كان بوسع المسحيين كذلك، لكي يتخلصوا من معاملتهم كعبيد، أن يقبلوا اعتناق الإسلام. وتقدم سرود الأسر بعض المعلومات عن هؤلاء المرتدين. وفي الغالب لا يكون ذلك بمحض إرادتهم، فقد كانت الوعود التي تقدم لهم من جهة، والمعاناة التي يكونون عرضة لها من جهة أخرى، هي ما يدفع بالأسرى، وخاصة الشباب منهم، إلى التنكر لدينهم. وكان طقس قصير يكفي لدخولهم الديانة الإسلامية. ولكن هؤلاء المرتدين، وبالرغم من الوعود المجزاة لهم، لا يحظون باحترام المؤمنين الصالحين الذين كانوا يظلون متشككين في حسن إسلامهم. وبالفعل فإن معظمهم لم يكونوا ينشدون سوى مصلحتهم الخاصة عبر هذه الوسيلة لأجل الخلاص مما يكابده إخوتهم في الدين. غير أن كونهم قد صاروا مسلمين، أو ظلوا على ديانتهم، لا يغيّر دائما من موقف السلطان تجاههم، ذلك أن سيفه يبقى مسلطا، تبعا لهواه ومزاجه، على رعاياه من المسلمين أو أسراه من الكفار، سواء بسواء. يقول لأحد الأسرى: «ادخل الإسلام أو أقتلك» وهو يفعل به ذلك إذا لم يستجب لأمره. ولكن إذا رضخ الأسير للأمر وتخلى عن مسيحيته فإن السلطان يقتله كذلك. ذلك أن الأسير في حالة اعتناقه الإسلام يصير بحكم الشريعة أحد رعاياه الذين يجوز له أن يعاملهم وفقا لمشيئته. ولذلك كان معظم الأسرى المسيحيين يفضلون التمسك بدينهم، وبهذه الطريقة كانوا يحافظون على حظهم في الحياة. يروي الأب بينو أن المولى إسماعيل التقى ذات يوم في حدائقه بأسيرين مسيحيين، وقد بدأ فورا بقرعهما بالعصا 300 مرّة بدعوى أنهما لا يعملان بالسرعة المطلوبة، ثم غرز حربته في صدر الأول قائلا له:»اعتنق الإسلام»، وبما أن رأس الحربة كان آخذا في التوغل في صدر الشقي فإنه صاح: «لقد أسلمت يا مولاي». وعند ذلك توجه السلطان إلى الأسير الآخر بنفس الأمر، ولكن هذا الأخير أجاب بشجاعة:»بل أريد أن أموت مسيحيا» وعند ذلك رمى المولى إسماعيل بحربته أرضا وهو يقول:»هذا الكلب يرغب في عذاب أبدي»، ومضى إلى حال سبيله. أما الأسيرات المسيحيات اللواتي يشتريهم المسلمون فقد كنّ مجبرات على الدوام على اعتناق إلى الإسلام. لأن الشريعة كانت تقتضي ذلك إذا ما أراد أحد المسلمين أن يتزوجهن. وعند ذلك كن يدخلن الحريم الذي يصير قبرا لهن. وفي مرة حصل أن إحداهن، وكانت من بين صغيرات السن، قد سلبت لبّ السلطان، ولكنها برغم كل التشجيعات والوعود المغرية التي أجزيت لها لم تقبل التنكر لدينها. وقد أمر السلطان بجلدها ووخزها بالحديد إلى درجة أنها انتهت إلى الخضوع لرغبته. وكانت بعض هؤلاء الأسيرات قد أنجبن أمراء شريفيين: فأم مولاي عبد الله كانت فيما يقال إنجليزية، وكانت أم مولاي الوليد إسبانية. أما الرجال من الأسرى الذين صاروا مسلمين فلم يكن بوسعهم التزوج سوى بنساء من أحط الطبقات، أي من زنجيات أو من بنات مرتدين آخرين.ولكن مقابل ذلك كان عليهم أن يفقدوا كل أمل في نيل الحرية، ذلك أنه لم يكن يُقبل افتداؤهم لأنه شطّب على أسمائهم من لائحة الأسرى المرشحين للافتداء. ويصير المغرب من الآن فصاعدا بلدهم، وكل محاولة للفرار كان يُعاقب عليها بالموت. وكان المرتدون عن دينهم يشكلون طبقة خاصة. وكثير منهم، وبصفة خاصة أولئك البحارة القدماء، كانوا يتحولون إلى قراصنة، وكانوا يصيرون أعداء أشداء للمسيحيين. البعض الآخر منهم كان يتحول إلى جنود يعملون أساسا في المدفعية. وكان منهم مَن يصير له شأن في هذا المضمار، ولكنهم يبقوا قلة. لم يكن هؤلاء الأسرى يمنعون أنفسهم، وهم يصفون آلامهم، من تقديم صورة عن السلطان الرهيب مولاي إسماعيل كما شاهدوه، بقساوته ودمويته، مرهوبا من الجميع، مسيحيين ومسلمين. كانت قساوة هذا الإمبراطور، الذي كان يبدل مع ذلك قصارى جهده للتشبّه بلويس الرابع عشر، تبدو غير قابلة للتصديق لولا أن جميع أعضاء البعثات والمكلّفين بمهام لم يكونوا يشهدون بها، كما توجد شهادات جديرة بالثقة ليس فحسب في الأدب الفرنسي للمرحلة، ولكن أيضا في الكتابات الإنجليزية، الإسبانية، والهولندية..إلخ وكما كتب أحد الشهود، فقد كان هذا الأمير المستبد يكبح وحشية رعاياه لكي يظهر بمظهر الكائن الأكثر وحشية من منهم جميعا. ويحكى أنه قد احتفل باعتلائه العرش ببعث عشرة آلاف رأس مجزوزة لرجال ونساء وأطفال من القبائل المتمردة لتعلّق على أسوار حواضره. ولكن الفظاعات التي كان يرتكبها أمام الأسرى هي التي أرعبتهم وحملتهم على تسجيلها في كتاباتهم.