أحمد نورالدين، الخبير في العلاقات المغربية الجزائرية -هل تعتقد أن الجزائر جادة بالفعل في موقفها بعد "انسحاب" ليبيا من مبادرتها، أم مجرد كلام للاستهلاك؟
-من خلال تصريح وزير خارجية الجزائر، احمد عطاف، يبدو أن الدبلوماسية الجزائرية فقدت ذاكرتها وأصيبت بداء الزهايمر، لأن الوزير يبرر التحالف الثلاثي بكون "الاتحاد المغاربي مُجمّدا وبكون المنطقة المغاربية هي المنطقة الوحيدة في إفريقيا التي تفتقد إلى فضاء تشاوري ولا تملك صوتا يتحدث باسمها".. وهذا تناقض وتخبط واضح في تصريح وزير خارجية الجزائر، فهو يزعم أن التجمع الثلاثي ليس بديلا عن الاتحاد المغاربي في الوقت الذي يقول فيه أن الرئيس الجزائري يريد من التجمع الثلاثي "أن يملأ الفراغ ويكون صوتا للمنطقة المغاربية التي تفتقد إلى صوت موحد يتحدث باسمها"، وهذا معناه بكل وضوح أن الجزائر تريد أن يحل التجمع الثلاثي محل الاتحاد المغاربي، وبذلك فهي تحاول بمبادرتها البئيسة أن تغتال الاتحاد المغاربي مرة أخرى بعد محاولات سابقة، وهذا كلام خطير يفضح النوايا المُبيّتة للنظام العسكري الجزائري من خلق هذا التحالف. ولكن الوزير الجزائري رغم مساره الدبلوماسي الطويل الذي يفوق أربعين سنة في اركان الخارجية، ربما يجهل قوانين الاتحاد الافريقي التي لا تسمح للتجمع الثلاثي البئيس أن يكون صوتاً بديلا للمغرب العربي على مستوى المنظمة الإفريقية، لأن ميثاق الاتحاد الإفريقي لا يعترف إلا بثمانية تجمعات قارية فقط، ومنها الاتحاد المغاربي، كما أن كل خطط الاندماج الأفريقي بما فيها أجندة 2063 ومنطقة التبادل الحر الافريقية -ZLECA- تمر عبر تلك التجمعات الثمانية حصريّاً، ومعلوم أن الاتحاد المغاربي لا يضم الكيان الوهمي في تندوف، وهنا البُعبع الذي يقض مضاجع نظام العسكر، وهنا يكمن السبب الحقيقي في توجيه مدافع النظام الجزائري صوب الاتحاد المغاربي للقضاء عليه. ولكن محاولاتهم أعطت نتائج عكسية تماماً، فبعد سحب الجزائر مُمثّليها في الأمانة العامة للاتحاد المغاربي وبعد توقفها عن أداء واجباتها المالية منذ 2016 أصبحت خارج الاتحاد وأقصت نفسها بنفسها من مؤسساته، وهذا خطأ قاتل للدبلوماسية الجزائرية بمثابة إطلاق الرصاصة على رجلها، فانسحابها يلغيها هي وحدها ولا يلغي المنظمة المغاربية التي تظل قائمة وتؤدي أدوارها الإقليمية والدولية " عكس ما خططت له الجزائر بغباء استراتيجي، وبذلك ينطبق على الجزائر المثل السائر: "على نفسها جنت براقش".
وعموما فقد وُلد التجمع الثلاثي ميتا لأنه تحالف بين ثلاثة أنظمة تعيش أزمات مركبة، وهي فاقدة للشرعية الشعبية والدستورية، ففي تونس انقلب قيس سعيّد على الديمقراطية وحلّ البرلمان وباقي المؤسسات المنتخبة والدستورية، وفي ليبيا صراع بين حكومتي الشرق والغرب، وهناك اقتتال بين الفصائل المسلحة ولا يبدو في الأفق القريب اي حلّ، اما الجزائر فهي دولة عسكرية يلعب فيها الرئيس والحكومة المدنية دور الكومبارس فقط، وقد دخلت في دوامة منذ انقلاب العسكر سنة 1992 على الشرعية، وازداد الوضع تأزما وقتامة مع اندلاع الحراك الشعبي في فبراير 2019، وما تلا ذلك من أحداث خرج فيها العسكر من الثكنات ليحكم بشكل مباشر، لذلك كان شعار "دولة مدنية ماشي عسكرية " محور المطالب في المسيرات المليونية في الجزائر خلال الحراك الذي استمر سنتين ونصف قبل أن يتوقف بسبب جائحة كوفيد. وبالعودة إلى البيان الختامي للقمة الثلاثية في تونس سنقف على غياب تامّ لأي تصور اقتصادي لهذا التجمع، مما يعني أنه مشروع فاشل قامت به الجزائر كرد فعل متسرع دون تفكير في محاولة لفك عزلتها عربيا وأفريقيا ودوليا، وكرد فعل على المبادرة الأطلسية للمغرب التي تضم 23 دولة إفريقية مُطلة على المحيط الأطلسي. وازداد سُعار الجزائر وهيجانها بعد أزمة سحب السفراء التي اندلعت مع جارتيها مالي والنيجر، وهما دولتان انضمتا الى المبادرة المغربية الأخرى لدول الساحل غير المنفتحة على البحر، وهو ما اعتبرته مخيلة الجزائر، المريضة بفوبيا المغرب، حصارا "مَخْزنيّا" أحكم الطوق عليها من كل الجهات. أما بالنسبة لمزاعم عطاف الأخرى حول تشبه بلاده بالاتحاد المغاربي، فربما نسي السيد الوزير أن الجزائر هي التي عرقلت كل محاولات عقد القمة المغاربية، وهذا ما يشهد عليه الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي في تصريحاته وكتاباته، وقد سبق له سنة 2012 أن دعا إلى قمة مغاربية وافقت عليها كل العواصم المغاربية باستثناء الجزائر. وربما نسي السيد الوزير أن الجزائر توقفت منذ 2016 عن اداء واجباتها المالية تجاه الاتحاد المغاربي، وقامت بسحب موظفيها تدريجيا إلى أن سحبت آخرهم سنة 2022 كما أكد ذلك السيد الطيب بكوش. وهو ما يعني عملياً انسحاب الجزائر طوعيا وبشكل أحادي من الاتحاد المغاربي. وكل ذلك يتناقض شكلا ومضمونا مع تصريحات وزير خارجية الجزائر الذي يزعم أن بلاده مازالت متشبثة بالاتحاد المغاربي، وهذا في حدّ ذاته ليس امراً غريبا على الجزائر التي تتخذ من الكذب والتضليل أسلوبا ومن البروباكاندا وسيلة لتحقيق أهداف عقيدة العداء للمغرب. وعلينا أن نذكر الوزير العجوز بأن الخارجية الجزائرية تهجمت في أبريل 2023، أي منذ سنة فقط في بيان رسمي، على السيد الطيب بكوش الأمين العام للاتحاد المغاربي، وهو تونسي الجنسية، زاعمة أنه لا يحق له تعيين ممثل للاتحاد المغاربي داخل المنظمة الافريقية، لأن الاتحاد "مات" بزعمها ولم يعد موجوداً وهو ما أكدته الرئاسة الجزائرية التي تجاهلت الطيب البكوش ولم توجه له الدعوة لحضور جلسة افتتاح القمة العربية المنعقدة في الجزائر سنة 2022، عكس ما جرت عليه العادة، وعكس الدعوات التي خصت بها الجزائر منظمات إقليمية أخرى كالاتحاد الإفريقي. وكل هذه التناقضات تظهر حجم الارتباك والتّيه الذي تعيشه الجزائر بعد سلسلة الهزائم الدبلوماسية التي ألحقتها بها الدبلوماسية الملكية والتحالفات القوية للمملكة، في انتظار الضربة القاضية التي ستخرج جمهورية تندوف الوهمية من الاتحاد الإفريقي، وتنهي مهام المنورسو بغير رجعة، وتسحب الملف من مجلس الأمن الدولي.