الذي لفظته الصناديق واحتقن به التاريخ السياسي كما تُحتقن العروق بالعار، إلى ذاك الذي ما زال يظن نفسه وصيّاً على الدين والأخلاق وهو لا يجيد سوى التلاعب بالشعارات وارتداء جلباب الورع لإخفاء نفاقه السياسي... نقول: كفّ عن توزيع صكوك الإيمان والوطنية، فزمن الخداع بالشعارات انتهى، ومن يتجرأ على وصف الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الأستاذ إدريس لشكر، ب»البلطجي»، فقط لأنه شجب القمع الذي يمارسه أردوغان في حق حزب الشعب الجمهوري التركي، إنما يكشف عن جهلٍ مطبقٍ بمعنى النضال الديمقراطي وقيم الأممية الاشتراكية التي ننتمي إليها ونُدافع من داخلها عن الوطن ووحدته الترابية بشجاعة واتزان ومسؤولية. نحن لا نتلقى دروسا في الوطنية من شخص جعل ولاءه للتنظيم العالمي للإخوان أسبق من ولائه للوطن، واصطف دوما دونما خجل أو استحياء خلف أجندات غير مغربية، تُغذّي الانقسام باسم الدين وتبرّر التخلف باسم الأخلاق. إن بنكيران، الذي عجزت تجربته في الحكم عن تحقيق الحد الأدنى من العدالة والكرامة، لا يحق له اليوم أن يُلقي المواعظ على من ظلّ ثابتا على المبدأ والهوية الوطنية الصلبة. فالاتحاد الاشتراكي كان ولا يزال حزبا للمؤسسات، حزبا للمواقف الشجاعة، لا يهادن في ما يتعلّق بقضايا الوطن، ولا يساوم في الدفاع عن الديمقراطية والحداثة. يا زعيم الزمن البائس، إن ما يؤلمك اليوم ليس تصريح إدريس لشكر، بل حضور حزب الاتحاد الاشتراكي القويّ في المشهد السياسي، بقيادة مسؤولة استطاعت أن تُعيد للحزب موقعه الطبيعي في صدارة المعارضة المؤسساتية المحترمة، وأن تجعله فاعلا مؤثّرا داخل الأممية الاشتراكية، مدافعا شرسا عن المغرب وقضيته الوطنية العادلة والمشروعة في المحافل الدولية بلسان اشتراكيٍ عاقل لا يرفع السيف بل يرفع الحجة والبرهان. نحن لا نمارس «البلطجة»، بل نحترف الدفاع عن الوطن بالحجة والنضال والكلمة الحرة، وإذا كانت الوطنية في قاموسكم تُختزل في الصراخ والتكفير والتخوين، فدعونا نمارس "بلطجتنا" على طريقتنا: «بلطجة» فكرية، سياسية، راقية، تُفحم ولا تجرح، تُقنع ولا تُكفّر. أما أنتم، فلكم في تاريخ الدم ما يكفي لتصمتوا إلى الأبد: أياديكم الملطخة بدماء عمر بنجلون والمعطي بوملي وآيت الجيد شاهدة عليكم، وذاكرة الوطن لا تنسى من حمل العصي والسكاكين بدل الفكر والكلمة. لذلك، نقولها بصوتٍ اشتراكيٍ ديموقراطي واضح: نحن قوات الوطن، نعم، نحرسه بعقلنا وضميرنا، ونذود عنه بالقيم التي تربّينا عليها في مدرسة الاتحاد، مدرسة الوفاء للمبادئ، والالتزام بالقضية الوطنية، والنضال من أجل مغرب ديمقراطيٍ حداثيٍ متحرّر من أوهام المتاجرين بالدين. أما أنت، فابقَ في زاوية النسيان حيث وضعتك الصناديق، هناك حيث لا يسمع أحدٌ صوتك المبحوح بالهزيمة. فالمجد للشهداء الذين سقطوا في درب النور، والخزي والعار لمن اغتالهم أو برّر قتلهم، والخلود للاتحاد... حزب المبدأ والكرامة والوفاء.