في أعقاب الضربات العسكرية الإسرائيلية والأميركية على إيران خلال يونيو 2025، يُجمع تحليل الباحث الإيراني البارز، البروفيسور شهرام أكبرزاده، على أن الحرب لم تؤد إلى زعزعة استقرار النظام الإيراني، كما أمل البعض، بل على العكس تماما، عززت من موقع التيار المتشدد داخل بنية السلطة في طهران، وقلّصت من احتمالات العودة إلى طاولة المفاوضات النووية. في مقاله المنشور في موقع "المبادرات من أجل الحوار الدولي"، الذي يرأسه الدبلوماسي المغربي جمال بن عمر، تحت عنوان "حرب إسرائيل-إيران: ترسيخ النظام بدلا من تغييره"، يجادل أكبرزاده بأن النظام الإيراني خرج من هذه الأزمة أكثر توحدا وعدائية تجاه الغرب، وأن الخطاب المتشدد بات يمتلك اليد العليا في رسم السياسات الداخلية والخارجية للجمهورية الإسلامية.
الهجوم الإسرائيلي الذي بدأ في 12 يونيو، واستهدف منشآت نووية وعسكرية وقادة كبار في إيران، برره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوجود "تهديد وجودي" مصدره سعي طهران إلى امتلاك السلاح النووي. ورغم أن واشنطن نأت بنفسها بداية عن الضربة، فإنها سرعان ما انضمت إليها، حيث أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 23 يونيو بشن غارات على ثلاث منشآت نووية إيرانية، تلتها في غضون 24 ساعة ضربة إيرانية على قاعدة "العديد" في قطر التابعة للقيادة المركزية الأميركية، بعد تنبيه مسبق لتقليل الخسائر البشرية. هذا التسلسل الدرامي للأحداث، بحسب أكبرزاده، خلق ارتباكا في الموقف الأميركي، خصوصا وأن ترامب كان قد وعد في حملته الانتخابية بإخراج بلاده من حروب الشرق الأوسط. غير أن ما جرى أثبت العكس، بل ودفعه إلى مطالبة القيادة الإيرانية بالتنحي و"إعادة إيران عظيمة من جديد"، قبل أن يعلن وقفا لإطلاق النار مع إسرائيل. ويصف أكبرزاده هذه الهدنة بأنها "فرصة لطهران لإنهاء الحرب دون قبول الاستسلام غير المشروط"، وهو ما سمح لها بالادعاء بالنصر الرمزي، دون الخضوع فعليا. لكن النتيجة الأهم للحرب لم تكن على المستوى العسكري، بل في ما أسماه أكبرزاده "ترسيخ موقف الحرس الثوري والمحافظين"، الذين طالما انتقدوا التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورأوا في المفاوضات النووية "سذاجة قاتلة". البرلمان الإيراني سارع إلى تبني قانون يقضي بإنهاء التعاون مع الوكالة وطرد مفتشيها، ما يشير إلى تحول عميق في مقاربة إيران للملف النووي. هذا الانقلاب على مسار الدبلوماسية، وفق المقال، تغذيه رواية ترى في التقرير الأخير للوكالة الدولية ذريعة للهجوم الإسرائيلي، ما أفقدها أي مصداقية في نظر النظام. وقال أكبرزاده إلى إن إدارة ترامب، التي كانت قد انسحبت من الاتفاق النووي لعام 2015 وفرضت حملة "الضغط الأقصى"، تتحمل مسؤولية تدمير الثقة المتبادلة. فقد وصف الكاتب ترامب بأنه "رئيس غير موثوق"، وأن "تبدله في المطالب" أثناء محاولات استئناف المحادثات، من منع التسلح النووي إلى حظر تخصيب اليورانيوم كليا، أثار شكوك الإيرانيين، خصوصا حين دعم الضربة الإسرائيلية ثم أمر بتدخل مباشر. أما النتيجة، كما يراها المقال، هي أن طهران لن تكون راغبة في العودة إلى طاولة الحوار في المستقبل القريب. الحرب التي امتدت لأثني عشر يوما، من 12 إلى 24 يونيو، صبت عمليا في مصلحة المتشددين، الذين باتوا يجاهرون بأن امتلاك السلاح النووي هو الردع الحقيقي الوحيد. ويُذكّر الكاتب بأن إيران لطالما استثمرت في "عقيدة الدفاع المتقدم" من خلال دعم حلفاء مثل حزب الله وحماس والحوثيين والمليشيات الشيعية في العراق. لكن الهزائم المتلاحقة لهذه الجماعات، لا سيما بعد حرب غزة 2023 وسقوط نظام الأسد نهاية 2024 بيد تنظيم "هيئة تحرير الشام"، جعلت طهران تعيد تقييم جدوى هذا النهج. وقد قال أكبرزاده بوضوح: "الانهيارات السريعة التي تعرض لها محور المقاومة أفقدت إيران أدوات الردع غير النووية". في السياق ذاته، يشير المقال إلى أن النماذج الدولية أصبحت حاضرة بقوة في ذهن صناع القرار الإيرانيين، حيث يَحْذُون حذو كوريا الشمالية التي تحصنت نوويا ضد أي تدخل خارجي، مقابل النموذج الليبي الذي فكك برنامجه النووي ليواجه مصير النظام. ما يعزز هذه المقارنة هو قناعة الإيرانيين بأن "الضغوط لا تؤدي إلى السلام بل إلى السقوط"، وهو منطق يستغلّه التيار المتشدد لحشد دعم داخلي واسع. أما داخليا، فإن تداعيات الحرب لم تقتصر على السياسة الخارجية، بل تنذر بمزيد من التضييق على المجتمع المدني. يتوقع البروفيسور أكبرزاده أن "تصاعد نفوذ المتشددين سيؤدي إلى قمع أكبر للحريات". ويعيد إلى الأذهان القمع الدموي لاحتجاجات 2022-2023 التي رفعت شعار "المرأة، الحياة، الحرية"، والذي جسّد أزمة الشرعية المتفاقمة في الجمهورية الإسلامية. ورغم أن النظام أخمد المظاهرات، إلا أن "الهوة بينه وبين الشعب لا تزال قائمة"، بحسب المقال. النظام، الذي يشعر بأنه محاصر من الداخل والخارج، يميل إلى "شيطنة" النشطاء المدنيين واتهامهم بالعمالة للغرب، في تبرير جديد للقمع المستمر. ومن بين أكثر ما يكشف موقف النظام من الداخل الإيراني، الاقتباس اللافت لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الذي دعا الإيرانيين إلى "تحرير أنفسهم من نير النظام الإسلامي"، وهو ما رد عليه النظام بمزيد من التجنيد لفكرة "المقاومة ضد الاستكبار العالمي". ويرى أكبرزاده أن الحرب، وإن أشعلت الرغبة لدى واشنطن وتل أبيب في التغيير، فقد كانت "هدية غير مقصودة" للنظام الإيراني، الذي أعاد صياغة خطابه الداخلي والخارجي حول فكرة التحدي والثبات، وهي رواية تكتسب زخما شعبويا في أوقات الأزمات.