عندما انقض اثنان من عناصر الشرطة المصرية في يونيو 2010 بالإسكندرية على الشاب خالد سعيد لينهالا عليه بالضرب حتى الموت انتقاما منه بعد أن عمم على الانترنيت مقطع فيديو يفضح متاجرة رجال الشرطة في المخدرات، لم يكونا يدركان أنهما بصدد اشعال لهيب الغضب الشعبي الكامن والذي سيتحول بعد حوالي سبعة أشهر إلى ثورة عارمة أنهت حكم نظام مبارك الذي استمر ثلاثين سنة، وكان يعد العدة لاستمراره عبر ثوريت الحكم لابنه حسب الوصفة السورية سيئة الذكر. الثورات العربية التي اجتاحت أكثر من دولة ، كانت في حاجة فقط إلى شرارة لتنطلق كالنار في هشيم الدكتاتوريات، صفعة البوعزيزي في تونس، تقليم أظافر شبان في درعا السورية بعد أن كتبوا شعارات حائطية ضد بشار ... فبعد الضرب والتعذيب الوحشي الذي تعرض إليه خالد سعيد، الذي كان آنذاك في الثامنة والعشرين من عمره ، ورغم المحاولات غير المجدية التي قام بها نظام مبارك، بأجهزة إعلامه وأطبائه الشرعيين ومحاضره المفبركة لإخفاء معالم الجريمة، تحول خالد سعيد إلى رمز لوحشية النظام وأجهزته الأمنية التي كانت تنكل بالمواطنين في منأى من المساءلة ، فانطلقت المظاهرات والوقفات الاحتجاجية في الإسكندرية لتعم العديد من المدن المصرية، وهو ما دفع شبابا مصريين إلى إنشاء صفحة على الفيسبوك باسم « كلنا خالد سعيد»، سرعان ما انضم إليها عشرات الآلاف من المصريين، وأصبحت منتدى للتعبئة ضد نظام مبارك.. وبعد أن نجحت الثورة التونسية في الإطاحة بنظام بن علي، دعا رواد هذه الصفحة إلى الخروج في مظاهرات ضد نظام مبارك يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 ، والذي يصادف العيد الوطني للشرطة، ورغم أن الدعوة لاقت تجاوبا من قبل رواد الصفحة وتبنتها قوى أخرى مثل حركة 6 أبريل وغيرها إلا أن الداعين لمظاهرات 25 يناير لم يكونوا يتصورون أنها ستلاقي استجابة شعبية كاسحة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، فهؤلاء الشباب الثائرون لم يتصوروا في البداية أن المظاهرات التي دعوا إليها ستتحول إلى ثورة شعبية ضد نظام الحكم، وعوض أن يستوعب النظام وأجهزته المختلفة الدرس مما حدث في تونس، تم اللجوء إلى استعمال القوة المفرطة ضد المتظاهرين الذين سينجحون في احتلال ميدان التحرير ويحولونه إلى بؤرة للثورة الشعبية. فقبل بضعة أشهر من انطلاق الثورة، استهزأ جمال مبارك من صحفي شاب سأله عن إمكانية التحاور مع شباب الفيسبوك وحركة 6 أبريل، وفي رواية لوزير الإسكان السابق حسب الله الكفراوي في أوج الثورة، ذكر أنه بعث رسالة إلى مبارك في 2005 يطلب منه إزاحة رموز الفساد من حوله وإصلاح ما يمكن إصلاحه بسبب درجة الاحتقان السائدة في البلاد، فكان رد مبارك، الذي تكلف مدير مكتبه بإبلاغة إلى الكفراوي هو «البلد ممسوكة كويس»، فالنظام كان يعتقد أن أجهزته الأمنية كفيلة بقمع أي حركة احتجاج ضده، لكنه لم يضع نصب عينيه أبدا ولو مجرد احتمال واحد حدوث ثورة شعبية. يقول محمود سليمان عضو حركة «كلنا خالد سعيد» في حوار سابق مع موقع «إيلاف» : الآن يمكن لروح خالد سعيد أن ترقد هادئة، فقد أخذنا بثأره ممن قتلوه جميعاً، بمن فيهم كبيرهم وزير الداخلية حبيب العادلي، وكبير كبيرهم الرئيس حسني مبارك»، أما نادر شريف الناشط أيضا في حركة «كلنا خالد سعيد»، فاعتبر أن الطريقة الوحشية التي قتل بها خالد سعيد، والأسلوب القمعي الذي وجهت به الإحتجاجات المنددة بمقتله، و كذلك الدفاع المستميت من النظام الحاكم بكافة مؤسساته عن الجناة، تسبب في سخط الشعب المصري، وخاصة الشباب، وتولد حالة من الغضب الشديد ضد جهاز الشرطة و نظام الرئيس مبارك ككل»