يشرفني أن أتدخل باسم الفريق الفيدرالي للوحدة والديمقراطية، في مناقشة الميزانية الفرعية لقطاع الداخلية والجهات والجماعات الترابية. هذه الميزانية التي تأتي بعد سنة من تشكيل الحكومة، والتي نعتبرها فترة كافية لتقييم أدائها. وأول ما يسترعي الانتباه ونحن نناقش ميزانية وزارة الداخلية هو ما يقوم به رئيس الحكومة من ممارسات تسيء إلى العمل الحكومي حيث نعتبر في الفريق الفيدرالي أنه ليس من حق عبدالإله بنكيران توظيف المنطق الحزبي في الانتخابات التشريعية الجزئية، ولذلك كان على رئيس الحكومة ألا يقوم بتأطير تجمعات حزبه الانتخابية سواء في مراكش، طنجة أو إنزكان آيت ملول، لسبب بسيط، أنه مسؤول أول عن حكومة يفترض أنها تخدم جميع المغاربة وليس فئة معينة، ولذلك عليه أن يضع المسافة الضرورية بين تدبير الشأن العام والتدبير الحزبي، ولنا في الأستاذ عبدالرحمان اليوسفي مثال ساطع على ما نجهر به. لذلك نؤكد مرة أخرى أنه من غير المعقول أن يستمر رئيس الحكومة في هذه الممارسات من خلال توظيف موقعه الحكومي الأول للدفاع عن مرشحي حزبه على اعتبار أن ذلك يكرس الخرق ولا تكافؤ الفرص بين الأحزاب المتبارية على المقاعد البرلمانية. لابد من التأكيد في هذا السياق ، على ضرورة التحضير الجيد للانتخابات المحلية والإقليمية والجهوية والمهنية والتشريعية، من أجل كسب رهان استكمال البناء المؤسساتي حتى يكون في مستوى كسبنا لرهان الوثيقة الدستورية وفي مستوى كذلك رهانات وتطلعات الشعب المغربي وربيعه الديمقراطي، وهذا الرهان لن يتأتى إلا بتعميق النقاش وتوسيع الحوار مع كل الهيئات السياسية والنقابية والمهنية والمدنية أغلبية و معارضة، وذلك من أجل إعادة قراءة مشروع الجهوية المتقدمة الذي أعدته اللجنة الاستشارية على ضوء الوثيقة الدستورية وفق مقاربة شمولية للامركزية واللاتركيز الإداري وإعادة النظر في مشروع التقطيع الترابي بما يخدم الديمقراطية والتقدم بعيدا عن الحسابات السياسوية الضيقة. وعلى الحكومة مسؤولية تنظيم أول انتخابات في عهدها، ونتمنى أن تنجح في هذا الامتحان الديمقراطي عبر وضع الآليات والقوانين الزجرية للحد من استعمال المال وشراء الذمم وكل الممارسات التي تضر بالعملية الانتخابية من طرف لوبيات الفساد والريع، وتبخس العملية الديمقراطية . إننا من موقعنا كفريق فيدرالي ينتمي إلى المركزية النقابية الفيدرالية الديمقراطية للشغل تربط بين النضال الاجتماعي لتحقيق مطالب الشغيلة والنضال الديمقراطي لبناء دولة ومجتمع الحق والقانون والعدالة الاجتماعية، نرفض استمرار مسلسل إفساد المسلسل الانتخابي ويجب على الإدارة والأحزاب السياسية بذل المجهود لمواجهة هذا الإفساد من أجل تخليق الحياة السياسية وتنظيم انتخابات نزيهة تنبثق عنها مؤسسات تمثيلية حقيقية. كما نطالب الحكومة بإقرار منهجية تشاركية اندماجية بعيدا عن التسرع والارتباك، وذلك من أجل تنقية اللوائح الانتخابية من الشوائب ومعالجة سلبيات نمط الاقتراع والتقطيع الانتخابي، وذلك بإصلاح النصوص القانونية التي لها علاقة بالانتخابات القادمة بكل أشواطها وإعادة قراءة مشروع الجهوية الموسعة لينسجم مع مضامين الدستور الحالي في أفق هيكلة أدوار الدولة في مجال السياسة العمومية. في ما يتعلق بالقطاع الأمني، فإننا في الفريق الفيدرالي نثمن كل الخطوات التي تستهدف تحصين بلادنا من آفات الإرهاب والجريمة المنظمة والتهريب والمخدرات بكل أنواعها، لكننا نسجل في المقابل استمرار القمع في حق مجموعة من التظاهرات السلمية لمجموعة من المناطق والفئات خصوصا الأطر المعطلة، وفي هذا الإطار ندعو الحكومة إلى احترام الحريات والحقوق الأساسية بعيدا عن المقاربة الأمنية ونهج المقاربة الاجتماعية في إيجاد الحلول لانتظارات المغاربة في إطار إشراك القوى الحزبية والنقابية والمجتمع المدني ونؤكد من جديد على رفضنا توظيف الاحتجاجات السلمية لتلبية المطالب الاجتماعية لأغراض سياسوية تخدم أجندة لا علاقة لها بالمصالح العليا لوطننا. كما ننبه الحكومة لبعض التجاوزرات والإفراط في استعمال القوة التي تتعرض لها العديد من التظاهرات الاحتجاجية السلمية، وكذلك بعض التجاوزات في طريقة التعامل مع المهاجرين الاجانب المنتمين الى دول جنوب الصحراء، والتي تخدش صورة المغرب الحقوقية لدى المنتظم الحقوقي الدولي، وما لذلك من نتائج عكسية على مصالح مواطنينا في دول المهجر. غير أن هذا المشكل الذي تتحمل بلادنا تبعاته السلبية، يفرض على الحكومة طرح المشكل بشكل جاد على جيراننا الأوربيين ليتحملوا مسؤولياتهم في حل هذا المشكل من أساسه، كي لا تستمر بلادنا في لعب دور الدركي في حماية شواطئ الغير انطلاقا من ترابنا. بخصوص قطاع الجماعات الترابية التي لها دورها الأساسي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، فإننا في الفريق الفيدرالي نعتبر أن أغلب الجماعات خصوصا القروية، تحكمت في تقطيعها هواجس انتخابية وتحكمية بعيدا عن المقاربة التاريخية والاقتصادية، فالعديد من هذه الوحدات بحكم الخصاصات في الموارد المالية والبشرية وضعف البنية التحتية، لا تنتج إلا الفقر والهشاشة الاجتماعية. لذلك نطرح السؤال بصوت مرتفع : إلى متى ستستمر هذه الوضعية التي لا تخدم التنمية المنشودة؟ إننا نطالب بإعادة النظر في هندسة التقطيع الجماعي في أفق تقليص العدد وفق مقاربة تنموية تراعي عنصر الثقافة والتاريخ والتجانس والقيمة الاقتصادية. أما في ما يتعلق بالحكامة، فإننا نطالب بتوفير الإمكانيات اللازمة لتشتغل مفتشية الوزارة في ظروف جيدة وضرورة إخراج تقاريرها من الرفوف إلى العلن مع ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة في إطار من الشفافية والشمولية. كما أننا نطرح إشكالية الباقي استخلاصه والتي يجب على الوزارة أن تنكب عليها بالجدية اللازمة من أجل إيجاد الآليات المواكبة والعملية لاستخلاص الموارد الجبائية التي ستغذي ميزانيات الجماعات الترابية. وفي نفس الوقت، يطالب الفريق الفيدرالي للوحدة والديمقراطية بضرورة فتح نقاش وطني حول 30% من مداخيل الضريبة على القيمة المضافة التي يتم تحويلها للجماعات الترابية، وذلك لمواكبة التحول الدستوري والجهوي الذي تعرفه بلادنا، وكذلك لجعل هذه المسألة، بالإضافة إلى الجبايات المحلية، أحد محاور الإصلاح الشمولي للضرائب. كما نؤكد على ضرورة أن يواصل صندوق التجهيز المحلي لعب أدواره كاملة في تمويل المشاريع الجماعية وذلك عبر المواكبة والقرب وتبسيط المساطر وإقرار معدلات فائدة منخفضة خاصة بالنسبة للمشاريع الأساسية ذات المردودية الاجتماعية. وبخصوص الحوار الاجتماعي القطاعي، نطالب الوزارة بفتح حوار منتج مع النقابات وعلى رأسها النقابة الديمقراطية للجماعات الترابية العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل ، حول القضايا التي تهم العاملين بهذا القطاع خصوصا ملفات الحريات النقابية وبلورة قانون أساسي للوظيفة العمومية المحلية يتناسب والتحولات التي عرفها هذا القطاع من خلال ترقية سريعة وتأهيل العنصر البشري والتدبير الاستشرافي للمهام والكفاءات وتشجيع إعادة الانتشار وفق معايير عقلانية، وكذلك ضرورة إخراج مؤسسة الأعمال الاجتماعية إلى حيز الوجود من أجل الإنكباب على مجموعة من الملفات كالسكن والتقاعد التكميلي والتغطية الصحية التكميلية والاصطياف. كما نغتنم هذه الفرصة لنجدد رفضنا لاقتطاع أجور المضربين طبقا لقرارات النقابات الأكثر تمثيلية في قطاع الجماعات الترابية وباقي القطاعات الحكومية، ونعتبر هذا القرار ذا خلفية سياسية ودون سند دستوري هدفه الحد من النضالات النقابية، ولذلك نطالب بالتراجع عن هذا القرار الجائر الذي لا يخدم السلم الاجتماعي. بخصوص المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فإنها إذا كانت قد أثمرت نتائج في التقليص الجزئي للفقر في الوسطين الحضري والقروي، فإنها بالمقابل لم تمكن العديد من الجماعات الفقيرة من تلبية الحاجيات الأساسية لساكنتها في العديد من المجالات الحيوية. كما أننا نسجل أن هذه المبادرة تحتاج إلى تفعيل مبدأ الحكامة من حيث تدقيق الحسابات والافتحاص الموضوعي والتتبع والتقييم الميداني للمشاريع المبرمجة أو المقترحة من طرف اللجان المحلية والإقليمية ونوعية ونجاعة المشاريع المنجزة والجهات والفئات المستهدفة. والملاحظ أن هناك العديد من الوكالات والصناديق والآليات والمؤسسات المتدخلة في مجال تدبير الشأن الاجتماعي، لكن هذا التعدد هو بمثابة عرقلة حقيقية أمام بلوغ التنمية الاجتماعية المنشودة. ففي الوقت الذي تبلغ فيه المخصصات المالية الملايير من الدراهم نجد أن بلدنا يحتل المرتبة 130 في إطار مؤشرات التنمية البشرية مما يبين أن هناك خللا في المساطر والحكامة. لذلك، يقترح الفريق الفيدرالي للوحدة والديمقراطية إنشاء قطب اجتماعي أحادي للحد من تعدد المتدخلين، للاستثمار الأمثل لتدبير الشأن الاجتماعي ومأسسته وإقرار الحكامة المنتجة وربط المسؤولية بالمحاسبة. اما في ما يتعلق بالأراضي السلالية التي مازالت تتعرض للترامي والنهب والنزاعات، فإن عملية التصفية القانونية لهذا الرصيد العقاري الهام لايزال يميزها البطء مما يحتم البحث عن كل الطرق الموضوعية والإيجابية لتعبئتها لفائدة ذوي الحقوق في إطار مقاربة شمولية تنفتح على الاستثمار الخاص وتساهم في التنمية القروية بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. أما في ما يتعلق بتأهيل العالم القروي و المناطق الجبلية، فإننا نسجل غياب استراتيجية حقيقية فعلية لتنمية المناطق الجبلية والمناطق المعزولة والمهمشة والقضاء على الفوارق الاقتصادية والاجتماعية و المجالية و التخفيف منها عبر تحقيق إقلاع تنموي وفق مقاربة شمولية تعتمد على توحيد البرامج القطاعية ودعم الجماعات الترابية من الحصص الاجمالية للضرائب على الشركات والدخل والقيمة المضافة ، وتوزيعها وفق الحاجيات و ذلك بغية الولوج الى التجهيزات والخدمات الاساسية في مجالات التعليم والصحة ومحاربة الفقر والربط بالشبكة الكهربائية والولوج الى الماء الصالح للشرب وفك العزلة بإنجاز الطرق القروية لكونها مازالت ضعيفة وبعيدة كل البعد عن المعدلات الوطنية التي وردت في مشروع هذا القانون المالي. أما بخصوص قطاع النقل الحضري خصوصا قطاع سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة، فإننا نطالب بتفعيل الإجراءات المتعلقة بوضع حد لما يسمى بالحلاوة، وتنظيم سقف للكراء الشهري يأخذ بعين الاعتبار أوضاع الجهات والفئات في إطار الحوار مع النقابات والجمعيات المعنية بالأمر. في ما يتعلق بالسكن ورغم الجهود المبذولة والأموال الباهظة التي رصدت لهذه العملية في الماضي وفي الحاضر، لم تستطع البرامج المواكبة لها ، الحد من هذه المعضلة والاختلالات الكبرى المرتبطة بالسكن الاجتماعي و ببرامج المدن بدون صفيح خاصة في المدن الكبرى ، ولم تأت الحكومة بجديد سوى الاستمرار في نفس السياسة القطاعية ،كما نسجل على أنه لم تعط الأولوية للسكن المهدد بالانهيار لأن سلامة المواطنين هي أولى أولويات برامج السكن غير اللائق. كما أنه لا بد من الإشارة إلى ظاهرة غياب المناطق الخضراء والفضاءات الثقافية والاجتماعية مقابل خلق مئات العمارات والمساكن ذات المساحات الصغيرة دون توفير الحد الأدنى من المرافق مما ينذر بعواقب وخيمة على المستوى الأمني. أود في ختام هذه المداخلة أن أدعو الحكومة باسم الفريق الفيدرالي إلى مواجهة الخصاص الذي يعانيه هذا القطاع في مجالات الموارد البشرية والمادية واللوجيستية والتقنية والعلمية. كما نجدد اليوم كذلك مطالبتنا بدعم الوقاية المدنية وتمكينها من الإمكانيات لمواجهة حاجياتها المتنامية.