في عالم كرة القدم الذي يتقاطع فيه الانتماء بالفرص، يبرز اسم لامين يامال كأحد أكثر الأمثلة إثارة للجدل. اللاعب الشاب، ابن أبٍ مغربي وأم من غينيا الاستوائية، اختار منذ بداياته الدفاع عن ألوان المنتخب الإسباني، متجاهلاً دعوات الانضمام إلى بلده الأب. قرارٌ أثار جدلاً متجدداً، خصوصاً بعد تتويج المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة بطلاً للعالم عقب فوزه التاريخي على الأرجنتين، في إنجازٍ جعل الكثيرين يتساءلون: ماذا لو اختار يامال المغرب؟ الموهبة الفذة التي ظهرت مبكراً في أروقة أكاديمية برشلونة "لا ماسيا" جعلت الاتحادين المغربي والإسباني يتنافسان على ضمه. المغرب حاول فتح قنوات للتواصل مع اللاعب وعائلته، لكنه اصطدم بسرعة تحرك الإسبان الذين راهنوا عليه منذ نعومة أظافره، وأشركوه في المنتخبات الصغرى قبل أن يمنحوه شرف المشاركة مع المنتخب الأول في سن السادسة عشرة. وهكذا أُغلق الباب قبل أن يكتمل حلم المغاربة بضم موهبةٍ يعتبرها كثيرون "استثنائية" في تاريخ الجيل الجديد. اختيار يامال لإسبانيا لم يكن خالياً من البعد العاطفي، لكنه كان في جوهره قراراً استراتيجياً بحث فيه عن بيئة احترافية متكاملة تساعده على النمو الكروي السريع، خاصة وسط جيل ذهبي في برشلونة والمنتخب الإسباني. غير أن ما شهده العالم خلال السنوات الأخيرة من بروزٍ مذهل للكرة المغربية أعاد طرح السؤال من جديد، فالمغرب اليوم لم يعد ذلك البلد الذي يبحث عن الاعتراف، بل أصبح رقماً صعباً في معادلة كرة القدم العالمية، بفضل سياسة تكوينٍ دقيقة أشرفت عليها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بقيادة فوزي لقجع، واستثماراتٍ ضخمة في البنية التحتية ومواكبة المواهب داخل وخارج الوطن. تتويج المغرب بكأس العالم لأقل من 20 سنة لم يكن صدفة، بل نتيجة مشروعٍ طويل المدى جعل من الأكاديميات الوطنية منجماً للمواهب التي تُكوَّن باحترافية، وتُقدَّم للعالم كنماذج حقيقية للالتزام والانضباط. أمام هذا النجاح، وجد كثير من المحللين أن خسارة لاعب واحد مثل يامال لم تعد تُمثّل مأساة، لأن المغرب أصبح يصنع نجوماً لا تقل موهبة عنه، بل تفوقه انتماءً وروحاً. الدرس الذي يقدمه ملف لامين يامال للمغرب لا يتعلق بالندم، بل بالثقة. فالمغرب اليوم لم يعد يطارد أبناء المهجر ليصنع أمجاده، بل بات يصنع في الداخل أبطالاً يرفعون رايته في المحافل الدولية. وربما في يومٍ ما، حين ينظر يامال إلى جيلٍ مغربي يسيطر على الساحة العالمية، سيدرك أن اختياره لإسبانيا كان قراراً مهنياً صائباً، لكنه لم يكن بالضرورة الخيار الذي يلامس جذور القلب والانتماء. المغرب خسر موهبة، لكنه ربح مشروعاً يصنع الأمل... والأمل في كرة القدم المغربية لم يعد حلماً، بل حقيقة تتجدد كل يوم.