قال محمد أشلواح، أستاذ الدراسات السياسية والدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن "الحكومة الإسبانية المقبلة لا يمكن أن تغامر بالشراكات التي أقدمت عليها حكومة بيدرو سانشيز، مع المغرب الذي أصبح قوة في غرب البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا، وقادرا على تأمين شراكاته الاستراتيجية مع إسبانيا". وأوضح أشلواح، في حوار خص به "الأيام24″، أن "العلاقات الاسبانية المغربية، لم تعد ترتبط بالأشخاص أو الأحزاب، بقدر ما أصبحت متأصلة وذات طابع مؤسساتي أكثر من السابق"، مشيرا أن "العلاقات المغربية الإسبانية لا يمكن عزلها -أيضا- عن العلاقات المغربية مع الاتحاد الأوروبي والتوازنات الجيوستراتيجية الغربية التي تحكم المنطقة".
وفيما يلي نص الحوار كاملا:
1/ أي تأثير لفوز الحزب الشعبي بالانتخابات النيابية بإسبانيا على العلاقات مع المغرب؟
بالرغم من تصدر الحزب الشعبي الإسباني (136 مقعدا) وحليفه حزب فوكس (33 مقعدا) الانتخابات النيابية الإسبانية، إلا أن هذه الصدارة (الفوز) تبقى وكأنها فشل تجرعته الأحزاب اليمينية الإسبانية التي كانت تحتمل الحصول على أغلبية ساحقة ومريحة في البرلمان الإسباني.
في المقابل، حاز الحزب الاشتراكي اليساري الذي يقوده رئيس الحكومة الإسبانية "بيدرو سانشيز" على (122 مقعدا) وحزب "سومر" على (31 مقعدا). وهو المعطى الذي أسفر على عدم حصول أي حزب أو تحالف على أغلبية مطلقة لتشكيل الحكومة الجديدة في إسبانيا، حيث أبقت هاته المعطيات، التي أسفرت عنها الانتخابات النيابية في إسبانيا، عن حظوظ بيدرو سانشيز المرتفعة قائمة في التشكيل الحكومي المقبل، وأمامه خيارات وتكتيكات في إطار تحالفات ممكن أن تعيده إلى رئاسة الحكومة.
بالنسبة للمغرب، تبقى الانتخابات الإسبانية أمرا مهما، إذا ما قورنت بحجم الشراكات والعلاقات الاستراتيجية التي تربط البلدين الجارين في قضايا مختلفة (سياسية، أمنية، اقتصادية…)، فالحكومة الإسبانية المقبلة تعي تماما حجم الشراكات الثنائية التي تربط البلدين، في ظل عالم يتجه أكثر فأكثر نحو التحالفات المبنية على المنافع والمصالح المشتركة والمتبادلة. فالحكومة المقبلة لا يمكن أن تغامر بالشراكات التي أقدمت عليها حكومة بيدرو سانشيز، والتي لقيت استحسان الرأي العام الإسباني ( أحزاب سياسية- منظمات حكومية- مجتمع مدني…)، الذي اعتبر أن القرار الإسباني في الدفع بالشراكات مع المغرب كان قرارا برغماتيا استراتيجيا، سيما وأن المغرب أصبح قوة في غرب البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا، وقادرا على تأمين شراكاته الاستراتيجية مع إسبانيا، معتمدا بذلك على التقارب الجغرافي والتمازج الحضاري والإرث التاريخي (الحضاري- الثقافي …). كما أن العلاقات الاسبانية المغربية، لم تعد ترتبط بالأشخاص أو الأحزاب، بقدر ما أصبحت متأصلة وذات طابع مؤسساتي أكثر من السابق. إلى جانب أن العلاقات المغربية الإسبانية لا يمكن عزلها عن العلاقات المغربية مع الاتحاد الأوروبي والتوازنات الجيوستراتيجية الغربية التي تحكم المنطقة، خاصة إذا استحضرنا أن المغرب يتمتع بوضع خاص (الوضع المتقدم) لدى الاتحاد الأوروبي، وشراكة متميزة مع إنجلترا وبقية الفاعلين الدوليين في المنطقة.
2/ هل يمكن أن تتأثر قضية الصحراء بهذا الأمر؟
في ظل التجاذبات التي تشهدها الساحة الإقليمية والدولية، من الأرجح أن تدفع اسبانيا بشراكاتها الاستراتيجية التي أعلن عنها كل من رئيس الحكومة الإسبانية السابق بيدرو سانشيز والملك محمد السادس، من خلال التوقيع على "الاعلان المشترك" الذي تضمن أزيد من اثنتي عشر قضية، اعتبرها البلدان قضايا مشتركة تجمعهما. الأمر الذي يفسر لنا أن أي حكومة مستقبلية في إسبانيا (اليمين المتطرف خصوصا) من الصعب عليها التراجع عن هذه المبادئ التي تضمنها الإعلان المشترك، خاصة في القضية الحساسة التي تخص الجانب المغربي، والتي تهم قضية وحدته الترابية، بعدما اعترفت حكومة بيدرو سانشيز بمغربية الصحراء وسيادته على كامل أقاليمه الجنوبية. إن القرارات السابقة بخصوص قضية الصحراء المغربية التي اتخذتها حكومة بيدرو سانشيز، تعتبر بمثابة قرارات دولة تشترك في صنعها واتخاذها أجهزة ومؤسسات ذات طابع استراتيجي لها علاقة مباشرة وقوية بالأمن القومي الإسباني، وبالتالي من المغامرة التراجع عنها تلبية لنزوعات أو توجهات حزبية أحادية الجانب، الأمر الذي سيعرقل مسار العلاقات الجيدة التي تربط البلدين الجارين وتضمن استقرارهما، وذلك في ظل تزايد العديد من مهددات السلم والأمن في المنطقة (الجريمة المنظمة، الهجرة السرية، غسل الأموال، الإرهاب….). فالسياسة الخارجية للدول بقدر ما تتحكم فيها المصالح بقدر ما تُدار في إطار ثوابت عامة، لذلك، فالمنطق الذي يحكم ترويج الأحزاب السياسية لشعارات معينة خلال الحملات الانتخابية لا يعني تماما وبالضرورة أن وصول الحزب إلى الحكم سيطبق بالحرف ما قاله في برنامجه الانتخابي. فالسياسة الخارجية يسِمها نوع من المجال "المحفوظ للدولة"، كما أن فيها إلتزامات دولية، وتفترض "ثقة" دولية وتتطلب استمرارية -عملا بمبدأ ضرورة استقرار التعامل بين الدول- كلها معطيات ترجح، بشكل كبير، بقاء العلاقات المغربية الإسبانية وسيرها وفق ما أسس له سانشيز، سواء عاد هذا الأخير لرئاسة الحكومة أو لا.
3/ هل سيتأثر البعد الاستراتيجي للعلاقات بين مدريدوالرباط بتغير الحكومة هناك؟
إن الوضع الجيو-استراتيجي الجديد الذي يشهده النظام الدولي في ظل الحرب "الروسية الأوكرانية"، يفرض على الدول المتاخمة لبعضها البعض تعميق أواصر التعاون والصداقة عوض التناحر والتصادم. فالبلدين الجارين يعيان تماما أن هناك تحديات مستقبلية مشتركة، خاصة في سياق دولي مضطرب ساهمت في إنتاجه الحرب الروسية الأوكرانية، فالعالم يتجه نحو مصير غامض موسوم بالشك في علاقات الدول ببعضها البعض، خاصة وأن هذه الحرب أفرزت معطى جديدا يتأسس على أمور غاية في الأهمية (كتأمين الدول لأسواق الطاقة وتأمين الأمن الغذائي….).
فهذه السياقات، أدركها اليمين الإسباني خلال برامجه الإنتخابية، خاصة الحزب الشعبي الإسباني، الذي عمل على دعم الجهود الأممية في الصحراء المغربية مع التشديد على بقاء العلاقات الثنائية "متكافئة" بين المغرب والجزائر، فمن المرجح إذن أن تقوم الحكومة الجديدة بإمكانية إحداث توازن في علاقاتها مع البلدان المغاربية خاصة المغرب والجزائر، وهو الأمر الذي أكد عليه "ألبرتو نونييس" رئيس الحزب الشعبي، الذي أكد على أن "العلاقات مع المغرب ستكون من أولوياتنا المستقبلية، إذ سنعمل على استمرار العلاقات المحترمة والمفتوحة مع الرباط"، وبأن حزبه سيدعم قرار الحكومة (الحكومة السابقة) بخصوص تأييد مبادرة الحكم الذاتي، وصرح بأن المغرب أول وجهة خارجية سيزورها بعد انتخابه رئيسا للحكومة الإسبانية".
هذه التصريحات، لا تعني سوى أنه مهما كان رئيس الحكومة المقبل لإسبانيا، فسيكون المغرب حاضرا بقوة في تصوراته وسياساته، بغض النظر عن الشعارات التي رفعت في الحملة الانتخابية، والتي كانت في جانب كبير منها تعني الداخل الإسباني والكتلة الانتخابية، ولم ترُم، فعلا، إحداث تغيرات جوهرية في السياسة الخارجية، كما ذهبت إلى ذلك بعض التنبؤات والقراءات المتسرعة.
بالنسبة لليمين الإسباني، فإن القضايا المصيرية ستتركز في الأمن، الهجرة والاقتصاد، بما فيه تجديد البروتوكول المتعلقة باتفاقية الصيد البحري مع المغرب. بينما قضية الصحراء من الصعب أن يأخذ فيها الحزب الشعبي -إن حصل على رئاسة الحكومة- أي قرار آخر غير القائم حاليا. فعلى عكس ما يتمناه "النظام" في الجزائر، قد يصدم هذا الأخير في حصول تطور أكثر تقدما في الموقف الاسباني تجاه ملف الصحراء، خاصة في ظل تصريحات، سابقة، لزعيم الحزب الشعبي الإسباني والتي يفهم منها، أنه قد يكون أكثر وضوحا وجرأة في ملف الصحراء، أكثر مما عليه الأمر الآن.