في إطار برنامج معرض الكتاب بالدارالبيضاء المنظم من طرف الجمعية البيضاوية للكتبيين وكلية الآداب بنمسيك، شهد يوم الخميس 21 أبريل 2011 تقديم الأستاذ حسن برما لمؤلفي الكاتب والصحفي عبد الرزاق معنى السنوسي «مسارات مائة شخصية فاعلة في تاريخ المغرب من القرن 19 إلى 21» و «نصف قرن من مصارعة النمرة مواجهة ساخنة بين السلطة والصحافة الاتحادية». في البدء، استهل الأديب والقاص حسن برما حديثه بالتأكيد على سعادته بلقاء أحبة الحرف والتواجد معهم في هذا الفضاء المفتوح من ساحة السراغنة / ساحة الفداء الواقع والرمز، وخارج خيمة النشاط، كانت قطرات المطر تلمع وتعاكس شمس أبريل الكاذبة، وبهذا الفرح السخي الممزوج بحنين الطفولة، ثمن مبادرة كتبيي البيضاء وكلية الآداب بنمسيك التي تسعى لتقريب الكتاب الثقافي من جمهوره المفترض، وفي معرض حديثه عن كتاب «نصف قرن من مصارعة النمرة» الذي تشرف بإنجاز تقديم له ، أشار إلى كونه قد عايش رفقة الكاتب آلام المخاض وأهم مراحل إنجاز هذه الوثيقة الهامة وانتقالها من حلم مشروع إلى شهادة أمينة ترصد أحد أوجه الصراع الأبدي و بين من يهابها. وفي التقديم المعنون ب «في البال صحافة يسار اتحادية» ، كشف الكاتب حسن برما سر تشجيعه وتعطشه لمثل هذا الصنف من المؤلفات، ذلك أن نصف قرن من الصحافة الاتحادية واليسار على وجه العموم هو قصة تاريخ وحكاية اعتراف صريح لبلد يرغب في التصالح مع ماضيه والانطلاق مطمئن البال لبناء مستقبل ممكن . . في هذه القصة الواقعية جدا، نقرأ مسار حلم نبيل تشبع بقيم الحرية والمساواة في عشق الوطن والوفاء له تاريخا وإنسانا وحضارة. وفي عمق الصورة، صراع مراحل وظلمة وسفك دماء غير مبرر، وأسماء نادرة وطيور حرة حلمت وآمنت وكتبت واجهت آلات الاستبداد والمحاكمات والاغتيالات، في سبيل «الحرية» كفكرة واقعية جدا، خلقت عناوين ومنابر عديدة كاشفة لحجم الجرح والحلم بوطن يتسع ويحضن الجميع .. مقاومون ، رجال سياسة، مثقفون، مبدعون ومتعطفون أخلصوا لشرف القلم ومهنة المتاعب، وعن سبق إصرار وترصد، أثثوا ذاكرة أجيال مغربية متعاقبة سمحت لها بامتلاك رؤية معينة للعالم دعائمها الإيمان بمبادئ العدالة والكرامة وبقية شروط الحداثة الواجبة. مسار الصحافة الاتحادية إذن كتاب مفتوح يدون لتجربة اليسار الرائدة في الإعلام المغربي، وهو شهادة أمنية من مؤلف عايش العديد من رموز الوازنة التي أسست مدرسة متميزة تحترم خطها التحريري وتعمل من أجل تحديث وتحرير «العقل» المغربي والعربي من ترسبات زمن الظلمة والسيبة والاستبلاد. وقد أدت ثمن الالتزام عاليا من عمر أسماء وأقلام أخلصت في اقتناعها بصواب الموقع والاختيار والاستعباد اللازم لمواجهة طغاة ورموز الوضع الفاسد.. وفي الخبر والتحليل والتعليق في الموقف والإبداع والمواجهة . . لم يكن هاجس الأقلام التي تعاملت مع عناوين اليسار هو الإثراء والمشي فوق جماجم الشهداء، بل ظل الحلم بوطن حر يتساوى فيه مواطنون يعملون من أجل حياة كريمة تستحق أن تعاش، بكل تأكيد، أسمى معاني الوجود وآيات المواطنة الحقة. ومن سوء حظ الصحافة الحرة الملتزمة وقدرها المحتوم في كل بقاع المعمور، أنها تواجه دائما أخطبوط الرقابة والخنق والاضطهاد، وتصادف كالعادة أعداء حقيقيين ووهميين لا هم لهم سوى تكرار المحاولات لإسكات منابر الكلمة المشاغبة والقلم الفضاح، وفي هذا الكتاب / الوثيقة نرحل عبر محطات تاريخية دالة في زمن المغرب المعاصر، وتعيش طويلة تنوعت في التوقيت وتوحدت في رصد مظاهر الصراع بين قيم الوفاء للوطن وتغليب المصلحة العامة وبين نزعات الاحتكار والإقصاء. بينما انشغل المؤلف في الكتاب الثاني «مسارات» بعرض سير مجموعة من الوجوه و الأسماء الوازنة التي بصمت - بشكل أو بآخر - مسار التاريخ المغربي المعاصر، وهي أسماء لها حضورها الأكيد رغم أن الإعلام العمومي والأقلام المنحازة لثقافة الحكومات «القديمة» عملت جهد مستطاعها على إقصاء كل الفعاليات والتعتيم على مساهماتها النبيلة في بلورة تصور حداثي معاصر يتماشى وطبيعة المرحلة التاريخية بصراعاتها وإشكالاتها المعلومة. ولعل موضوع التأمل والتحليل المثير للاهتمام يتجلى في كون أغلب الأسماء الواردة بين دفتي الكتاب هي لشباب و شابات - آنذاك - آمنوا بالفعل الثقافي والسياسي وانخرطوا في صفوف الحركة الوطنية المغربية دفاعا عن حرية وكرامة الوطن، وبذلك شكلت تضحياتهم الجليلة نقط ضوء، بل منارات مرشدة خالدة أسهمت في تحرير البلاد والعقول من براثن الاحتلال والجهل والظلامية، وبالتالي نجحت في تربية الأجيال الصاعدة على جب الوطن والاقتناع بمبادئ المقاومة والنزوع الدائم نحو قيم التضحية والمواطنة الفاعلة. وقد ظل هاجس المؤلف وديدنه التعريف بالطاقات الجبارة التي أصبح بعضها غير معروف لدى شريحة واسعة من مغاربة الوقت الحالي، وبالتالي جاور الفقيه السياسي والمثقف والأديب والمناضل الحزبي.