بمناسبة تدشين دخولها الأدبي، استقبلت الفيدرالية الوطنية للمشتريات «الفْناكْ»، بالمركّب التجاري «ماروكومولْ»، بمدينة الدارالبيضاء، مساء أوّل أمس الثلاثاء 20 نونبر 2012، الروائي المغربي الطاهر بن جلون، للمرّة الأولى ليقدّم للجمهور البيضاوي روايته الأخيرة «السعادة الزوجية»، الصادرة عن دار غاليمار. في البداية، قدّم الطاهر بن جلون روايته الجديدة، مشدّدا على أنه رغم كتابتها باللغة الفرنسية، شأنها في ذلك شأن أعماله الروائية السابقة، إلاّ أن فضاءاتها ومعظم شخوصها وقضاياها مستوحاة من الواقع المغربي. ومن ثمّ، فإنّ أحداث روايته الجديدة تدور في مدينة الدارالبيضاء، وبالضبط في بداية سنة 2000 حيث يجد أحد الفنانين، وهو رسّام في قمة تألقه، نفسه مقعدا في كرسي متحرّك بسبب جلطة دماغية مفاجئة. وفي محاولة للخروج من حالة الاكتئاب التي يعاني منها، يقرر تدوين كتاب يروي فيه جحيم حياته الزوجية المسؤولة في نظره عن علته، وبالضبط زوجته. وبعد إنجاز مهمته، لتي حرص أن تكون سرية، ستكتشف زوجته المخطوط المخبّأ في خزانة محترفه، وتقرر بدورها تقديم روايتها الشخصية لأحداث حياتهما، مفندة جميع الاتهامات التي يوجّهها زوجها إليها في كتابه. وهكذا، وخلافا لما يوحي به العنوان، فإن الرواية لا تتحدث عن سعادة حقيقية، بقدر ما تبرز أنه وراء سعادة الواجهة والمظاهر والأوهام، هناك البؤس والحقد وحبّ السيطرة والتملّك. يعزو الزوج أسباب هذه المشاكل إلى طبع زوجته الفجّ وسلوكها التملّكي وعدم ثقتها في نفسها، وبالتالي إلى عدم احترامها لهامش حرّيته، في حين تتوقف الزوجة عند مسلسل خيانات زوجها الطويل وانشغاله الدائم في محترفه وأسفاره ومعارضه وإهماله لواجباته الزوجية، مبرّرة سلوكها الانتقامي منه بالتحقير الذي تعرّضت له هي وعائلتها من قبل عائلته منذ حفلة زفافهما، ومن قبله هو في مناسبات رسمية عديدة لاحقة. كما أبرز، في اعتماده أسلوب التقطيع السينمائي، إعجابه بالمخرج السينمائي إنغْمار برغْمان، وخصوصا في فيلمه «مشاهد من الحياة الزّوجية»، والذي استهلّ به الطاهر بن جلون، عددا من فصول «السعادة الزوجية». وقد أبرز الطاهر بن جلون أنّه يستوحي الكثير من موضوعاته مما عاشه الكثيرون، ومما روى له الكثيرون، ومما قرأه هو شخصيّا. لكنه لا يكتفي بالرصد والوصف، بقدر ما يحوّل تلك الموضوعات، ذات الأصل الواقعيّ، إلى محكيّ سردي يحقق متعة القراءة. كما شدّد على كونه لا يسعى من وراء روايته إلى تبليغ رسالة ما إلى المجتمع، وإنما يكتفي برصد شبكة العلاقات الإنسانية كما يعكسها الواقع المعقّد. وأبرز أنه ليس وحده الذي يقوم بهذه المهمّة، وضّحا أنه إلى جانب روائيّين آخرين، أمثال فؤاد العروي وعبد الحقّ سرحان وعبد اللطيف اللعبي، يحاول القبض على صورة هذا المغرب المركّب والمتشابك. ومن حظّ الروائيين المغاربة، يضيف بن جلون، أنّ المجتمع المغربيّ مليء بالمشاكل من كلّ الأصناف، الأمر الذي يوفّر خزّانا لهم. غيْر أنّ مهمّة الروائيّ، في نظره، لا تقتصر على النقل الحرفيّ لهذه المشاكل الاجتماعية، بقدر ما ينبغي أن يستخدم تقنيات كتابية وأسلوبية ترقى بها إلى مصاف الأعمال الإبداعية. لذلك استعمل هو شخصيا أسلوب التقطيع السينمائي، والتعدد اللغوي، وتداخل المشاهد الخ. وفي حوار مع الكاتب، ننشره في «الملحق الثقافي، ليوم غد، يفصّل عددا من المكوّنات والأبعاد والتقنيات التي اعتمدها في روايته الجديدة، فضلا عن بعض قضايا الثقافة المغربية.