"الكونفدرالية" ترفض مشروع قانون التعليم العالي وتتوعد الوزارة بإضرابات متواصلة طيلة شتنبر    عائلة الشهيدين الدريدي وبلهواري تطالبان الدولة بالكشف عن الحقيقة كاملة في ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان    الأميرة للا مريم.. مسار من التفاني في خدمة المرأة والطفولة    المغرب، فاعل رئيسي في صناعة السيارات العالمية (صحيفة إسبانية)    إقبال كبير على تذاكر مباراة المغرب ونيجر في افتتاح ملعب الأمير مولاي عبد الله    27 قتيلا و 2719 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع الماضي    جامعة الأخوين أول عضو دولي في "تحالف LearningWell"            إطلاق مناقصة جديدة لتشييد مبان ومرافق طاقية بميناء الناظور غرب المتوسط    جنرال إسباني يحذر من "مخاطر التنازلات" للمغرب وسط غضب داخل الجيش    ينقل فيروسات حمى الضنك وشيكونغونيا وزيكا.. انتشار بعوض النمر في بلجيكا    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    المغرب يبحث عن لقبه الثالث في مواجهة نارية مع السنغال        بعد غياب طويل .. 320 ألف متفرج يستقبلون سعد لمجرد        صفقات السلاح .. كيف يوازن المغرب بين تحالفاته الدولية واستقلالية قراره العسكري ؟    أستراليا تتهم إيران بالوقوف وراء هجمات معادية للسامية وتطرد السفير الإيراني    برنامج الأغذية العالمي يرى أن المساعدات الداخلة إلى غزة "قطرة في بحر"    توضيح بشأن المعطيات المغلوطة بخصوص تنفيذ قانون العقوبات البديلة    مولاي الحسن يستقبل الأطفال المقدسيين المشاركين في المخيم الصيفي لوكالة بيت مال القدس الشريف        زبناء مستاؤون من خدمات شباك بنكي أوتوماتيكي شاشته مظلمة    أسود الأطلس يواجهون السنغال وعينهم على النهائي    باكيتا يعود لقائمة المنتخب البرازيلي واستبعاد نيمار وفينسيوس ورودريجو    "الشان".. "الكاف" يعين الجنوب أفريقي شافاني حكما لمباراة المغرب والسنغال    شي جينبينغ يستقبل رئيس مجلس الدوما الروسي ويؤكد على عمق الشراكة الاستراتيجية بين بكين وموسكو    اجتماع أخنوش بأعضاء مكتب جماعة أكادير: قضايا الأولوية بين أجندة المجلس وانتقادات المعارضة    بطولة ألمانيا: دورتموند يمدد عقد مدربه كوفاتش إلى غاية 2027        303 وفاة بسبب المجاعة بقطاع غزة    كيوسك الثلاثاء | أكثر من نصف المغاربة واعون بالتغيرات المناخية        بولتون ‬رأس ‬حربة ‬اللوبي ‬الانفصالي ‬بواشنطن ‬في ‬ورطة ‬جنائية ‬جديدة ‬تبدد ‬ما ‬تبقى ‬له ‬من ‬تأثير ‬و ‬مصداقية ‬    عمالات الدار البيضاء تطلق لقاءات تشاورية لإعداد جيل جديد من برامج التنمية الترابية    الصحافي والإعلامي علي حسن في ذمة الله    فرقة الراب "نيكاب" تلغي جولتها الأميركية بسبب محاكمة أحد أعضائها بتهمة دعم حزب الله                    جفاف قياسي يضرب أوروبا وحوض المتوسط مطلع غشت الجاري (مرصد)    الدكتور المغربي يوسف العزوزي يبتكر جهازاً ثورياً لتصفية الدم يفتح آفاقاً جديدة لزراعة الأعضاء    موريتانيا تتخذ إجراءات وقائية بعد تسجيل حالة إصابة بمرض جدري القردة بالسنغال    انطلاق بيع تذاكر مبارة المغرب والنيجر    «مهرجان نجوم كناوة».. رواد الفن الكناوي يلهبون حماس جمهور الدار البيضاء    وفاة الإعلامي علي حسن أحد الوجوه البارزة في التلفزيون والسينما المغربية    رأي : الحسيمة الثقافة والهوية    الإعلامي محمد الوالي (علي حسن) في ذمة الله.. مسار حافل في خدمة التلفزيون والسينما    الإعلامي محمد الوالي الملقب بعلي حسن نجم برنامج "سينما الخميس" في ذمة الله    أمر فرنسي بترحيل ثلاثيني مغربي لقيامه بفعل خطير    دراسة: النظام الغذائي النباتي يقلل خطر الإصابة بالسرطان    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دوار «أولاد بوجمعة» بزايو إقليم الناظور أرض تعاني التهميش والنسيان في قلب «المغرب العميق»
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 07 - 10 - 2015

«دوار أولاد بوجمعة « أو» لعزيب» أو «دوارخويا» كما يحلو للساكنة تسميته... في هذا الروبرتاج محاولة لتسليط الضوء على بعض الجوانب المظلمة لساكنته ومعاناتها اليومية مع مشاق الحياة وأعبائها.
نساء يعانين في صمت، وفتيات بدون تعليم، وأطفال سرقت براءتهم، وشيوخ رسم الزمان ملامحه المؤلمة على أجسادهم، وشباب هاجر مضطرا إلى المدن من أجل لقمة العيش أو الدراسة.
هذه هي المعالم الأولى التي تستقبلك وأنت تهم بحط الرحال بدوار «أولاد بوجمعة» بزايو شمال شرق المغرب.
دوار خارج التغطية... وساكنة بمعاناة يومية
لم نكن نتصور ونحن نحط الرحال «بدوار أولاد بوجمعة» بأننا سوف نستقبل بهذا الكم من البؤس والفقر والأمية، في دوار عرف بإنتاج الجلبانة والفول من أجود الأنواع، لنصدم بواقع أغرب من الخيال، دوار شبه خال من أبسط المقومات التنموية، لا ملاعب للقرب أو أماكن للترفيه والتثقيف، سوى نساء يقبعن في بيوتهن لا يقمن بشيء، وبعضا من الشيوخ يجلسون أمام منازلهم أملا في غد أفضل، وأطفال تجدهم يركضون هنا وهناك بأسمال بالية.
أول ما لاحظناه ونحن نتجول بدوار «أولاد بوجمعة» هو غياب الماء الصالح للشرب بالمنازل، إذ تقوم النسوة بقطع مسافات طويلة على أرجلهن لجلب الماء من عين سيدي عبد الله أو من عين تاكعوشت، إذ تعد هاتان الأخيرتان مصدرا من مصادر المياه العذبة بالدوار، فهي بالنسبة للساكنة تصلح لجميع الاستعمالات من شرب وغسل للملابس وأيضا للاستحمام إن اقتضى الأمر ذلك.
تقول فاظمة 50 سنة، ربة بيت، «منذ سنوات ونحن نقطع يوميا مسافات طويلة لجلب الماء لمنازلنا في براميل بشكل يومي على الحمير أو على الأكتاف صعودا ونزولا طوال السنة، شتاء وصيفا»، مضيفة «حتى طاحوليا كتافي من ثقل لبرامل، عييت من لمشيا، رجلي كاملين تشقو ليا من كثرة طريق».
امرأة أخرى التقيناها مع فاظمة وهي واحدة من نساء الدوار، تحكي لنا بكل حسرة عن كيفية الحصول على 10 ليترات من الماء الشروب، وتردف قائلة: «راه عيينا من هاد شي. كل نهار غاديين جايين راه مبقات عندنا صحة لهاد شي» موجهة نداء استغاثة واستنجاد للمسؤولين، لربط دوارهم بشبكة الماء الصالح للشرب.
ليس الماء الصالح للشرب فقط هو المشكل الوحيد لدى الساكنة، بل تظل العديد من الأسر بلا كهرباء بسبب الافتقار إلى الإمكانيات، حيث لا يزال العديد من الناس يستعملون الشموع والقناديل رغم توفر الدوار على الأعمدة الكهربائية، هذا بالإضافة إلى انتشار البناء العشوائي وغياب البنية التحتية ، إذ لا يتوفر الدوار على أي طريق معبدة، وأكد العديد من السكان على معاناتهم اليومية من الإقصاء والتهميش والحرمان من أبسط حقوق العيش المتمثلة في انعدام الواد الحار، بحيث لايزال العديد منهم يقضون حاجاتهم في العراء والخلاء.
محمد 45 سنة، التقيناه أثناء جولتنا بالدوار حدثنا عن معاناتهم جراء العزلة والتهميش ويقول: «راحنا عايشين كما كتشوفو غير فدار ديال لحنية ومنين كتصب شتا كتقطر علينا وكنمرضو من هاد الوضع، الله غالب وحالتنا ضعيفة، وحتى إلى بغينا نبنيو شي بيت من لياجور والسيما السلطات كتمنعنا، وكنتمناو من المسؤولين يشوفو فحالتنا راها مكتعجبش».
وإلى أن يتحرك المسؤولون في هذا الدوار لإخراجه من عزلته، يبقى الحديث المتداول بين هذه الأسر التي لا حول لها ولا قوة، إلا اللجوء للخالق داعين أن ييسر الصعاب التي يواجهونها أمام صمت المسؤولين الذين يجهلون أوضاعهم من كثرة ما اشتكوا إليهم والوعود التي وافوهم بها.
قطاع فلاحي لكن..
تعتمد ساكنة دوار أولاد بوجمعة في عيشها بشكل كبير على مزاولة مهنة الفلاحة، فأغلب الرجال والشباب يعملون في حقول سهل «صبرا» القريب من الدوار وهي منطقة معروفة بزراعة الخضروات والفواكه والقطاني... فليس ثمة مورد رزق لهم غير العمل في الفلاحة للحصول على لقمة عيش لا تسمن ولكنها تغني من جوع.
الحقول القريبة من الدوار تعتمد في زراعتها على الجلبانة والفول والشعير والبرتقال والزيتون... وبالتالي لا يبقى لشباب ورجال الدوار في هذه الحالة إلا العمل في هذه الحقول، ومن لم يرق له هذا العمل يبحث في ورشات الميكانيك أو البناء والنجارة.
جل ساكنة الدوار تعيش على زراعة الجلبانة والفول أو جني الزيتون ولا شيء سواها، ففي هذه الأثناء أي (شهري أكتوبر ونونبر)، تبدأ عملية حرث هذه الزراعة التي تعد مصدر الدخل الوحيد لهذه الأسر في ظل غياب أي مورد آخر، لكن ما بين عملية الحرث والحصاد يعاني الفلاحون كثيرا طيلة السنة من ندرة الأمطار ولما تتطلبه هذه الزراعة من العناية الدائمة وخاصة «الجلبانة»، وفي هذا الصدد يقول عبد الله 56 سنة، فلاح «هادي حالتنا منذ عشرات السنين ولفلوس لي كنجمعهوم من خلال بيع المحصول قليلة مكتكفيش حتى باش دوز سكانير إلى مرضت»، مضيفا «الفلاحة هي عصب العيش هنا أي – الدوار– ولا يمكننا أن نعيش دونها».
أطفال بدون تعليم
ونحن نكمل جولتنا في دوار أولاد بوجمعة صادفنا أطفالا يقفزون ويتصايحون يتعاركون ويضحكون ويمرحون، حمير وماعز وخراف ودجاج وكلاب هنا في الدوار... الأطفال الصغار تجمهروا حولنا ونظراتهم كلها تساؤل وآمال طفولية بريئة، أغلبهم تركوا المدرسة إما طواعية أو بشكل اضطراري، لأن مستوى التعليم بالدوار»حدث ولا حرج» .
سألنا أحد الأطفال الذي وجدناه يلعب بالكرة أمام إحدى البنايات عن الدراسة ليجيب «أنا خرجت من لقرايا دابا عام حيت بابا معندوش باش يشري ليا لكتوبا».
هي عوامل أخرى تساهم في الهدر المدرسي لهؤلاء الأطفال الذين تجدهم لا يفعلون شيئا سوى اللعب والركض.
بعد المؤسسات التعليمية عن دوار أولاد بوجمعة يحتم على كل التلاميذ الذين يتجاوزون مستوى السادسة، الانتقال إلى المدينة من أجل استكمال الدراسة في الداخليات التابعة للمؤسسات التعليمية، فأغلب التلاميذ المنحدرين من أسر فقيرة يلجأون للداخلية، ومن لم يحظ بها يكون مصيره الانقطاع عن الدراسة، وبالتالي المساهمة في الرفع من نسبة الهدر المدرسي.
فريد ذو الثانية عشرة ربيعا، تلميذ، يرتدي سروالا أزرق وقميصا أبيض ويحمل في يده محفظة سوداء، يقول لنا: «أنا إلى معطاونيش الداخلية منقدش نكمل لقرايا ديالي حيت صعيب عليا نقطع كيلومترات في الشتا والبرد باش نوصل للمدرسة».
هذا بالإضافة إلى عامل آخر وهو اختيار آباء العديد من التلميذات وضع حد للمسار الدراسي لبناتهن عند مستوى السادسة ابتدائي، ومبررهم في ذلك بعض الأفكار المتجذرة في الموروث الثقافي الشعبي عن المرأة بصفة عامة.
في نفس الموضوع سألت إحدى فتيات الدوار عن عدم استكمال مسارها الدراسي بعد أن علمنا من أحد البقالة بأنها انقطعت عن الدراسة لتجيب بنبرة خافتة يرافقها حزن في عينيها «طلب مني الوالد ديالي نخرج ونتعلم حوايج لي تنفعني في المستقبل من طياب والخبز وغسيل لحوايج...»، مضيفة «يظن أن استكمالي لمشواري الدراسي لن يجدي نفعا، فالمرأة مستقبلها في الأخير حسب والدي هو الزواج، ولو كانت قاصرا لا تعرف معنى الزواج أصلا، كنت أريد أن أثبت ذاتي في التفوق واستكمال مشواري الدراسي لأدافع عن حق فتيات الدوار في التعلم والعيش في ظروف أحسن لأن حلمي كان هو أن أصبح محامية في المستقبل، لكن للأسف لم أتمكن من ذلك»، مستطردة في قولها «بزاف ديال لبنات في دوار مكيعرفو لا يكتبو ولا يقراو « .
تلميذ آخر سألناه عما إذا كان لايزال يتابع دراسته فأجاب «نعم في التاسعة إعدادي»، غير أنه لم يستفد من الإقامة بالداخلية وضمان المأكل والمشرب والمبيت، يقول لنا «أنا ولفت كنتمشى مسافات طويلة بعدما خاب الأمل ديالي في الاستفادة من الداخلية، لكن التلاميذ جداد كيعانيو مساكن وكيصعاب عليهم يتأقلموا مع الوضع وخاصة في الشتا حيت كيكون البرد بزاف».
إنها كلمات تدمي القلب، إنها المعاناة التي تجعل العديد من التلاميذ يختارون مغادرة المدرسة في سن مبكرة، وتتلاشى أحلامهم لتصبح سرابا يتبخر في الجو معلنا عن سحابة سوداء داكنة حزنا على الوضع.
وعود الانتخابات
في فترة الانتخابات وحدها يرى سكان هذا الدوار وجوه المرشحين للجماعة أو الدائرة الانتخابية الذين يريدون تمثيلهم فيها، يقول هشام، 25 سنة تاجر «راحنا عارفين مسبقا بأن هاد المرشحين ميديرو والو للدوار غادي يزيدوه تهميش فتهميش، وكنشوفو وجوهم غير مين كتقرب الانتخابات تلقاهوم كيدقو في لبيبان ديال ساكنة دوار وكيقدمو الوعود الزائفة ديالهوم».
مباشرة بعد انتهاء هشام من حديثه كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف مساء، خيم وقتها على دوار «أولاد بوجمعة»، هدوء مسائي وظلام هبط بغتة، تركنا الدوار يتنفس الهدوء، دوار لا يشي بالفرح بل تشوبه مسحة حزن وسط كآبة الأسر المتذمرة من الوضع، لتبقى روح التحدي موجودة بين الساكنة.
إنهم نموذج فقط لمغاربة اضطروا أن يعيشوا حياة العزلة والتهميش والفقر والنسيان والحرمان من أبسط شروط الحياة، ليظل أملهم وروح تحديهم للصعاب في غد أفضل، على الرغم من إكراهات الزمن المتعددة والمعاناة التي يعيشونها، يحرصون ألا يجعلوا الأمور تبدو صعبة أكثر مما هي عليه بعدما أصاب أجسادهم الوهن، لكن بصيص الأمل يظل متقدا لديهم.
صحافي متدرب بمكتب وجدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.