أكد عبد الصمد مطيع، الأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، اليوم الجمعة بالداخلة، أن العلاقة بين صحافة الجودة والتربية على الإعلام في العصر الرقمي تتجاوز مفهوم التكامل، لتجسد "علاقة اعتماد متبادل تضمن بناء فضاء معلوماتي مرن، ومجتمعا واعيا قادرا على التفكير النقدي والمشاركة الفعالة". وأوضح مطيع، في عرض علمي قدمه تحت عنوان "صحافة الجودة والتربية على الإعلام في العصر الرقمي: سؤال المفهوم والعلاقة"، خلال ندوة دولية ينظمها المجلس الوطني للصحافة على مدى يومين بالداخلة، حول موضوع "التكامل بين صحافة الجودة والتربية على الإعلام"، أن التحول الجذري الذي شهدته منظومة الإعلام بفعل الثورة الرقمية، وما أفرزه من تحديات ترتبط بموثوقية المحتوى وانتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة، يستدعي تعزيز مفهومي صحافة الجودة والتربية الإعلامية، باعتبارهما ركيزتين أساسيتين لضمان سلامة البيئة المعلوماتية وتعزيز الفهم النقدي لدى الجمهور. وشدد مطيع على أن صحافة الجودة لا يمكن أن تزدهر في بيئة يفتقر فيها الجمهور للمهارات اللازمة للتمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة، وبالمثل، لن يكون للتربية الإعلامية جدوى كبيرة إذا لم يكن هناك محتوى إعلامي عالي الجودة يمكن للجمهور تحليله وتقييمه، مبرزا أن التربية الإعلامية تعزز من ثقة الجمهور من خلال تعليم الأفراد كيفية تقييم مصداقية المصادر وفهم قيمة الصحافة الأصيلة، فيما تساهم صحافة الجودة في بناء هذه الثقة عبر الالتزام بالمعايير المهنية. وأضاف أن هذا الترابط الوثيق يتطلب جهودا مشتركة من الصحفيين، والمربين، والحكومات، ومنظمات المجتمع المدني، من أجل تعزيز الوعي بأهمية كل من صحافة الجودة والتربية الإعلامية، كضمانة أساسية للحفاظ على فضاء معلوماتي صحي ومجتمع ديمقراطي. واعتبر مطيع أن صحافة الجودة، بمعاييرها الأصيلة والمطورة، تقدم المحتوى الضروري لفهم العالم، بينما تمكن التربية الإعلامية الأفراد من التعامل النقدي مع هذا المحتوى، والتمييز بين الحقيقة والتضليل، مشيرا إلى أن التربية الإعلامية تطورت من مفهوم وقائي بسيط إلى إطار شامل لتمكين الأفراد من التنقل بفعالية وأمان في المشهد الإعلامي المعقد والمتغير باستمرار، لتصبح مهارات ضرورية لكل فرد ليكون مواطنا رقميا واعيا ومسؤولا، قادرا على المساهمة في مجتمع المعرفة وتحدي المعلومات المضللة. وأكد أن بلوغ هذا الهدف يتطلب استراتيجيات شاملة ومستمرة لدمج التربية الإعلامية في الأنظمة التعليمية، ودعم المؤسسات الصحفية التي تلتزم بمعايير الجودة، وتشجيع الشراكات بين مختلف الفاعلين لتعزيز ثقافة إعلامية مسؤولة. وسجل المتحدث ذاته أن المفهوم المعاصر لصحافة الجودة لم يعد يقتصر على الالتزام بالمعايير التقليدية، بل بات يشمل أيضا التكيف المستمر مع التكنولوجيا، والتفكير النقدي في استخدامها، وبناء الثقة مع الجمهور في بيئة معلوماتية مشبعة بالتحديات، مشددا على أن "هذه معركة مستمرة ضد التضليل تستدعي من الصحفيين والمؤسسات الإعلامية الابتكار والحفاظ على جوهر المهنة في خدمة الصالح العام". ودعا مطيع إلى إعداد دليل للجودة يكون ملزما ومعتمدا من طرف المؤسسات الإعلامية، مع تطوير معايير جديدة تستند إلى مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار مختلف الجوانب التحريرية والتدبيرية. كما حث على ضرورة تشجيع وسائل الإعلام على الانخراط العملي في مجالات التربية الإعلامية والرقمية.