلى حسابات أشخاص آخرين، من أجل إثبات وجود أموال يمكن أن تكون موضوع تنفيذ، مبرزاً أن هذه العملية تتطلب مجهوداً قانونياً وقضائياً معقداً. وأضاف أن "هذه الإمكانيات نوفرها من خلال القضاء والإجراءات"، غير أن تنزيلها يبقى رهيناً بالمعطيات الواقعية لكل ملف. وأوضح الوزير أن النقاش المتعلق بانتقال الديون أو المسؤولية من ذمة الشركة إلى أملاك المساهمين يطرح إشكاليات قانونية دقيقة، معتبراً أن هذا الأمر "ليس بسيطاً ولا يتم تلقائياً"، ويتطلب إثباتات وشروطاً قانونية صارمة. وأكد أن الحديث عن الخسارة أو الإفلاس لا يمكن أن يكون مبرراً آلياً لإعفاء المقاولة من التزاماتها، لكنه في الوقت ذاته لا يسمح دائماً بتمكين الأجراء من حقوقهم كاملة في غياب موارد مالية فعلية. وتوقف وهبي عند فكرة إحداث آليات بديلة لمواجهة فقدان الشغل الناتج عن تعثر المقاولات، مشيراً إلى أن النقاش حول إحداث صناديق أو آليات دعم، سواء من خلال التعويض عن فقدان الشغل أو عبر تحفيزات ضريبية، يندرج ضمن مقاربات شمولية لمعالجة الإشكال، لكنه أوضح أن هذه الخيارات "ليست دائماً متاحة أو قابلة للتنفيذ السريع"، وتخضع لاختيارات تشريعية وسياسات عمومية أوسع. وأكد وزير العدل أن القانون الحالي يحدد بدقة ما يمكن القيام به في مجال التنفيذ، قائلاً: "القانون هذه حدوده، ولن يكون لديه إجراءات أخرى إلا بالنظر إلى الإمكانيات المتاحة". وأضاف أن القضاة يقومون بما يسمح به القانون من إجراءات، من حجز وتتبع وإشعارات، غير أن النتائج تبقى مرتبطة بوضعية الشركة المعنية وقدرتها الفعلية على الوفاء بالتزاماتها. وفي هذا الإطار، أوضح وهبي أن الصندوق أو الآليات الاجتماعية التي يتم اللجوء إليها في بعض الحالات لا يمكن أن تحل محل التنفيذ القضائي، بل تشكل فقط أدوات مرافقة للتخفيف من الآثار الاجتماعية، مؤكداً أن "القانون لا يسعف دائماً في كل الحالات"، وأن العدالة لا تعمل بمنطق الرغبة أو النوايا، بل وفق قواعد وإجراءات مضبوطة. وبخصوص التعقيبات التي أدلى بها عدد من المستشارين، والتي ركزت على بطء أو تعثر تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لفائدة العمال، أشار الوزير، في رده، إلى أن هذا الإشكال مطروح منذ سنوات، وأنه لا يرتبط فقط بعدد الأحكام الصادرة، بل بقدرة المنظومة القانونية والمؤسساتية على ضمان تنفيذها في واقع اقتصادي واجتماعي معقد. واعتبر أن الفجوة بين صدور الحكم وتنفيذه تعكس أحياناً محدودية الأدوات القانونية المتاحة، وليس بالضرورة تقصيراً في عمل القضاء أو وزارة العدل. وأكد وهبي، في ختام مداخلته، أن معالجة هذا الملف تتطلب تفكيراً تشريعياً عميقاً ومقاربة شمولية تراعي التوازن بين حماية حقوق الأجراء وضمان استمرارية المقاولة، مشدداً على أن الوزارة تشتغل داخل ما يتيحه القانون، وأن أي حلول إضافية تظل رهينة بإرادة تشريعية واضحة وباختيارات عمومية تتجاوز منطق التدخل الجزئي أو الظرفي.