نشرة إنذارية: طقس حار من الجمعة إلى الثلاثاء، وزخات رعدية اليوم الجمعة بعدد من مناطق المملكة    مصرع ضباط جزائريين في طهران.. حادثة تكشف خيوط التعاون السري بين الجزائر وإيران    وليد الركراكي يكشف سر استمراره رغم الإقصاء ويعد المغاربة بحمل اللقب على أرض الوطن    بتنسيق مع "الديستي".. توقيف 10 أشخاص ضمن شبكة للاتجار بالمخدرات في الناظور    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    الأرصاد تحذر من موجة حر تصل إلى 45 درجة تمتد إلى غاية الثلاثاء    معهد صحي يحذر.. بوحمرون يتزايد لدى الأطفال المغاربة بهولندا بسبب تراجع التلقيح    بعد وفاة بريطانية بداء الكلب في المغرب.. هل أصبحت الكلاب الضالة تهدد سلامة المواطنين؟    حريق غابة عين لحصن يأتي على 15 هكتارا وطائرات الإطفاء قامت ب67 طلعة جوية    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    اجتماع إيراني أوروبي في جنيف وترامب يرجئ قراره بشأن الانخراط في الحرب    "الباطرونا" تبرم اتفاقية مع "سيماك"    "الكاف" يعلن عن مواعيد وملاعب "شان 2024"    وفاة طبيبة شابة في طنجة بعد سقوط مروع من سطح منزل قرب مستشفى محمد الخامس    «علموا أبناءكم».. أغنية تربوية جديدة تغرس القيم في وجدان الطفولة    «نج «و»كي بلاك» يجمعان صوتهما لأول مرة في عمل غنائي مشترك بعنوان «La Var»    الشوبي في الذاكرة.. مشرع بلقصيري تحتفي بالصوت الخفي في أمسية وفاء سينمائي    لفتيت يذكر الشباب باستمارة الجندية    غوتيريش يستقبل آمنة بوعياش بنيويورك لتعزيز دور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في القرار الدولي    عن "الزّلافة" وعزّام وطرفة الشّاعر عبد اللطيف اللّعبي    ديغات: المغرب يوفر للاجئين بيئة داعمة .. والموارد الأممية محدودة    الدفاع المدني ينعى 43 قتيلا في غزة    تضخم طفيف يسجل بالمغرب: ارتفاع الرقم الاستدلالي للأسعار عند الاستهلاك بنسبة 0,4 بالمئة    كوت ديفوار تعبر عن قلقها بشأن أوضاع حقوق الإنسان في تندوف وتطالب بإحصاء سكان المخيمات    افتتاح الدورة ال26 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة        المغرب يقبض على مطلوب بالنرويج    الكاف يكشف روزنامة النسخة الجديدة لدوري الأبطال وكأس الكونفدرالية    توقيف ناقل "ريفوتريل" إلى بني ملال    النفط يتراجع بعد تأجيل قرار أمريكي لكنه يحقق مكاسب أسبوعية بنسبة 4%    كارمن سليمان تفتتح مهرجان موازين بطرب أصيل ولمسة مغربية    قرض أوروبي بقيمة 110 مليون أورو لإنعاش البنية الصناعية بإقليم الناظور    انتقادات تلاحق هدم السكن الجامعي لمعهد الزراعة والبيطرة ومخاوف من تشريد 1500 طالب        "فيفا" يخفي 10 مليون منشور مسيء عبر وسائل التواصل الاجتماعي    محمد حمي يوجه نداء من والماس لإعادة الاعتبار للفلاح الصغير    مرسوم جديد لتنظيم "التروتينبت" لتعزيز السلامة الطرقية في المغرب    لقاء بين الشبكة المغربية والسفارة البريطانية يبحث تحديات وإصلاح نظام الرعاية الصحية بالمغرب    تقرير: المغرب يجذب حوالي 15.8 مليار درهم من الاستثمارات الأجنبية بنمو 55% في 2024    7 أطباق وصحون خزفية لبيكاسو بيعت لقاء 334 ألف دولار بمزاد في جنيف    كأس العالم للأندية.. ميسي ينقذ إنتر ميامي وسان جرمان يتعثر وأتلتيكو يرفض الاستسلام    المنتخب الوطني لكرة القدم النسوية يفوز وديا على نظيره المالاوي        ترامب يحسم في دخول الحرب ويهدد ايران بمهاجمتها في بحر أسبوعين    رواندا تقبض على زعيمة المعارضة    المغرب يعزّز حضوره الثقافي في معرض بكين الدولي للكتاب    التكنولوجيا الصينية تفرض حضورها في معرض باريس للطيران: مقاتلات شبح وطائرات مسيّرة متطورة في واجهة المشهد    تتبع التحضيرات الخاصة ببطولة إفريقيا القارية لكرة الطائرة الشاطئية للكبار    التصادم الإيراني الإسرائيلي إختبار لتفوق التكنلوجيا العسكرية بين الشرق والغرب    مجازر الاحتلال بحق الجوعى وجرائم الحرب الإسرائيلية    بنكيران يهاجم… الجماهري يرد… ومناضلو الاتحاد الاشتراكي يوضحون    فحص دم جديد يكشف السرطان قبل ظهور الأعراض بسنوات    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤتمر الوطني التاسع: الاتحاد الاشتراكي في مفترق الطرق

سفيان خيرات: بداية نفترض أننا أمام مرحلة مختلفة تتضمن بعض عناصر القطيعة مع مرحلة ما بعد التناوب التوافقي.
نحن أمام مؤتمر يمكن أن يكون، من الناحية الايديولوجية و السياسية - متقدما على المؤتمر الاستثنائي كما يمكن أن يكون متخلفا عن المؤتمر السادس. هما المؤتمران المرجعيان في تاريخ حركة سعت إلى إصلاح النظام السياسي من الداخل. لا مناص إذن من قراءة هاتين المحطتين .فالمؤتمر الاستثنائي هو تأسيس لمرحلة سياسية جديدة في تاريخ الحركة الاتحادية بحثت من التجانس و الانسجام بين ما هو إيديولوجي و سياسي و تنظيمي. و المؤتمر السادس هو بداية تفكك الحركة الاتحادية كحركة معارضة. هو نهاية المنظومة المرجعية للمؤتمر الاستثنائي و محاولة تأسيس مرجعية أخرى - سميت بالاشتراكية الديمقراطية -بمفاهيم جديدة و اختيارات أخرى. اليوم نحن أمام إرهاصات قطيعة عناصرها واضحة في تحول بنيات ووظائف المكونات التقليدية المشكلة للحقل السياسي. سياق المؤتمر إذن، هو سياق مختلف لا بد لنا فيه من طرح أسئلة عميقة حول الثوابت التي تشكلت طيلة العقود الثلاثة الماضية. لابد لنا فيه من الخروج من حالة العزلة الإيديولوجية و الثقافية. فالاتحاد لم يعد حزبا مهيمنا - بالمفهوم الغرامشي- حيث لم تعد مرجعياته الايديولوجية محط اهتمام النخب السياسية و الثقافية. هي حالة شبيهة بحالة الأحزاب الشيوعية بعد انهيار جدار برلين. لذلك جرأة السؤال هي شرط لمعاودة الحضور. الأزمة التنظيمية: مفهوم لا سياسي مفارق للواقع لم نستسغ قط توصيف الكاتب الأول للاتحاد خلال انعقاد المجلس الوطني الأخير الوضعية التنظيمية بالانتحار الجماعي الممنهج. فالانتحار الجماعي في السياقات السياسية للحروب هو، عند أصحابه، عنوان للمقاومة و رفض للاستسلام، لوطنية مفترى عليها ربما، لكن له دلالة سياسية. فأية دلالة سياسية لانتحارنا الجماعي؟؟ هناك خطأ في تقدير طبيعة أزمة الحزب. فالاتحاد الاشتراكي لا يعيش أزمة تنظيمية، بل أزمة رؤية و خط سياسي. لذلك لا بد لنا من وقفة تأملية حول سؤال العلاقة بين الاتحاد و التنظيم . لابد من التذكير بأن الاتحاد اعتمد وإلى حدود مؤتمره الأخير - المؤتمر الثامن - على تصور تنظيمي لينيني يجعل من القيادة المركز الوحيد الملهم للقرار. ولابد من التذكير بأن هذا النوع من التنظيم كان الهدف منه هو بناء دولة إلى جانب الدولة القائمة - الدولة القيصرية -. وإذا كان لهذا النوع من التنظيم ما يبرره في سياق العلاقة الملتبسة بين الحزب و النظام السياسي، فإنه اليوم يظل محط تساؤل في ظل الخط السياسي الذي انتهجه الحزب منذ مؤتمره السادس 2001 . فبنية التنظيم المغلق لا تتماشى إطلاقا مع خط سياسي منفتح على المبادرات الإصلاحية للدولة. ومؤمن بالاختلاف كمكون من مكونات الفعل السياسي، بل هو منتج للحلقية و التطاحن الداخلي و الانعزال عن المجتمع. و الحقيقة أن ما يبدو من ازمة تنظيمية «ليس في الواقع إلا انحصار للخط السياسي و غياب أفق استراتيجي معبأ و هذا هو جوهر النقاش. فالمكانة التي أصبح يحتلها «سؤال التنظيم» داخل الحزب ما هي إلا أحد أعطاب الممارسة السياسة وهروب من الإجابة عن سؤال الخط السياسي. لذلك فالنقاش حول الفلسفة التنظيمية يجب أن يعقب النقاش حول الاختيارات السياسية و الأهداف الاستراتيجية العامة. وبالفعل، فالمدكرة التنظيمية - من تيار شعبي عائم إلى حزب سياسي منظم - و التي كانت المرجعية الأساسية في إعادة بناء التنظيم وصولا إلى المؤتمر الاستثنائي بقيت الملهم الرئيسي لاختيارات الاتحاد التنظيمية، حيث شكل المفهوم اللينيني للمركزية الديمقراطية عنصرها الثابت. نحن أمام نموذج تنظيمي مناقض لاختياراتنا السياسية و لا يمكن أن يفضي لا إلى توضيحها ولا إلى إعادة الوهج للاتحاد. سنسعى من خلال هاته المساهمة، لإبداء وجهة نظرنا في طبيعة الأزمة التي عصفت بتنظيمات الاتحاد الاشتراكي، على الأقل منذ حكومة «التناوب التوافقي»، والتي ما فتئت تتفاقم بالموازاة مع مختلف تطورات الحقل السياسي الوطني. كما أنها تسعى إلى استشراف بعض المسالك الممكنة لإعادة روح الثقة فيما تبقى من تنظيمات الحزب. ولا يخفى علينا صعوبة سبر أغوار أوضاع الاتحاد ورسم سبل «الخروج من الأزمة» على اعتبار أنها أوضاع معقدة و مركبة و متراكمة. كما لا يخفى علينا المجهودات المتواصلة والاجتهادات الجادة التي قام و يقوم بها المناضلون، بشكل جماعي أو فردي، لإعطاء فهم معين لطبيعة الأزمة و سبل الخروج منها. غير أننا نفترض، أن منهجية جديدة لمقاربة الوضع اليوم تفرض نفسها بالنظر إلى تحول الشروط الداخلية و التي أفرزت وضعا سياسيا جديدا كان من بين نتائجها المباشرة خروج الاتحاد إلى المعارضة. هذه الشروط مست على الأقل ظاهريا ثلاثة مكونات: موقع الملكية و بروز التيار الإسلاموي كفاعل رئيسي و تفكك الحركة الوطنية كمشروع سياسي. هذه هي عناصر القطيعة المفترضة و التي تسير حتما في اتجاه مختلف عن ما رسمناه في المؤتمر السادس. لذلك لابد لنا في البداية، من الإدلاء ببعض الملاحظات المنهجية و التي سنؤسس عليها جملة الخلاصات و الاستنتاجات. عود على بدء: إعادة النظر في المقاربة النظرية لمآل المشروع السياسي للحركة الوطنية. 1 - لابد لنا من الإقرار بأننا اصطدمنا بمأزق حقيقي في تصور الأفق الممكن للممارسة السياسية للاتحاد الاشتراكي، على الأقل منذ الانتخابات التشريعية لسنة 2007 و الأهداف الاستراتيجية العامة للخط السياسي للحزب. فرغم كل المحاولات (لجنة التقييم، المؤتمر الثامن...) هناك انطباع بأننا لم نراوح مكاننا وجاءت انتخابات 2011 (رغم سياق الربيع العربي) لتكرس مسار الاندحار. ففي نظرنا، يبقى هذا «الأفق الممكن» الملهم الرئيسي للممارسة اليومية و القاسم المشرك للتعبيرات و المكونات المختلفة و المتناقضة أحيانا للحركة الاتحادية و الذي شكل - في فترة ما بعد المؤتمر الاستثنائي - البيان العام للمؤتمر الوطني الثالث أحد تعبيراته القوية أي: الدولة الوطنية الديمقراطية المؤسسة على الملكية البرلمانية. هل تشكل هذه التجربة انحرافا عن المشروع؟ أم هي نتيجة طبيعية لاختيارنا؟ فالمضمر في الوعي الجماعي لمكونات الحركة الاتحادية و النخب التي ارتبطت بها هو هذا السؤال المقلق حول كيف انتقلنا من مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية إلى تجربة التناوب التوافقي؟ لقد أسس الاتحاد ، ومعه اليسار عموما ، تصوره لهذا الأفق على مقاربة تاريخانية - هيغيلية تجد جذورها في المناخ الفكري و الثقافي المنتج لنخب الاتحاد خلال عقود الستينيات و السبعينيات و حتى الثمانينيات. إن ما نقصده بالمقاربة التاريخانية هو هذا التصور الذي ينظر إلى التاريخ كمسار خطي تتحول فيه التجربة الديمقراطية الغربية من معطى تاريخي إلى حقيقة تاريخية. أي كونية لا شيء يعلو فوقها. فاختزال أفق الممارسة السياسية للاتحاد في هذه «الحقيقة» كثفها في اتجاه عمل مؤسساتي ضيق ودفع بالحركة الاتحادية إلى التفكك و الترهل، بل و الاغتراب. وكذلك الشأن بالنسبة لليسار السبعيني و الذي لم يتأخر لإنجاز المراجعة الفكرية رغم توفر «الشرط الموضوعي للثورة». إن وهم إعادة إنتاج التاريخ الغربي أفضى تدريجيا إلى نوع من «الاستلاب» الفكري ثم إلى عجز في استعاب التحولات الجديدة للمجتمع. من الناحية النظرية، لم يغفل التقرير الإيديولوجي المقدم للمؤتمر الاستثنائي حدود هذه المقاربة، حيث كان مفهوم «التحليل الملموس للواقع الملموس»، واعيا بضرورة أخذ المسافة، لكن عدا بعض المصطلحات مثل «الخصوصية» و «التأصيل و المعاصرة» ظل الجوهر يمتح من عمق هذه المقاربة و الت معه الممارسة إلى التأويل «الديمقراطوي» لاستراتيجية النضال الديمقراطي. لاغرابة إذن إذا كان المسار العام للحزب منذ المؤتمر الاستثنائي قد عرف تدحرجا واضحا من المشاركة المحتشمة في المجالس الجماعية و البرلمان رغم الحضور الجماهيري الوازن إلى مشروع «التناوب التوافقي» ثم إلى مشاركة مرتجلة في الحكومتين اللتين أعقبتا هذا المشروع. لذلك لابد لنا اليوم من مقاربة أخرى، يمكن أن نسميها بنيوية تستحضر التجربة الديمقراطية الغربية كمعطى تاريخي مرتبط بنماذج و تحولات اقتصادية و اجتماعية و قيمية ثقافية. حيث يجب أن تتحول علاقتنا به من علاقة بالحقيقة الثابتة إلى ميزان قوى يحضر فيه الوطن أولا و التماسك الداخلي ثانيا و النموذج السياسي ثالثا. هل هذا يعني أن الديمقراطية ليست أولية؟ بالطبع لا، لكن لا بد من التمييز بين الديمقراطية كسيرورة تاريخية منتجة لنظام من القيم المؤسسة على تحرير الفرد و الديمقراطية كبناء مؤسساتي أنتج هذا النظام السياسي أو ذاك. فإشكاليات مثل المساواة بين الرجل و المرأة و منظومة الحقوق و حرية المعتقد يجب ان تحظى بالأولوية مقارنة بإشكاليات فصل السلط. فالثورة الفرنسية أنتجت إعلان حقوق الإنسان و المواطن قبل ان تنتج الجمهورية الثالثة. فالمشكل يبقى في قراءتنا للتجربة الديمقراطية الغربية، حيث الأساس هو التوجه نحو فلسفتها و استعابها و ترجمتها إلى اختيارات سياسية و إيديولوجية و ثقافية ثم السعي إلى تجاوزها بالنظر إلى تاريخنا و مكونات هويتنا. هي كونية في ذاتها و لحظتها و ليس في هيمنتها و إشعاعها. من نحن ؟ أو مأزق الوضوح الإيديولوجي. لا نسعى من خلال هذا السؤال إلى البحث عن وضوح إديولوجي (ونحن نفترض بأنها إحدى أخطاء التقرير الإيديولوجي) على اعتبار أننا ضمن نظام سياسي سريع التحول بحكم حجم الضغط الخارجي. بل نسعى إلى تحديد مجال التناقض الذي يحكم فعل الحركة الاتحادية. وراء هذا «النحن» الصغير و الايل للانكماش، هناك هذا المجال الحيوي للممارسة السياسية المسمى الأمة المغربية و الذي له تاريخ و تحدده علاقات قوى فعلية جيوسياسية و تاريخية تحول إلى دولة - أمة بمقتضى تحالف قوى التغيير - الحركة الوطنية - و القوى المحافظة - المخزن - و ليس نتيجة لتدخل أجنبي - هذا الاخير لم يستطع تغيير بنية الحكم - لقد شكلت هذه المفارقة - الحزب الثوري المطالب بالإصلاح - إحدى عوامل الضعف الاساسية للخط السياسي للاتحاد و عنصر من عناصر الالتباس في تمثل المجتمع و نخبه لماهية هذه القوة السياسية و أهدافها. ولعل تمثلنا الضيق لهذه المفارقة هي التي استحال معها الخط السياسي للاتحاد إلى المشاركة في حكومة التناوب التوافقي و أعدمت أي أفق آخر للممارسة السياسية للاتحاد خاصة بالنسبة للنخب الجديدة -الشباب و النساء- فالرهان على هذه التجربة كان يجب أن يوازيها تقوية التنظيمات الموازية للحزب - النساء و الشباب ،النقابة ،الإعلام- و الانفتاح على المكونات التقدمية للحركة الوطنية. لذلك فتعريف عناصر هوية الاتحاد ليست اجتهادا فكريا خالصا يمكن أن يستند إلى هذا النموذج أو ذاك، بل هو جزء من سيرورة إعادة القراءة المستمرة لمشروعنا السياسي و الوقوف على الأخطاء و تبيان الاهداف الاستراتيجية و التحديد الدقيق لدائرة الحلفاء. هي هوية لا يمكن أن تكون إلا متحولة : وطنية في أساسها و تحررية في عمقها و تقدمية في أفقها. الحركة الاتحادية في صلب، على هامش تحولات الحقل السياسي الوطني ظل الاتحاد طيلة الخمسين سنة الماضية في صلب المعادلة السياسية و أحد أطرافها المركزيين كيفما كانت طبيعة التحولات السياسية. فما الذي جرى حتى أصبح عنصرا هامشيا أو على الأقل محدود التأثير بما يجري؟ -قراءة أولية في التحولات من 1998 إلى الربيع العربي. إن القراءة السريعة للتحولات التي شهدها المغرب منذ مطلع الألفية الثالثة و التي تزامنت مع بداية التناوب التوافقي تفضي إلى استخلاص أربع معطيات مركزية:[وهناك مجال واسع للنقاش]: -على المستوى السياسي: حافظت الملكية على أدوارها الهيكلية -المؤسساتية حتى في ظل دستور 2011 وأحدثت بالمقابل تحولا كيفيا في ادوارها الوظيفية. فلقد استطاعت من أن تجعل من «موضوع الإصلاح» إيديولوجيا معبأة للمجتمع و أضحت باقي مكونات الحقل السياسي تلعب أدوارا هامشية و في احسن الحالات مكملة «للبرنامج العام للدولة». - على المستوى الإيديولوجي: ستساهم أحداث هامة «الحرب على العراق وعلى الإرهاب، الحرب على أفغانستان، فشل مخطط التسوية الفلسطينية الإسرائيلية». في موت الإيديولوجيات الكلاسيكية باعتبارها إيديولوجيات كونية و تحولها إلى إيديولوجيات غربية محضة و ستطفو على السطح بالمقابل إيديولوجيات إسلاموية قدمت نفسها كبديل في ظل «صراع حضاري» مفترض ستساهم الثورة الإعلامية
في ترسيخه ونشره. - على المستوى الاقتصادي: ستتنامى المصالح الاقتصادية الخارجية في المغرب بما يهدد سيادة القرار الوطني بالموازاة مع تراجع دور الدولة الاقتصادي و هشاشة الرأسمال الخاص. - على المستوى السوسيولوجي: ستساهم الثورة الديمغرافية رغم بطئها في موت المدينة كفضاء سياسي منتج للفعل الديمقراطي و ستتحول السياسة بمفهومها العام إلى سياسات تمارس داخل غيتوهات معزولة عن بعضها البعض. الملكية: هل نتجه فعلا إلى ملكية برلمانية؟ وهل نحن محتاجون إلى ملكية برلمانية كالملكية الاسبانية؟ بغض النظر عن هذا النموذج أو ذاك، فإننا نحتاج إلى تحديد واضح لوظائف الملكية في المغرب: وظائفها المؤسساتية و السياسية. فالخروج من دائرة الغموض لا بد و ان يساهم بشكل كبير في تحديد الاولويات والأهداف. مع الأسف خرج دستور 2011 من رحم الدساتير السابقة و كرس نموذج ازدواجية السلطة التنفيذية في سياق سياسي يختلف جذريا عن سياق نشأة الجمهورية الخامسة. نحن أمام دستور سيعيد لا محالة السؤال حول دور الملكية و حجم اختصاصاتها (ولو كانت ضئيلة) و سيعيدنا إلى نقطة الصفر في الوقت الذي نحتاج فيه إلى حوار وطني صريح حول الدستور يجمع كل مكونات الطيف السياسي حتى اللاشرعية . لذلك فدستور 2011 لا يمكن أن يكون إلا دستور انتقاليا سيتأثر لا محالة بتطورات القضية الوطنية و حجم الاحتقان الاجتماعي. -التيار الإسلاموي: الإيديولوجيا المعولمة في خدمة الربيع العربي-الأمريكي التيار الإسلاموي في المغرب هو مزدوج الشرعية. فمن جهة هناك السياق العالمي، إيديولوجية جديدة في خدمة توازن جديد. و من جهة أخرى هناك حاجة الدولة إلى توازن اجتماعي جديد. هذه أطروحة تقليدية لكنها تختلف اليوم باختلاف السياق. فنحن أمام تنظيم عالمي- على الأقل على المستوى الإيديولوجي - وصل إلى الحكم في أقوى دولة عربية. فإلى أي حد سنحافظ على السيادة الوطنية في ظل هذا الوضع؟ يمكن لهذا التيار أن يشكل أحد أعمدة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية . إذا ما هو تحلى بالشجاعة وقام بمراجعة إيديولوجية لاختياراته الدغمائية (مرجعية القيم) ويمكن أن يتحول إلى تيار في خدمة أجندة خارجية (ولو بدون وعي) - هل أنتهى مشروع الحركة الوطنية؟ من الناحية التاريخية يجدر بنا التمييز بين الوطنية المغربية والحركة الوطنية في مفهومها المتداول على إعتبار أن الأولى سابقة في نشأتها عن الحركة الوطنية التي نشأت عقب إصدار الظهير البربري سنة 1930 «عبد الله العروي ESQUISSES HISTORIQUES» وبالفعل يلاحظ عبد الله العروي أن الحركة الوطنية المغربية لايمكن اختزالها في هذه الحركة السياسية المدينية التي نشأت فيما بعد الكفاح المسلح وماقبل المقاومة لسنة 1953 ، بل هي جملة الردود عن الضغط الخارجي الممتد لقرون حيث لاتعدو المقاومة بكل أشكالها بما بعد الحماية الفرنسية إلا إمتدادا لها وأحد تعبيراتها إذا استندنا إلى هذا التمييز، فإن مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية لازال قائما، لكنه يفترض نخب جديدة وآليات جديدة فنحن نعيش نهاية الكتلة الديمقراطية كمشروع سياسي وليس نهاية الحركة الوطنية . 6/7/2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.