تتغير مساحات اللعب السياسي الاستراتيجي على ضفاف البحر الأبيض المتوسط والمنطقة المغاربية خاصة، فموريتانيا البلد الجنوبي المحاذي للصحراء المغربية وفي تماس مع الأراضي الجزائري، تشكل في الأشهر الماضية نقطة تلاق للمصالح والأهمية. بغرض كسب الود السياسي والتقارب الاقتصادي في سياق التنافس المحتدم والتوتر المتصاعد للنظام الجزائري تجاه المغرب. نواكشط التي تنزع عباءة الدولة الهامشية في صنع القرار الإقليمي ولعب أراق ضغط سياسية، تبني لنفسها اليوم مكانة معتبرة في محيطها بفضل موقعها الجغرافي واكتشافات الغاز الطبيعي، ها الذي أشعل فتيل نزاعات وأيقظ حروبا في الخفاء بين العواصم الكبرى.
وتقدر احتياطات الغاز المكتشفة في موريتانيا ب100 ترليون قدم مكعب، ما يضعها في المرتبة الثالثة افريقياً بعد نيجيريا (207 ترليون قدم مكعب)، والجزائر (159 ترليون قدم مكعب). كما يفوق احتياطي الغاز الموريتاني نظيره الليبي (نحو 55 ترليون قدم مكعب)، وحتى المصري (63 ترليون قدم مكعب). إضافة إلى موقعها الإستراتيجي الرابط بين دول المغرب العربي والمجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا جعلها محل تنافس بين الجزائر والمغرب، باعتبارها الطريق الأقرب والأكثر أمنا لتصدير سلعهم نحو دول غرب افريقيا والمطلة على المحيط الأطلسي وخليج غينيا.
ومن أوجه التنافس المغربي الجزائري على السوق الموريتانية، هي أرقا ما يصدرها المغرب سلعه براً نحو غرب افريقيا عبر موريتانيا، وفي 20 شتنبر الجاري انعقدت الدورة الثانية للمنتدى الاقتصادي المغربي الموريتاني بمدينة الدارالبيضاء، بحضور نحو 140 رجل أعمال موريتاني. في وقت وقّعت الجزائروموريتانيا 26 اتفاقية في 14 سبتمبر، بعدما تم افتتاح أول معبر حدودي بينهما في 2018 فقط. كما قرر البلدان تشييد طريق بين مدينتي تيندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية، وتتولى الجزائر تمويله وإنجازه وتوفير مختلف الخدمات على طوله بما فيها الإضاءة بالطاقة الشمسية، ومحطات الوقود.
ينضاف إلى ذلك، دعوة الجزائرموريتانيا لبناء خط أنابيب يربط حقول الغاز الموريتانية بشبكة أنابيب الغاز الجزائرية بما يسمح بتصديره إلى أوروبا. ولم تعلن نواكشوط بعد عن الطريقة التي سيتم تصدير غازها إلى أوروبا، لكن من المرجح أن يتم تصديره مسالا في المرحلة الأولى، خاصة وأن تشييد أنبوب غاز عبر الجزائر أو المغرب يتطلب فترة طويلة لا تقل عن عامين في أحسن الأحوال.
ولا تتوفر نواكشط على الأموال الكافية لاستثمار مليارات الدولارات في استخراج الغاز وبناء مصانع تسييله وتخزينه وتصديره عبر موانئ وسفن خاصة. لذلك تضطر موريتانيا للاعتماد على الاستثمارات الأجنبية للشركات المتعددة الجنسيات، خاصة البريطانية والأمريكية والفرنسية.
ومن المنتظر أن يتم بيع أول شحنة غاز موريتاني نهاية 2023، في ظرف دولي غاية في الحساسية، حيث تسعى الدول الأوروبية للاستغناء كليا عن صادرات الغاز الروسي.