تعيش الجزائر هذه الأيام على وقع ارتباك غير مسبوق داخل هرم السلطة، وسط تصاعد التوترات التي تنذر بانفجار داخلي قد يعيد رسم المشهد برمّته. فالمعطيات المتداولة في الكواليس تشير إلى أن النظام الحاكم، بزعامة عبد المجيد تبون ورئيس أركان الجيش السعيد شنقريحة، يمرّ بمرحلة دقيقة تشبه ما قبل العاصفة، مع تزايد الشكوك داخل المؤسسة العسكرية نفسها حول مستقبل القيادة الحالية. مصادر فرنسية وأمريكية متقاطعة، نقلت عنها تقارير إعلامية غربية في الأسابيع الأخيرة، تحدثت عن تراجع الثقة الدولية في النظام الجزائري، خصوصاً بعد سلسلة من المواقف المرتبكة في السياسة الخارجية. الروس، الذين اعتبروا الجزائر حليفاً تقليدياً، باتوا اليوم يتعاملون معها ببرود واضح بعد إخفاقها في الالتزام بصفقات تسليح واستثمارات وعدت بها ثم تراجعت عنها. أما واشنطن وباريس، فتتهمان النظام العسكري بالتحالف مع أطراف معادية لمصالحهما في إفريقيا، ما جعله في عزلة دبلوماسية غير مسبوقة. في المقابل، يعيش قادة المؤسسة العسكرية حالة توتر داخلي، إذ تتداول أوساط أمنية وإعلامية مقربة من المعارضة عن وجود انقسامات حادة بين أجنحة الجيش، بين من يدافع عن استمرار شنقريحة وتبون، ومن يرى أن بقاءهما لم يعد ممكناً بعد تصاعد الغضب الشعبي وتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي. هذا المناخ المشحون جعل كثيرين في الداخل يتحدثون عن احتمال انقلاب عسكري «من الداخل» يعيد ترتيب السلطة ويُنهي عهد الكابرانات الذين أحكموا قبضتهم على البلاد منذ عقود. الجزائر، التي كانت تراهن على النفط والغاز لإنقاذ اقتصادها المتعثر، تجد نفسها اليوم أمام أزمة متعددة الأبعاد: انهيار في الثقة الشعبية، عزلة خارجية، وارتباك في هرم الجيش. ومع تنامي الضغط الأمريكي والفرنسي في ملف الصحراء المغربية، وانسداد الأفق السياسي الداخلي، يبدو النظام الجزائري عارياً من أي دعم حقيقي. كل هذه المؤشرات تجعل من الأسابيع القادمة فترة حاسمة في تاريخ الجزائر الحديث. فإما أن تشهد البلاد تحركاً داخلياً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو أن يستمر الانهيار البطيء الذي قد يقود إلى انفجار يصعب السيطرة عليه، ويضع نهاية لجيل الكابرانات الذي أنهك الجزائر لعقود. هل يمكن لضباط الجيش أن يتدخلوا هذه المرة ل"إنقاذ الجزائر من نظامها"؟ أم أن الخوف والتوازنات الداخلية ستجعل الجميع يكتفي بالمراقبة إلى أن تقع الفاجعة؟ سؤال يبقى مفتوحاً في بلد يعيش على حافة الانفجار السياسي والعسكري.