الميداوي: هجرة الأطباء ليست شرا مطلقا.. ولكنها تحتاج لتأطير    دعوات للاحتجاج ليلة عيد الأضحى بطنجة تضامنا مع الشعب الفلسطيني بغزة    حريق واحة "أفرا" بطاطا يتلف 500 نخلة على مساحة 3.4 هكتار    136 رخصة لاستيراد نفايات الخارج إلى المغرب.. والوزارة تبرر    الناظور.. نفاد حقنة تحمي الرضع من أمراض الرئة    بوريطة: تعبئة 29 سفينة تابعة لسبع شركات نقل بحري لتأمين 12 خطا بحريا في إطار "مرحبا 2025"    السكن.. التمويل التشاركي يصل إلى 26.2 مليار درهم في نهاية شهر أبريل (بنك المغرب)    قطارات بلا تكييف ومشروع جديد في سيدي البرنوصي يلوح في الأفق    الدكتورة إمان اضادي منسقة ومنظمة المؤتمر الدولي للغة العربية وتراثها المخطوط بفاس للاتحاد الاشتراكي    وداعا سميحة أيوب .. سيدة المسرح العربي ترحل واقفة    براهيم دياز خارج وديتي المغرب أمام تونس وبنين    وزير الخارجية البريطاني يُجدّد أمام برلمان بلاده دعم مخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية    وفاة الناطق الرسمي بإسم القصر سابقا عبد الحق المريني    فوضى المجازر ومحلات بيع اللحوم.. تهافتٌ غير مسبوق ولهيبٌ في أسعار اللحوم.. أين الجهات المختصة؟    توقيف ثلاثة قاصرين بسبب السياقة المتهورة بسلا    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    وزارة برادة: أجواء إيجابية وهادئة ميزت الدورة العادية للامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا    الأغلبية الحكومية تنوه بالزخم الإيجابي والانتصارات الدبلوماسية المتوالية التي تحققها بلادنا في قضية الصحراء    انسحاب حزب فيلدرز بسبب خلاف حول الهجرة يهدد استقرار الحكومة الهولندية بعد 11 شهراً على تشكيلها    الفنانة سميحة أيوب تغادر بعد مسيرة فنية استثنائية    جامعة محمد الأول تنفي "الفضيحة البيداغوجية": مزاعم باطلة و"الحركية الدولية" خيار مشروع    الكونغرس البيروفي يحث حكومة بلاده على دعم سيادة المغرب على صحرائه    المغرب/المملكة المتحدة: توقيع مذكرة تفاهم لدعم تنظيم مونديال 2030        تأجيل محاكمة سعد لمجرد    مهرجان "أرواح غيوانية" يواصل فعالياته ببنسليمان بمشاركة أبرز رموز الأغنية الغيوانية    الصحراء المغربية بين الإنتصار للسيادة ورهانات البناء الداخلي    35 ألف متفرج و520 كاميرا مراقبة.. مركب فاس جاهز لاستضافة المباريات الدولية    مروان سنادي: حققت حلمي بارتداء القميص الوطني وعندما سمعت اسمي ضمن اللائحة شعرت بفرح كبير    تصريحات نارية للاعبين والطاقم التقني للمنتخب التونسي قبل مواجهة المغرب    المغرب يصحح الانزياحات المفاهيمية داخل الأمم المتحدة    مجموعة "أكديطال" تضع حجر الأساس لأول مستشفى لها في دبي    "الأمم المتحدة": مهاجمة إسرائيل للمدنيين بغزة ترقى إلى جرائم حرب    ألمانيا.. السجن مدى الحياة لسوري قاتل دعما لحكم الأسد بعد إدانته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية    وفاة الفنانة سميحة أيوب "سيدة المسرح العربي" عن عمر 93 عاماً        بوانو: الحكومة صرفت 61 مليارا على القطيع دون نتيجة وينبغي محاسبتها على حرمان المغاربة من الأضحية    بعض عرب يقودهم غراب    نقابيو ‬شركة ‬‮«‬سامير‮»‬ ‬يصعدون ‬من ‬جديد ‬    المغرب يشهد تأسيس 29 ألف شركة في 3 أشهر.. والشرق يقتحم نادي الجهات الصاعدة    السينما المغربية تتألق في مهرجان روتردام    الساحة الفنية العربية تفقد سيدة المسرح الفنانة المصرية سميحة أيوب    الناخب والمدرب الوطنيين لحسن واسو وجواد خويا يحرزان أعلى شهادة يمنحها الاتحاد الدولي للمواي طاي إيفما    أمريكا تبدأ تقليص قواتها في سوريا    محكمة بريطانية تدين طالب لجوء ملحد أحرق المصحف في لندن    مقتل 3 جنود إسرائيليين في قطاع غزة    هانزي فليك مدرب برشلونة يظفر بجائزة الأفضل في الدوري الإسباني    كأس العالم للأندية: تشلسي يدعم صفوفه بالبرتغالي إيسوغو    قائد الملحقة الإدارية الرابعة بطنجة يشرف على حملة ضد حراس السيارات بتنسيق مع الدائرة الأمنية الثانية    بوصوف يكتب: إجماع مغاربة العالم على عدم تأدية شعيرة الذبح... تضامن راقٍ يعكس وعيًا جماعيًا نادرًا    الفيفا يكشف عن شعار النسخ الخمس القادمة لمونديال السيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    السعودية: إخراج أكثر من 205 آلاف شخص من مكة حاولوا الحج بدون تصريح    محمد الأمين الإسماعيلي في ذمة الله    "وقفات مع العشر".. عنوان حلقة جديدة من برنامج "خير الأيام" عبر يوتيوب    السجائر الإلكترونية المستخدمة لمرة واحدة تهدد الصحة والبيئة!    معهد للسلامة يوصي بتدابير مفيدة لمواجهة حرارة الصيف في العمل    البرازيل تحقق في 12 إصابة جديدة مشتبه بها بإنفلونزا الطيور    مخترع حبوب الإجهاض الطبي يغادر دنيا الناس    









العودة إلى الجنة
نشر في البوصلة يوم 06 - 07 - 2009


المنازل مسالك والباب محبوب
أحمد الشهاوي باحثاً
عن العودة إلى الجنة
القاهرة / صبحي موسى
في ديوانه الأخير" باب واحد ومنازل " الصادر عن الدار المصرية اللبنانية يوقفنا أحمد الشهاوي على واحدة من الحالات الفريدة في العشق الإلهي ، إذ تقوم تجربة هذا الديوان ليس على البحث عن طرائق للوصول إلى المحبوب ولكن العودة إلى الحلول والاتحاد معه ، وذلك عبر لغة حملت من وهج التجربة ما يغفر لها أخطاء التمرس في الكتابة الصوفية ، حتى أننا نتوحد من أول سطر مع أحوال المحب بدءاً من موقف العابر الذي يرفض أن يكونه ، مروراً بحال المعذب المستذل ، وصولاً إلى قوله ( بادليني التنفس / فزماني يسيل / عزلتي لا تهم / شتائي عار / وحضوري / في كل شيء يموت ).
يعتمد الشهاوي في هذا الديوان موقف الحيرة ، فلا نعرف إن كان محباً يتوله في محبوبته ، أم عارف يخاطب إلهه بصيغة الأنثى كي لا يأخذه الناس بما يفيض منه ، وكأنه ينطق بما ليس مأذوناً له أن يصرح به ، ومن ثم فإنه يقلب ضمير المخاطب ، متجنباً السرد وما به من افتضاح لحاله ، معتمداً تقنية الأبيجراما وما بها من تكثيف واختزال ، واضعاً عناوين أقرب إلى الشفرات السرية بينه وبين المحبوب ، معولاً على قارئ متأمل يستبطن النص ولا يأخذه بظاهره ، وناثراً في هذا الروح التي استمد منها طاقته على الكتابة ( كلما / حفرت ثقباً / أجد حرفاً من اسمك / فيردني الشعر / إلىَّ ) .
لكن القصيدة الطويلة التي جزأها إلى مقاطع لكل منها عنوان تضعنا أمام محب يتضرع تارة ، ويلوح لمحبوبه بعقاب سينزل الله به تارة أخرى ، وهو في كلتا الحالتين لا يبحث عن قطع للعلاقة بقدر ما يبحث عن استعادة لها ، مبرزاً أن الإشكالية ليست في عدم الوصول لكنها في معاودة الاتصال ، هذه الدرجة من الحرمان تجعلنا لأول مرة في العشق الإلهي نلقي باللوم على المحبوب لا المحب ، فلأمر ما ، ليس للمحب دخل فيه ، تغير المحبوب عن حبيبه ، وتبدل الحال من التماهي والتوحد إلى الثنائية والتجزؤ ، وأصبح على المحبوب أن يطرق كل الأبواب التي توصله إلى حلول حبيبه فيه من جديد ، ومن ثم فإشكالية التجربة في هذا الديوان هي العودة إلى الجنة ، وليس الوصول إليها .
ولأن المقام مقام الحيرة فالأسئلة دوماً أكبر من القدرة على الإجابة ، ولعل أول الأسئلة يبدأ من العنوان الذي يبدو معكوساً ، إذ من المفترض منطقياً أن يكون " منزل واحد وأبواب " وليس باب واحد ومنازل ، لكننا يمكننا تأويله على عدة اعتبارات منها أن هذه المنازل وهمية ، لا تزيد حقيقتها على كونها مضللة عن المنزل المرغوب في الوصول إليه ، تماماً كالأبواب الوهمية التي أقامها الفراعنة لتضليل اللصوص عن الوصول إلى غرفة دفن الفرعون بما فيها من قداسة وكنوز ، ويمكن أيضاً رؤية قراءة المنازل على نحو معكوس مماثل لورودها في العنوان ، فهي الطرق التي يتخذها المحب للوصول إلى حبيبه ، فالبشرية تؤمن بوجود الإله الواحد ، لكن طرائقها في الوصول إليه تتعدد وتتباين ، وبقليل من التأمل نجد تأويلاً لهذه الجماعات وطرائقها في التجربة ، بدءاً من الرؤية الإسلامية التي تحتل ظاهر التجربة حيث العناوين المأخوذة من مفردات وتراكيب آيات قرآنية شهيرة ، مروراً بالثالوث المسيحي المقدس ، حيث الأب القادر على عقاب المحبوب لهجره حبيبه بلا سبب ، بينما المحبوب هو المعادل الشعري للروح القدس التي منحت صاحبها حق الحياة والفعل ، أما الابن فهو ذلك الذي لولاه ما وصلت الرسالة إلى الأرض ، وما كتبت القصيدة على الورق ، وليس هذا ببعيد عن الحضور الفرعوني أسطورة الخلق لدى كهنة عين شمس ( أوزيريس وإيزيس وحوريس ) ، أو في أداء أسطورة منفيس القديمة ، حيث بتاح الذي ظهر من مياه المحيط الأزلي في صورة تل سرمدي ، وآتوم الذي ينبت من جوار التل ليتسلقه ويستوى عليه ، ثم يتحدث فتخرج العناصر إلى الوجود ، ومن التزاوج بينها تنشأ الحياة ، ومن ثم فإذا كان المحبوب يتيه بأنه لولا وجوده ما كان المحب ، فإن الأخير يقول له ( لو أنني نمت عنك / لاحترقت / وساقتك النجوم إلى مخابئها / رماداً / لو أنني / ما حرثت / ما طلعت شموس في الحشائش / وما كتبت وردة نشيدها ) .
يمكننا القول أننا أمام قصيدة واحدة ، ذات مقاطع عدة ، وليس بينها فواصل ، أو مسافات في الزمن ، لكنها أقرب إلى الفيوضات التي تغلب على صاحبها فلا يملك إلا كتابتها أو الحديث بها ، ولأنها لا تخضع إلى المنطق بقدر ما تخضع إلى قوة الروح التي هيمنت على صاحبها ، فإننا أنفسنا أمام نوع جديد من الطواسين ، حيث اللغة المحملة بالإشارة ، والكتابة المشحونة بالوهج ، والرغبة المخلصة في مخاطبة المحب وإعادة التواصل معه ، ومن ثم فتوظيف الموروث ليس إدراكاً من المحب بممتلكاته ، لكنه تجرد من العلائق الواضحة والوصول إلى اللغة الحقة ، تلك التي تبلبلت ألسن الناس بها ، وتفرقوا شيعاً وجماعات ، لكن الخلوص في الرغبة للتوحد مع الكلي الغائب خلف آلاف من الحجب والستور تنفي عن اللغة منطقيتها ، وتخلق لها وظيفة أعلى وهي الحضور المماثل لفكرة الحلول التي يريدها المحب .
المنازل هي المسالك ، والمحبوب هو الباب الواحد ، هكذا يطرح الشهاوي في تجربته ، بينما العناوين التي توزعت على ضفاف التجربة ليست سوى المدارج التي يرتقيها المحب في الوصول إلى محبوبه ، وهي في مجملها كبقية عناصر النص لا تقدم إجابة بقدر ما تطرح حيرة أو سؤالا بحجم تجربة ، إذ لا تفسر المقاطع ولا تجيب عن الشكوك ، أو حتى تمثل اكتمالاً لدائرية النص ، لكنها تصنع توازياً مع التجربة ككل ، وكأننا أمام نصين أحدهما قابل للقراءة والتأويل ، والآخر ليس إلا علامات لا يهتدي بها القارئ ، ولكنها تحيل المحبوب ما هو مدون في اللوح المسطور ( ألم تقل لك الكتب / أن شمساً مسروقة في قلب امرأة / ستفسد / إذا لم تقل لشاعرها / : صباح الخير يا أحمد )
ولعل السؤال الوحيد " ما الجحيم " الذي تضمنته هذه العناوين أو المدارج جاء في مستهل التجربة ، وهو سؤال يمكن القول أن دلالته هي الأقرب إلى الذهن ، على نقيض عشرات الأسئلة التي تحملها العناوين دون تصريح أو إجابة تفسر مجيئها على هذا النحو ، فالجحيم هو الحيرة والفقد هو حسبما يجيب أحمد نفسه (أن تحب / ولا صدى / أن تسأل ولا جواب / أن تكتب ولا قارئ / أن تنام ولا أحد في الحلم / أن تبتهل / ولا إله / أن تحمل مفتاحاً / ولا بيت / أن تفتح كفك / فلا تجد امرأة تقرأ ) .
ليس جديداً على الشهاوي الكتابة انطلاقاً من التجربة الصوفية ، مما يجعلنا موقنين بأنه يدرك تراكيب لعبته الشعرية ، لكن الإشكالية أن التمرس عادة ما يخلق أخطاء أوضح من أخطاء الفطريين ، وكثيراً ما يعيق التواصل مع القارئ الباحث عن السرد لا الرصاصات الصائبة ، وعن اكتمال دائرية الفكرة لا اختزالها ، ولأن الحالة في هذه التجربة كانت أقوى من سابقاتها فقد أحدثت الحقيقي بين النص وقارئه ، إذ وضعته في التجربة ، فأصبح القارئ محباً ، والنصوص محبوبة ، والأخطاء مغفور لها ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.