".. اتفقنا على استئناف المفاوضات؛ وسيكون لنا لقاء جديد بعد ثلاثة أيام"؛ كانت هذه الجملة الوحيدة الصادرة عن الرئيس الجديد لحزب التجمع الوطني للأحرار؛ عزيز أخنوش؛ عقب لقاءه بالأمين العام لحزب العدالة والتنمية يوم أمس؛ بعد التوجيه ملكي بضرورة التعجيل بالإعلان عن مآل المفاوضات. مصادر مقربة من المشاورات؛ كشفت ل "الأيام 24" أن ابن كيران تلقى صفعة قوية؛ وهو يصغي إلى إصرار حزب التجمع الوطني للأحرار؛ على استبعاد الاستقلال من الحكومة المقبلة؛ خاصة بعد "الزلة الدبلوماسية" التي لازالت تداعياتها مستمرة بين كل من وزارة الخارجية والتعاون وحزب الاستقلال؛ بعد تصاعد حدة التنديد عبر البلاغات؛ بين كل من حزب الاستقلال الذي أعرب عن رفضه للغة التي صيغ بها البيان؛ ووزارة الخارجية التي رأت في تصريحات حميد شباط "تصريحات خطيرة و لا مسؤولة" من شأنها تعكير صفو العلاقات الثنائية المغربية الموريتانية؛ المتأزمة أصلا؛ وهو ما يتناقض مع التوجه العام للدولة التي تسعى جاهدة إلى البحث عن عودة الدفء لهذه العلاقات بعيدة عن لغة التهييج والتجييش. لقاء عبد الإله ابن كيران بعزيز أخنوش يرتقب أن تليه مشاورات جديدة مع كل من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الساعات القليلة المقبلة؛ للوقوف على المواقف النهائية لكل الأحزاب التي فاتحها حزب العدالة والتنمية في أمر المشاركة ولم تعلن عن موقفها النهائي بعد بما فيها حزب الحركة الشعبية؛ تفعيلا للتوجيهات الملكية الداعية إلى التحلي بالمسؤولية؛ والسير قدما بملسلسل المفاوضات.
ويأتي استئناف المفاوضات في جولتها الأخيرة؛ بعد الجمود الذي تلى فترة المخاض العسيرة؛ من التمرين الديموقراطي؛ المتعلق بإدارة مرحلة جديدة من مسلسل تدبير التوافقات المرتبطة بتشكيل الحكومة؛ بعد القطع مع الأنواع السابقة في بناء التوافقات المحسومة سلفا؛ على أساس المحاصصة في توزيع الحقائب الوزارية؛ حيث شكل تدخل كل من مستشار الملك و رئيس اللجنة الاستشارية المكلفة بتتبع المراجعة الدستورية لفاتح يوليوز 2011؛ عبد اللطيف المانوني؛ إلى جانب عمر القباج؛ مستشار الملك المكلف بالشؤون الافريقية؛ على خط الأزمة نقطة تحول جديدة؛ بعدما جرى تنبيه رئيس الحكومة المكلف؛ بضرورة التعجيل بإعلان نتائج المشاورات أو المفاوضات التي باشرها منذ ما يناهز ال 80 يوما؛ مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة احترام آجال معقولة للرد على انتظارات كل من الملك محمد السادس والشعب المغربي؛ عقب الاستحقاق التشريعي الأخير .
اللقاء الذي احتضنه مقر رئاسة الحكومة؛ تميز بإصغاء مستشاري الملك لخلاصات رئيس الحكومة بشأن التطورات التي شهدتها المفاوضات؛ بحضور وزير العدل والحريات؛ مصطفى الرميد؛ و حمل مجموعة من الإشارات السياسية إلى رئيس الحكومة؛ أبرزها كون ايفاد مستشارين خاصين للملك؛ محاولة لتفنيد فرضية استبعاد التدخل المباشر للملك على خط الأزمة؛ حسب ما ادعاه رئيس الحكومة المكلف؛ على اعتبار أن ممارسة الملك لباقي صلاحياته المكفولة بمقضى الفصل 42 والمتمثلة أساسا في ضمان السير العادي للمؤسات الدستورية؛ أبرزها الحكومة؛ لن يعفيه من التوجيه والتنبيه؛ كما أعطى اللقاء إشارة واضحة إلى إمكانية استبعاد فرضية اللجوء إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها؛ على الرغم من كون عبد اللطيف المانوني؛ أكد في وقت سابق أنه في حال الفشل؛ فلا مناص من المرور إلى هذا الحل الدستوري؛ باعتباره المخرج الوحيد للأزمة. ومن بين الرسائل التي جاء بها اللقاء؛ ضرورة التعجيل بالبحث عن توافقات ترضي جميع الأطراف؛ والدفع بمسلسل المشاروات إلى الأمام؛ على أساس أن المشرع الدستوري تعمد ترك الباب مفتوحا في ما يتعلق بتحديد الآجال المتعلقة بتشكيل الحكومة؛ لتجنيب رئيسها المكلف ضغط العامل الزمني؛ على أساس نجاح هذا الأخير في مهمته مهما كانت الظروف؛ إلا أن هذا التعثر أو الجمود من غير المقبول أن يطول لأكثر مما هو متعارف عليه في الأعراف الدستورية المحددة في 90 يوما.
وعكس ما توقعه رئيس الحكومة فالمأزق الذي دخلته المشاورات؛ يضر بالدرجة الأولى بصورة المغرب على المستويين الداخلي و الخارجي؛ أكثر مما يضر بأطراف الصراع المعنيين بتشكيل الحكومة؛ حسب المتتبعين؛ كما قد يؤثر على علاقات المغرب الاقتصادية في علاقته ببعض الشركاء بالنظر إلى ربط الاستثماراث الأجنبية؛ فرص ولوجها للأسواق الصاعدة بمناخ الأعمال؛ المرتبط بمدى توفر استقرار سياسي في هذه الدول من عدمه؛ خاصة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي يشهدها العالم اليوم؛ والتي بالإمكان استغلالها على النحو الأفضل شريطة توفر استقرار سياسي حقيقي. وعن تعطيل المؤسسات المرتبطة وظيفيا بعمل الحكومة وتحديدا مؤسسة مجلس النواب؛ الذي لم يشتغل منذ تنصيبه عقب افتتاح الملك لسنته التشريعية الجديدة في دورتها الأولى؛ ربط المتتبعون هذه الأزمة؛ بالأزمة الحكومية مستبعدين فرضية تشكيل هياكل المؤسسة دون التعرف على تموقع الأحزاب المعنية بالمشاورات؛ كما أن عمل هذا الجهاز يعتبر غير ذي جدوى؛ في غياب الحكومة؛ على أساس أن الاختصاص الأصيل لهذه المؤسسة يتمثل في مراقبة عمل الحكومة وتقييم السياسات العمومية للدولة؛ بالإضافة إلى غياب برنامج حكومي يفترض التصويت عليه بالأغلبية المطلقة لتباشر الحكومة مهامها.
حزب الاستقلال جزء من الأزمة والحل
وفي محاولة للبحث عن السيناريوهات الممكنة عقب ظهور بوادر انفراج سياسي تلوح في الأفق بعيدا عن سيناريو اللجوء لانتخابات سابقة لأوانها؛ بعد تدخل مستشاري الملك؛ على اعتبار أن نفس المشكل قد يطرح في حال اللجوء إلى خيار إعادة إجراء انتخابات سابقة لأوانها ؛ بالنظر إلى طبيعة نمط الاقتراع والخلافات القائمة بين بعض التنظيمات السياسية.
و أجمعت مختلف الآراء التي استقتها "الأيام 24" أن حزب الاستقلال بات جزءا من الأزمة والحل؛ على اعتبار أن الدفع بحزب الاستقلال خارج الحكومة من شأنه أن يؤدي إلى عزلة ونهاية شبه مؤكدة لهذا الحزب؛ الذي يخلق نوعا من التوازن في المشهد الحزبي المغربي؛ كما أن هذا الاستبعاد من شأنه أن يقوي حزب العدالة والتنمية باعتباره حزب مهيمن عدديا؛ ويخلق انقساما في صفوف المعارضة بسبب الخلاف القائم بينه وبين حزب الأصالة والمعاصرة ؛ وعلى الرغم من محاولات قياديين في حزب التجمع الوطني للأحرار عدم ربط الأزمة الحالية بشرط استبعاد حزب الاستقلال؛ والحديث عن ضرورة حصول توافق بشأن البرنامج الحكومي المفترض أن يتوافق مع السياسيات العمومية للدولة؛ إلا أن هذا الطرح يسير في اتجاه حصول خلافات كبيرة في تدبير بعض القطاعات خاصة الاقتصادية والمالية منها بين الحزبين الأكثر قدرة على تقديم الكفاءات في شغل هذه المناصب.
وعلى هذا الأساس فالخيارات المتاحة أمام عبد الإله بنكيران اليوم ؛ تنحصر في قيادة حكومة أقلية مكونة من أحزاب الاستقلال والتقدم الاشتراكية في حال عدم حصول توافق مع التجمع الوطني للأحرار المرتبط بتحالف مع الاتحاد الدستوي؛ وهو الخيار الذي يرفضه رئيس الحكومة على اعتبار أنه يعي جيدا أن مآل هذه الحكومة سيكون الفشل في أول محطة المرتبطة بالمصادقة على البرنامج الانتخابي؛ والسيناريو الثاني إما استبعادالاستقلال وتعويضة بكل من حزب التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري وبالتالي ضمان آغلبية عددية مريحة تفوق 220 عضوا داخل مجلس النواب؛ أو العودة للملك والإقرار بالفشل في المهمة وترك المؤسسة الملكية والفقهاء الدستوريين يبحثون عن مخرج للأزمة.
ومن بين الخلاصات المهمة التي أفرزها هذا التمرين الدمقراطي؛ ضوررة إعادة النظر في مأسسة القرار الحزبي؛ واستثمار التراكم الحاصل اليوم لبناء أعراف دمقراطية جديدة في إدارة المفاوضات؛ قوامها احترام خيارات المفاوضين؛ والتمييز بين ما يمكن الكشف عنه وما يقتضي التكتم في هذا النوع من المفاوضات؛ والإيمان بمبدأ التداول السلمي على السلطة؛ والقطع مع الصورة النمطية المرتبطة بالتموقع في المعارضة؛ الذي باتت التنظيمات السياسية تخشاه خوفا من تراجع حضورها في الساحة السياسية وإقصاءها من الحصول على بعض الامتيازات التي تتيحها المشاركة الحكومية.