منذ سنوات وسنوات ونحن ننهج سياسة النقد إلى الحد اللاذع، أحياناً، في حق الأعمال الرمضانية.. بعض الزملاء والمهتمين والفضوليين أخرجوا ما في جعبة قواميسهم لينزلوا طولاً وعرضاً على تفاهات ومهازل رمضان بعد الآخر... خلقنا عداوات بالمجّان وكراهيات بالتّقسيط، ويأتي الشهر الفضيل، مرة أخرى، ونعيد الكَرّة... وفي كل مرة، يقول لنا المسؤولون في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، بأنهم سيحملون المسؤولية على عاتقهم، ويلبسون الجدية والمعقولية ويستعدون للشهر المبارك منذ ثاني عيد... ونثق في وعودهم، علماً بأن الوعود لا تلزم إلا مَن يُصدِّقها وإن قالتها حَذَامِ.. هَرِمْنا... هرِمْنا وحرق البوزيدي نفسه معلناً بداية الربيع العربي، وكذبنا على أنفسنا الأمّارة بالسوء بأن الربيع التلفزيوني آتٍ ولا ريب فيه في هذا الشهر من هذا الحول... وفي هذا الشهر، لن نحول أعيننا إلى قنوات أخرى، لأن بلدانها اشتغلت بجمع الأموات وغسل الدماء والحديث عن الثورات... قالوا لنا إنهم يشتغلون في سرية كاملة وستكون المفاجآت... وأوهمونا بأننا في هذا الصيف سننسى الحرارة المفرطة بفضل ما سيقدمونه لنا من إبداعات وأعمال سيحسدنا عليها العرب الأشقاء من البحر إلى البحر... وهرمنا إلى أن دخل شهر شعبان لنعلم أن ممثلا كبيراً سقط أثناء التصوير جراء الضغط الزمني القاتل... وعلمنا أن مسلسلا تم توقيف تصويره لأن ممثلة مريضة لا تأكل جيداً، ولا وسيلة محترمة للنقل.... المخرج من جهة، والإنتاج من جهة ثانية: كلْها يلْغي بْلغاه... توقيع عريضة تواجهها الخرجات الإعلامية من الطرف المعاكِس... ممثلات وممثلون يقضون الساعات ليلا ونهاراً والنّفارُ قد هيأ مِزماره... ممثل يوجه النقد للمنتج لأنه لم يتحمل مسؤولياته كما ينبغي.... والمنتج يلوم المخرج لأنه يغير الممثلات حسب هواه وحيثما يشاء... وهذا طرد ممثلا لأنه طالب بمستحقاته ... وذاك الممثل الآخر يشتم يميناً وشمالا لأن التلفزيون همّشه «مع أنه جدير بالظهور لمحاربة الرداءة...» وآخر استغنى عن الرحلة إلى العمرة لا لشيء سوى لأنه لايزال في ساحة التصوير إلى أجل غير مسمى... وآخرون بعد أن اقترفوا أعمالا، يضعون الشيك في حساباتهم، ويتباكون عن عدم وجود السيناريوهات، وغياب كُتّاب السيناريو... ولا يعرفون أنها أصبحت لدينا بقدرة قادر خلية لكتابة السيناريوهات... نعم، خلايا بالمفهوم الذي تقصدون... ما شاء الله! دخل علينا سيدنا رمضان بأعمال عربية رائعة تُقدم بعضها قناة «ميدي تي ڤي» مشكورة، والبعض الآخر في قنوات أخرى تحترم المشاهدين الأوفياء... أما نحن... فالقضاء والقدر يُحثم علينا أن نعود في كل شهر رمضان ألف عام إلى الوراء... فيا دنيا إشهدي! إنّه ضحك كالبكاء... بكاميرا واضحة لم نقم بأي شيء، فما بالكم بالكاميرا الخفية التي تتعامل معنا ببلادة ليس لها نظير... لا فكرة... ولا خيال... ولا إبداع... و لا هم يضحكون؟! فقط نقيم عرساً ونؤدي الثمن باهضاً من جيوب المواطنين الذين يفكرون في «البوطاگاز»... أرجوكم! باللّه عليكم! لا تعيدوا على أسماعنا أسطوانة «نسبة المشاهدة» الكبيرة... فهذا الأمر لا يستقيم، ولا يريد تصديقه إلا أصحاب شركات الإنتاج لتبرير قلقها من قلق المشاهدين الغاضبين... مفهوم! المشاهدين السّاخطين، وقد كان سائق الطاكسي منهم وإليهم... «آش هاد التخربيق اللّي دايرينْ لينا عاود تاني؟» يا سادة! إذا كان هذا هو الإنتاج الوطني الذي يستحقه المغرب والمغاربة، فمن الأفضل أن تؤجلوه إلى حلقة مقبلة إن شاء الله!؟ كنا في الماضي، على الأقل، ننتقد الأعمال التي تقدم لنا قبل وأثناء وبعد الفطور، لكن مهزلة اليوم... لا تستحق النقد حتى... ولا تستحق التقييم حتى... بل تفرض الجهر بالصوت المرتفع بأن الكيل قد طفح، والسيل بلغ الزبى... بالطبع، لا نحمل التبعة للممثلين والممثلات، ولا نلوم حتى المتطفلين على الميدان التمثيلي هنا وهناك، شريطة أن يتقاضوا مستحقاتهم دون صراخ أو بكاء أو إعطاء الدروس عن ماهية الفن النبيل. من حقكم العمل في أعمال تافهة ولو... فنحن نتفهم بصدق ظروفكم وظروف عائلاتكم... لكن كلامكم عن عمل جميل نادر، استثنائي، رائع.. قد يفسد لودنا قضيتكم. انتهى الكلام. وهنا مبتدأ الخبر الذي هو ليس إلا علاقة التلفزيون بشركات الإنتاج يا عباد الله، لقد هرمنا من الثرثرة حول الموضوع، علاقة مفعمة بالغموض والسرية والانتظار... علاقة بعيدة عن الشفافية والوضوح، من يتعامل مع من؟ وكيف؟ ولماذا ؟ وماهي المعايير والمقاييس يا ناس؟ من يقترح الأعمال؟ من يقرأها؟ من يأخذ القرار، ومن يلتزم بها؟ وهل تتابع القنوات جميع مراحل التصوير إلى حقه في البث؟ ومن يضمن التعويضات لأهل التمثيل والتقنيين؟ ولماذا تتكرر نفس الوجوه في الإخراج والإنتاج؟ ومن يقبل هذا العمل ويرفض ذاك؟ وما مصير الأعمال المرفوضة التي نالت نصيبها من الأموال الطائرة؟ الطائرة فعلا من جيوب المغلوبين على أمرهم... هناك فوضى.. هناك ارتجال.. هناك سرعة وتسرع... هناك إسناد المهام إلى غير أهلها.. هناك كثرة الإشهارات والإعلانات التي يشمئز المشاهد من كثرة إعادتها في فترة زمنية قصيرة.. هناك كثرة الإلتحاقات بالقنوات العربية الأخرى.. هناك كثرة الصراخ والابتذال .. والمسؤول عن كل هذا؟ بدون لف أو دوران، ودون أن نخفي بالغربال ضوء الشمس.. وغيرة منا على هذا الواقع المر المرير، نقول أمام التحقيق بأن المسؤول الأول والأكبر هي إدارة القناتين: «دار لبريهي» و«عين السبع». فقد أبانتا عن عدم قدرتهما على تحمل المسؤولية التي هي على العاتق.. فيصل العرايشي وسليم الشيخ هما من يتحملان المسؤولية بأكملها.. فالباخرة إذا غرقت فالمسؤول هو القبطان.. ولا أتحدث عن «تيتانيك» فليخرجا عن صمتهما كما خرجا في زمن دفتر التحملات ليقولا: هاذ الشي اللي عطا الله و السوق، والسلام عليكم؟! فهما يتحملان مسؤوليات جميع وكل الأقسام التي هي في الدار، وإن أخطأ هذا القسم أو ذاك فهي تحت إمرة المسؤول الأول الذي هو المدير وبه وجب الإعلام، لعلكم لا تتجاهلون..!