موانئ المغرب تحظى بإشادة إسبانية    بوصوف: رؤية الملك محمد السادس للسياسة الإفريقية تنشد التكامل والتنمية    جريمة "قتل سيسيه" تنبه الفرنسيين إلى ارتفاع منسوب الكراهية ضد المسلمين    وهبي: جاهزون لمباراة سيراليون .. ونركز على الفوز بلقب كأس إفريقيا    رغم دخوله بديلا.. دياز يتفوق على غولر في تقييم الكلاسيكو    البارصا يكرس التفوق على ريال مدريد    إيغامان يساهم في فوز عريض لرينجرز    الدرك يُطيح بمروجَين للمخدرات الصلبة بضواحي العرائش    وفاة غامضة بسجن العرائش.. ومندوبية السجون ترد بغضب    عيدي يوثق الحضور المغربي بأمريكا    مجلس ‬المنافسة ‬يكشف ‬تلاعبا ‬في ‬أسعار ‬السردين ‬الصناعي ‬    شبهات في صناعة قوارب الصيد التقليدي بمدينة العرائش: زيادات في المقاسات وتجاوزات قانونية تحت غطاء "باك صاحبي"!    الجمعية المغربية لحماية المال العام تتقدم بشكاية في قضية محطة "العزوزية" الطرقية بمراكش    الحكومة الفرنسية: العلاقات مع الجزائر "مجمدة تماما" وقد نجري عقوبات جديدة    الفيلم التركي "قصب" يتوج بالجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم بالحسيمة    تاراغونا- كتالونيا مهرجان المغرب جسر لتعزيز الروابط الثقافية بين المملكتين بحضور السفيرة السيدة كريمة بنيعيش    سبتة.. إحباط محاولة تهريب أزيد من 11 ألف قرص مهلوس نحو المغرب    الوساطة السعودية تنجح في وقف التصعيد الباكستاني الهندي    الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو في الأقاليم الجنوبية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    "فاموس تطوان والفوز بداية البقاء".. البرلماني الطوب يدعم المغرب التطواني قبل مواجهة السوالم    خطأ غامض يُفعّل زلاجات طائرة لارام.. وتكلفة إعادتها لوضعها الطبيعي قد تتجاوز 30 مليون سنتيم    جمعية الشعلة تنظم ورشات تفاعلية للاستعداد للامتحانات    البابا ليون الرابع عشر يحث على وقف الحرب في غزة ويدعو إلى "سلام عادل ودائم" بأوكرانيا    مراكش تحتضن أول مؤتمر وطني للحوامض بالمغرب من 13 إلى 15 ماي 2025    المحامي أشكور يعانق السياسة مجددا من بوابة حزب الاستقلال ويخلط الأوراق الانتخابية بمرتيل    نجم هوليوود غاري دوردان يقع في حب المغرب خلال تصوير فيلمه الجديد    الحزب الشعبي في مليلية يهاجم مشروع محطة تحلية المياه في المغرب للتستر على فشله    مشروع النفق البحري بين المغرب وإسبانيا يعود إلى الواجهة بميزانية أقل    سعر الدرهم يرتفع أمام الأورو والدولار.. واحتياطيات المغرب تقفز إلى أزيد من 400 مليار درهم    شراكات استراتيجية مغربية صينية لتعزيز التعاون الصناعي والمالي    إسرائيل تستعيد رفات جندي من سوريا    انهيار "عمارة فاس".. مطالب برلمانية لوزير الداخلية بإحصائيات وإجراءات عاجلة بشأن المباني الآيلة للسقوط    الصحراء المغربية تلهم مصممي "أسبوع القفطان 2025" في نسخته الفضية    "سكرات" تتوّج بالجائزة الكبرى في المهرجان الوطني لجائزة محمد الجم لمسرح الشباب    ميسي يتلقى أسوأ هزيمة له في مسيرته الأميركية    شاهد.. سائحات يطلبن من لامين يامال أن يلتقط لهن صورة دون أن يعرفن من يكون    مزور: الكفاءات المغربية عماد السيادة الصناعية ومستقبل واعد للصناعة الوطنية    "الاتحاد" يتمسك بتلاوة ملتمس الرقابة لسحب الثقة من الحكومة    الصحراء المغربية.. الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو    القاهرة.. تتويج المغرب بلقب "أفضل بلد في إفريقا" في كرة المضرب للسنة السابعة على التوالي    زيلينسكي: روسيا تدرس إنهاء الحرب    تحريك السراب بأيادي بعض العرب    سلا تحتضن الدورة الأولى من مهرجان فن الشارع " حيطان"    زلزال بقوة 4,7 درجات يضرب جنوب البيرو    في بهاء الوطن… الأمن يزهر    موريتانيا ترغب في الاستفادة من تجربة المغرب في التكوين المهني (وزير)    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفكير العروي في الدولة 5 : الدولة السلطانية وطوبى الخلافة

يبدو عبد الله العروي المفكر المغربي المعاصر، من أهم المثقفين الدارسين لمفهوم الدولة، فقد تناول هذه المسألة بكل تفرّعاتها، في سياق مشروعه لرفع العرب إلى مستوى الحداثة، وخصص لها حلقة من سلسلة كتبه عن (المفاهيم)، في إطار بحثه عن اندماج العرب في الحداثة أو العصر. فقبل كتابه (مفهوم الدولة) كان قد تعرض لها في (مفهوم الحرية). ولم يكن موضوع الدولة بعيداً جداً عن أبحاثه كلها، التي كانت مسكونة بالهموم السياسية رغم ما تحمله من تأمّلات عميقة، ومن دقّة المفاهيم، وكثافة الأفكار وشمولها، فمنذ أن أصدر كتابه الهام (الأيديولوجية العربية المعاصرة 1967)و(أزمة المثقفين العرب 1970)، وبالعربية (العرب والفكر التاريخي1973)، غدا جلياً لقرائه أنهم بصدد خطاب جديد كل الجِدّة، بما يحمل من رهانات فكرية وتماسك ورصانة، وأثارت تلك المؤلفات الافتتاحية في تكاملها وتناسقها خطاباً حداثياً متماسكاً وغنيّا بالدلالات، وسجّل العروي بها حضوراً ملموساً في ميدان الثقافة العربية، إلى أن صار معلماً من معالمها.
من الناحية العملية، فرغم أحلام الفقيه بطوبى الخلافة، فإنه يبقي محافظاً على تعايشه مع سلطة الملك القائمة ومعترفاً بشرعيتها وإن كانت منقوصة، ويستشهد بموقف الإمام الغزالي في (إحياء علوم الدين) حيث يقول»إننا نراعي الصفات والشروط في السلاطين تشوفاً إلى مزايا المصالح، ولو قضينا ببطلان الولايات الآن لبطلت المصالح رأساً، فكيف يفوت رأس المال في طلب الربح» ويعلق العروي على موقف الغزالي وحججه بالقول : «هذا تعليل واضح لضرورة التكيف مع الواقع «. إذ أن «الطبيعة الإنسانية لا تتحمل النظام الأسمى، أي الخلافة، والوعي بهذه النقطة الأساسية هو الذي دفع الفقهاء إلى إهمال مسألة الخلافة»(17).
فالوعي بصعوبة استرجاع الخلافة بنموذجها الراشدي دفع الفقهاء إلى التخلي عن إحيائها، وتقليص متطلباتهم، ويعرض العروي لهذ التقهقر التدريجي في متطلبات الفقيه، من الغزالي إلى ابن تيمة ثم إلى ابن القيم الجوزية ومنه إلى ابن فرحون، أول ما يلفت نظر العروي في ابن تيمية، هو أنه لا يتكلم عن الخلافة بقدر ما يهتم بتطبيق الشرع وحسب، يعني بالدولة الإسلامية دولة الشرع وحسب، فغدا الفقيه يتكلم عن الشريعة كثيراً وقليلاً عن الخلافة، ومع توالي الأحقاب لجأ إلى نوع من اللاأدرية تدل على حرج الموقف، وهو قد تجلى في موقف ابن القيم الجوزية الذي ساوى بين الشريعة والعدالة، إذ قال «إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور..فليست عن الشريعة». ثم انتقل الوضع إلى حالة عبر عنها ابن فرحون، وهي حالة بات يتعذر فيها تطبيق السياسية الشرعية، فيضطر الفقيه إلى الاعتدال فيقلل من التذكير بالقواعد الشرعية، فيذكر العروي كيف في هذا الحال يصبح الشرع، من منظور المتأخرين، مرادفاً للعدل والقانون، وعلى هذا فإن ابن فرحون، وتماشياً مع الحال الجديد قد قال «السياسات نوعان : سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها، وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم وتدفع الكثير من المظالم وتردع أهل المفاسد، ويتوصل بها إلى المقاصد الشرعية، فالشريعة توجب المصير إليها والاعتداد في إظهار الحق عليها وهي باب واسع تضل فيه الإفهام وتزل فيه الأقدام، وإهماله يضيع الحقوق...والتوسع فيه يفتح أبواب المظالم». ويعقِّب العروي على هذا التحول في المواقف من الخلافة ثم من الشريعة والتخفف المضطرد من تبعاتهما، بالقول «والواقع هو أن تطبيق الشرع حرفياً صعب. وحتى في حال التطبيق لا يكون النظام الناجم عن ذلك خلافة.إذ إن ما يفصل الخلافة عن الملك، برأي الفقهاء الضمني، هو أن الخلافة الحقة لا تطبق الشرع فقط، بل تطبق الشرع لتحقيق المقاصد، التي هي مكارم الأخلاق.»الخلافة هي الحكم الذي يهدف من وراء تحقيق المصلحة الدنيوية الوصول إلى مقصد الشريعة. إلى ما بسميه الفقهاء وغيرهم مكارم الأخلاق. فلا يكون الحكم خلافة إلاَّ إذا نظر إلى ذاته كأداة في خدمة هدف أعلى، تحت ظل الملك تخدم الشريعة أهدف الدولة، وتحت ظل الخلافة تخدم الدولة أهدف الشريعة»(18).
يحلل العروي الموقف السيكولوجي والعملي السياسي للفقيه تجاه الخلافة التي غدت لديه كطوبى لأن تحققها بات يحتاج، بنظره، إلى معجزة، وتجاه الملك أو السلطنة أيضاً كأمر واقع صلب فرض نفسه عليه، واستخلص منه نوعاً من الإقرار بشرعيته. وهو لذلك يلخص موقف الفقيه من تحول الخلافة إلى ملك بقوله «من الشطط أن لا نرى في موقف الفقهاء سوى الخضوع للواقع الإنساني. إن واقعيتهم تتأصل في طوبى دفينة : بما أن الخلافة تستلزم أن يصبح الإنسان غير الإنسان، فلا بدّ من العيش في انتظار المعجزة، داخل دولة شرعية - أي دولة تطبق الشريعة...فطوبى الفقهاء تخاطب الإنسانية قاطبة وتتجاوب مع جميع الطوبيات السابقة واللاحقة»(19).
يسجل العروي أنه في مقابل موقف الفقه الممزق بين التعلق بطوبى الخلافة والمستكين للسلطان القائم، توجد واقعية المؤرخ – الأديب : ينظر المؤرخون والأدباء إلى السياسة والحكم نظرة مخالفة لنظرة الفقهاء. يتفق الجميع على ضرورة معايشة الواقع، لكن الفقهاء وحدهم متعلقون بطوبى الخلافة. إن الآداب السلطانية التي تؤلف جزءاً كبيراً من التأليف العربي الإسلامي منذ أواسط القرن الثالث الهجري تختلف في محتواها وأهدافها. يستدل الجميع بالقرآن والحديث، «بيد أن هناك ظاهرة تميّز كتب الآداب السلطانية وهي وفرة الاستشهاد بحوادث تاريخ الفرس وأقوال حكماء اليونان. إن الفقهاء لا يعادلون أبداً بين الشرع والعدل الإنساني لأنّ السنة أعلى من ناموس العقل، في حين أن مؤلفي الآداب لا يكادون يميزون بين شرع النبي وعدل أنوشروان وعقل سقراط»(20)، بينما يغرق الفيلسوف المسلم في طوبى المدينة الفاضلة ولا يعبر عن سياسة فعلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.