ارتفاع نفقات سيارات الدولة يثير تساؤلات حول أولويات الإنفاق العمومي    طقس حار في توقعات اليوم الخميس بالمغرب    إسبانيا تحقق في انتهاكات بقطاع غزة    مصادر: ميسي يمدد العقد مع ميامي    منتخب المغرب يتقدم في تصنيف الفيفا    أكثر من 200 مليون دراجة هوائية في الصين                الشابي: التعادل منطقي.. وسانتوس: كنا الأفضل    ميناء الناظور .. إحباط محاولة تهريب كمية قياسية من الأقراص المهلوسة    حرب الإبادة مستمرة | قصف مستشفيات وتفجير مدرعات مفخخة.. ونزوح جماعي نحو المجهول كأنه يوم القيامة    تخصيص أراضٍ جنوب المملكة لمشاريع الهيدروجين الأخضر بقيمة 319 مليار درهم    النصيري يقود فنربخشة للتعادل أمام ألانيا سبور في الدوري التركي    مراكش تعزز أسطولها ب158 حافلة صينية استعداداً ل"كان 2025"    تعيين البروفيسور مهدي الصوفي عميداً لكلية الطب والصيدلة بأكادير    عداؤو الأمن الوطني يتألقون في بطولة الشرطة العربية لسباق الضاحية ببغداد    تقرير: الأحزاب المغربية تفقد ثقة 91.5 في المائة من المغاربة وتُتهم بجعل المال والولاء طريقا للترقي داخلها    عمدة بينالمدينا الإسبانية يكرم شخصية مغربية تقديراً لنجاح مبادرات ثقافية    تاريخ جديد .. إسحاق ناظر يتوج بذهبية 1500 متر في بطولة العالم لألعاب القوى بطوكيو    المغرب يرفع العبء الضريبي عن المتقاعدين بحلول 2026    وزير الصحة يتفقد مشاريع صحية جديدة بالناظور والدريوش    بورصة الدار البيضاء تغلق تداولات الأربعاء بانخفاض المؤشرات        ميناء المضيق يحقق ارتفاعا قياسيا في مفرغات الصيد    أسطول الصمود .. "عقبات تقنية" تعرقل انطلاق سفينة مغربية نحو غزة        الاتحاد الاشتراكي يحذر من "تغول الذكاء الاصطناعي" في الانتخابات ويدعو إلى تنظيم استعماله    طائرة طبية تتدخل لنقل طفل مريض    بنفيكا البرتغالي يقيل مدربه برونو لاجي عقب الخسارة أمام قره باغ الأذربيجاني ويتجه لتعيين مورينيو    "حزب الكتاب" ينتقد أداء المستشفيات    الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني عنوان ندوة علمية لإحدى مدارس التعليم العتيق بدكالة    آلام الرقبة قد ترجع إلى اختلال وظيفي في المضغ    مهرجان الظاهرة الغيوانية في دورته الثالثة بالدار البيضاء    الموسيقى المغربية تتألق في حفل "أصوات من الديار" بواشنطن    "مجموعة العمل من أجل فلسطين": مخرجات القمة العربية الإسلامية شجعت إسرائيل على مواصلة العدوان    الاتحاد الأوروبي يقترح فرض عقوبات على إسرائيل بسبب الحرب على غزة    تحذير للمديرية العامة لأمن نظم المعلومات بوجود ثغرات في أنظمة إلكترونية    التوفيق يكشف حصيلة تأهيل المساجد المتضررة من زلزال الحوز    زخات رعدية مصحوبة بهبات رياح مرتقبة اليوم الأربعاء بعدد من مناطق المملكة (نشرة إنذارية)    "حين سقط القمر" رواية جديدة للكاتب والأديب المغربي محمد بوفتاس    هوليوود تودع أسطورة السينما روبرت ريدفورد عن عمر يناهز 89 عاما    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    والي بنك المغرب يشدد على أهمية التعاون العربي في المجال النقدي        قهيوة مسائية بطنجة رفقة الفنان فؤاد الزبادي    السيارات الكهربائية: المغرب يحتضن أكبر مصنع للبطاريات        ألمانيا تقلق من فيروس "شيكونغونيا" في إيطاليا    إيران تؤكد إعدام "جاسوس لإسرائيل"    بوبريك: 24 مليون مستفيد من التغطية الصحية و4 ملايين أسرة تحصل على الدعم المباشر    خبير: قيادة المقاتلات تمثل أخطر مهنة في العالم    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    نور فيلالي تطل على جمهورها بأول كليب «يكذب، يهرب»    التغذية المدرسية.. بين إكراهات الإعداد المنزلي وتكاليف المطعمة    "المجلس العلمي" يثمن التوجيه الملكي    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطاهر بنجلون اللحمة الأخوية

كان أجدر أن يكون لكتاب الطاهر بنجلون « اللحمة الأخوية» عنوانا آخر هو «كتاب الصداقة». لأن الكتاب فعلا يتناول فكرة الصداقة استنادا إلى تجربة الكاتب من الطفولة حتى بلوغه سنا متقدما مكنه من تحديد الصداقة والنزول إلى عمقها الإنساني والفلسفي. ولا يخفى أن أمر «الصداقة» أخذ حيزا مهما من كبار الفلاسفة والمفكرين والادباء. وقد تفرق هذا الحيز بين ناف لوجود صديق وبين مثبت. وهنا نسوق مثلا قولة منسوبة إلى سقراط: « إن ظن أحد أن أمر الصداقة صغير، فالصغير من ظن ذلك». إذن، فتتبع القارئ لكتاب الطاهر بنجلون، الذي نقدمه اليوم، هو رحلة في كتاب مع واحدة من أكبر الإشكالات التي يفكر فيها الإنسان يوميا: الصديق الذي يطلق عليه المسلمون «الأخ في الله» كما في قول عبد الله بن المبارك: «وما أعياني شيء كما أعياني أني لا أجد أخا في الله». لقد وجد الطاهر بنجلون، هؤلاء الإخوان في الله، لكن أحوالهم عديدة، ووجوههم مختلفة. لكن العبء ، الذي وجده بنجلون طيلة حياته مع الأصدقاء، هو إيجاد القدرة على القيام بهم، ومراعاة مسألة قلة وجودهم، وكأن بنجلون رجع بعيد لذلك الذي أجاب قديما جدا عن سؤال: «كم لك من صديق؟» قائلا: « لا أدري، لأن الدنيا علي مقبلة، فكل من يلقاني يظهر الصداقة، وإنما أحصيهم إذا ولت».
«دائما حاضرة، دون أن تكون ثقيلة».
يجب أن تكون هذه هي عملة كل صداقة.
و أنا أعيد النظر في صداقاتي منذ الكتاب القرآني حتى هذا الربيع من سنة 1993، انتابني شعور بأنني قفزت على عدة مراحل، وأنني نسيت أشخاصا كانوا، في لحظة من اللحظات، حاضرين ثم اختفوا، بفعل صدف الحياة أكثر من قرار الاختفاء.
البعض يستعمل استعارة الدوائر لتصنيف أصدقائه.
في الدائرة الأولى، يكون العديد صغيرا. وفي الثانية، نضع أصدقاء القرب الزائل. المشكل هو أن الذين يعتقدون أنهم ينتمون إلى الدائرة الأولى يغتاظون عندما يعلمون أنهم أبعدوا شيئا ما.
هناك أيضا من نستطيع أن نبوح لهم بسر ما.
أفضل أن أجتنب أي تصنيف. يمكن ذلك أن يكون مغيظا، أو بكل بساطة غير عادل.
أتخيل سلسلة من العناوين أطلقها على أصدقاء مهمين، دون انتماء إلى النواة الصلبة:
الصديق المفكك: إنه الصديق المتقطع.ذاك الذي يظهر بين فينة و أخرى، ولا يمكن أن تعول عليه كثيرا. الحدس يتطلب معه الحذر، الذي لا يلغي لا الحرارة، ولا المتعة.
«روني.ب» هو طيلة الوقت مشغول بعمله. مهتم بالكتب، موجود طوال الوقت في المستودعات، والمعارض، أو داخل المحلات حيث يبيع الكتب المستعملة. من الصعب اللقاء به، من الأفضل انتظار ه حتى يظهر. لا يأتي أبدا بيدين فارغتين، كما لو أنه يبحث عن عذر لغيابه الطويل. إنه رجل رائع يوازن دائما بين الطابع المفكك بميزة حضوره النادر.
الصديق العابر: معه نسلي الوقت بلقاء- ندوة، مثلا-، أو زمنا تستغرقه رحلة. نعرف أن حظ اللقاء به مرة أخرى قليل، لكننا نعمل على أن يمر زمن اكتشافه في أحسن الأحوال. وعموما، نسجل غيابه، ثم ننساه؛ أو نفكر فيه دون الإحساس بالرغبة في رؤيته مجددا. ستكون لائحة هؤلاء الأصدقاء طويلة حتى نذكرها كاملة. البعض منهم يتعارف.
صديق الأحزان: ذاك الذي يرتبط اسمه بحدث مؤلم. نتبادل معه أحيانا نفس الحداد بدرجات مختلفة. أفكر في «كلود.س» الصديق المقرب من عثمان، والذي رافق مرضه إلى آخر المطاف. التقيته عن طريق هذا الحدث وأحببته. ربما سنلتقي مرة أخرى بفضل من ربط بيننا؟
«أثناء موت أحد الأصدقاء (...) إذا كان هناك ألم ما، فأنا من سيتلقاه، والحزن على شدته الخاصة ليس بحب أصدقائه، بل بحب ذواتنا». ( سيسرون).
الصديق المختفي: اختفى فوزي ستة أشهر، سنة، أو ربما سنتين، وسواء عبر الهاتف أو الرسائل، له دائما نفس التوقد.كنا في البداية مضطربين شيئا ما. لم أعرف كيف أتعامل معه. وما أن اختفى حتى قطع اتصالاته. فتركناه إذن يعبر صحراءه: نعرف أننا سنلقاه ذات يوم، منسجما مع نفسه، حيوي و أخوي.
تعلمت أنه لا ينبغي إزعاج هذه الأصناف من الأصدقاء، ولا الإلحاح عليهم أو انتقادهم. عندما تكون الصداقة مبنية على أسس صلبة تستطيع أن تقبل هذه الأقواس التي لا تعني النسيان أو الإهمال؛ فهي لا تهم إلا الشخص الذي يشعر بأنه في حاجة إليها.
«ج.-ب.ب.-ه» ينتمي إلى أولئك الذين يختفون ثم يظهرون حسب الظروف. هو شخصية صعبة ، معقدة ومحيرة. حدث عدة مرات أن اكتشفنا خلافاتنا، خصوصا في السياسة. تعلمت كيف لا أعطي أهمية كبيرة لتلك الخلافات. من الأفضل اجتناب الحديث عنها. لان جان-بيار هو ، خارج ذلك، شخص ممتاز، خدوم، صادق وله صراحة مباغتة. أدين له بلقائي الأول مع هيئة تحرير جريدة «لوموند». يستطيع هذا الرجل الصادق الوعد يمكن أن يمارس سلطة قاسية على أصدقائه. يحدث أن يخطئ. يعرف ذلك من تلقاء نفسه.
الصديق المعثور عليه: القدر أكثر قوة من الذاكرة. إنه هو من يقود نحو الماضي لإضاءة لحظة مظلمة في الحاضر.
القدر هو ما يأتينا في لحظة لم نكن ننتظره. نسميه القدر لأننا لا نعرف كيف نسمي هذه الغرابة التي تضربنا في القلب والروح. فنتذكر إذن صديقا بعيدا، أو أحدا لم ننسه بالضرورة لكننا تعودنا على اللقاء به. نتردد. ننزعج، ثم نتذكر مزايا الصديق المعني، كالكرم والصبر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.