يوم السبت العاشر من دجنبر الأخير رحل عنا الأستاذ المحامي احمد الشاوي الذي كان نقيبا لهيئة المحامين بالرباط في نهاية السبعينات وأصبح فيما بعد رئيسا على هيئة المحامين بالمغرب في بداية الثمانينات. الأستاذ أحمد الشاوي رحمه الله قضا تقريبا نصف قرن في هذه المهنة التي مارسها بما عرف عنه من نبل وسمو الأخلاق رغم أنه رحمه الله لم تكن في نيته أن يرتدي الجوبة السوداء. أتذكر أنني يوم السبت 11 نوفمبر 1961 زرته في مكتبه بوزارة الخارجية في لحظة كان يستعد فيها للتوجه إلى قصر دار السلام لحضور حفل زفاف المرحوم الأمير مولاي عبد الله وكان رحمه الله مكلفاً ذلك اليوم بالمداومة بالوزارة. آنذاك كان أحمد الشاوي على رأس الشؤون القنصلية بالخارجية وسألني: ماذا يحدث الآن؟ كنا نسير في مظاهرة حاشدة انطلقت من مقر الاتحاد في ساحة الزرقطوني ووصلنا إلى مقر السفارة الفرنسية بالرباط، المقر السابق للإقامة العامة الفرنسية بالمغرب المجاور للخارجية. كانت هذه المظاهرة تضامنا مع أحمد بن بلة وصحبُه من الزعماء الجزائريين، ضيوف محمد الخامس الذين حولت القوات الفرنسية بالجزائر طائرتهم «المغربية» وفرضت عليها النزول بمطار الجزائر العاصمة فاصبحوا أسرى باعتبارهم مسؤولين عن»الحرب بالجزائر». في فاتح نوفمبر1961 وبمناسبة الذكرى السابعة لاندلاع الثورة الجزائرية، قرر «الخمسة» الإضراب عن الطعام فأصبح بن بلة، بوضياف، خيضر، أيت أحمد ورابح بيطاط يواجهون خطر الموت جوعا ولهذا كان من رأي عبد الرحمان اليوسفي أن يقوم المغاربة والاتاحاديون على وجه الخصوص بما من شأنه أن يؤكد وحدة المصير بين المغاربة والجزائريين. رسالة اليوسفي التقطها الهاشمي بناني وعبد الفتاح سباطة رحمهما الله فكانت المظاهرة التي تزامنت مع عرس الأمير رحمه الله. الدليمي كان غائبا عن دار السلام لأن مهمته ذلك اليوم هي تتبع المظاهرة في عين المكان حيث كانت الجماهير تتزايد ولما وصل المتظاهرون إلى وزارة الخارجية جاءني شخص سأعرف فيما بعد بأن اسمه الدليمي وسألني: ماذا ستفعلون الآن؟ فكان جوابي أنا هنا صحفي أتتبع هذا الحدث لحساب جريدة التحرير فقال لي: «أنا أعرف ذلك ولهذا أسألك أنت». لأتخلص من هذا الشخص «الغريب» تركت المظاهرة واقتحمت وزارة الخارجية فإذا بي أمام الأخ أحمد الشاوي الذي وجه لي نفس السؤال طالبا مني أن أجلس لأستريح. وبعد ما استرحت أخبرته بما كان يجري ثم عدت إلى المظاهرة. كان متظاهرون يضرمون النار في العلم الفرنسي تضامنا مع بن بلة وصحبه ويمكن للقراء أن يعودوا إلى جريدة التحرير التي نشرت لي مراسلة من الرباط على صفحة كاملة. آنذاك كان أحمد الشاوي يحضر الاجتماعات المتوالية لنقابة موظفي وزارة الخارجية، اجتماعات أسفر الرأي السائد في مداولتها على قرار إضراب لدعم دفتر المطالب. أحمد الشاوي ربما كان الوحيد الذي عبر عن رأي شجاع في الاجتماعات النقابية «هذا الإضراب سوف لن يخدم قضيتنا كموظفين في الخارجية وباعتبارنا اتحاديين يجب أن يكون لنا بعد نظر في مثل هذه الظروف لكي تعود علينا قرارتنا بنتائج إيجابية على الصعيد النقابي والسياسي». وفي الأخير تم تنفيذ قرار الإضراب وكمناضل منضبط كان أحمد الشاوي من المضربين رغم ما عبر عنه من تحفظات. والحكاية معروفة، السلطة استغلت الإضراب لطرد المضربين من عملهم وكان المضربون أكثر من 90% من العاملين بالخارجية بل أن لائحة المطرودين شملت حتى من سبق أن التحقوا بالأخيرة. كان إضراب الخارجية في نهاية 1961، منذ نصف قرن معركة خسرها الاتحاديون وخسرها المغرب لأن الخارجية «تخلصت» من أحسن من كان للمغرب من كفاءات كأحمد الشاوي وأحمد الشرقاوي رحمهما الله. ظل مولاي أحمد الشرقاوي في منزله بسلا إلى أن احتاج الحسن الثاني سنة بعد إلى من يكتب تقريرا عن الوزير الأول البرماني «أونو» الذي زار بلادنا قادما من القاهرة، وآنذاك وبعدما توصل الملك بتقرير من مولاي أحمد الشرقاوي، أمر رحمه الله بأن يعود الموظفون إلى مناصبهم في وزارة الخارجية. عاد من عاد ولكن المرحوم أحمد الشاوي فضل أن يظل محاميا في مكتب الأستاذ «برينو» حيث كان ينتظره مستقبل زاهر في مهنة شريفة رحمه الله. عزاؤنا لزوجته السيدة كريمة القادري ولوالدها المجاهد أبو بكر القادري وإلى أبناءها أبو بكر، أنس ونوال وإلى أخواتها خالد القادري، فريد، صلاح، ناصر، رشيد، محمد، أسماء، سعاد وسلمى وإلى أخ الراحل وأخته وإلى كل الأصدقاء والأحباب وإنا لله وإنا إليه راجعون.