في خطوة استثنائية وغير مسبوقة، احتشدت أزيد من 70 امرأة، من المستفيدات وطالبات حفظ القرآن والعلوم القرآنية بالمدرسة العتيقة عمرة بنت عبدالرحمان بخنيفرة، في وقفة احتجاجية، صباح يوم الثلاثاء 8 أبريل 2014، عبرن من خلالها عن سخطهن وتنديدهن حيال تصرف متهور صادر عن قائد المقاطعة الحضرية الأولى، الذي أقدم بشكل جنوني على اقتحام مقر المدرسة التابعة لجمعية الإخلاص، وانهال على العاملين بها بوابل من العبارات المهينة والحاطة من الكرامة، قبل الرقي بشططه الأعمى إلى التلفظ بكلمات تحقيرية في حق القرآن وطالباته، ما اعتبره الجميع مسا سافرا بالعقيدة الدينية للمسلمين وبحرمة الدين الإسلامي، والأدهى أن المعني بالأمر زاد فعمد إلى التعسف على أعضاء الجمعية المشرفة على المدرسة المذكورة، واحتقار رئيس المجلس العلمي المحلي، حسب مصادرنا. وتعود أحداث هذه القضية إلى بعد زوال يوم الأحد 6 أبريل 2014، حيث نزل القائد المذكور بعين المكان متجاوزا اختصاصاته من خلال تدخله بصورة غريبة في نزاع بين جمعية الإخلاص المشرفة على المدرسة العتيقة ومكتري دكاكين قسارية محاذية لهذه المدرسة، إثر إقدام عناصر من هؤلاء المكترين على توقيف أشغال ترميم تقوم بها الجمعية (رخصة بناء رقم 106/ 2014)، وكم كانت مفاجأة الجميع كبيرة إزاء انحياز القائد للقائمين بتوقيف الأشغال، معتبرا سلوك هؤلاء الأخيرين «أفضل من مدرسة لحفظ القرآن وتأطير النساء والأطفال»، تقول مصادر «الاتحاد الاشتراكي»، قبل أن يأخذ في إهانة أعضاء الجمعية، ويوجه كلامه لرئيس الجمعية مخاطبا إياه بألفاظ قمعية حبلى بالتهديد والوعيد والترهيب، وقال أمام مرأى ومسمع من الجميع إنه « لن يدخر جهدا في محاربة الجمعية ومنجزاتها الفارغة» على حد قوله. القائد المعني بالأمر قام بسلوكه الغريب أمام مرأى من ضابط شرطة ورئيس المجلس العلمي الذي نال حقه من الإهانة، إذ بادر ضابط الشرطة إلى تقديمه للقائد المذكور فلوح هذا الأخير بحركة متعجرفة من الاستخفاف والاحتقار، رافضا مصافحته بنزوة مزاجية، في إشارة منه إلى تحديه لكل شيء بما في ذلك المجلس العلمي الذي يعتبر مؤسسة دستورية ، وكل ذلك جرى تحت أنظار المواطنين الذين استنكروا شطط القائد الذي لم يكن سوى في مهمة إنابة عن قائد المقاطعة المعنية بالمجال الترابي لمسرح الفعل، وعلمت «الاتحاد الاشتراكي» أن رئيس المجلس العلمي بعث برسائل في الموضوع للجهات المسؤولة، منها أساسا رئيس المجلس العلمي الأعلى، وزير الداخلية وعامل إقليمخنيفرة. وعلى هامش الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها نساء المدرسة القرآنية وتعميمهن لعريضة مذيلة بحوالي 100 توقيع، عممت جمعية الإخلاص بيانا استنكاريا، حصلت «الاتحاد الاشتراكي» على نسخة منه، وهي تعلن فيه عن استنكارها الشديد لما وصفته ب «التصرفات غير المسؤولة لقائد المقاطعة الحضرية الأولى»، واعتبارها ذلك «استفزازا لمشاعر المسلمين»، بينما اعتبرت التصريحات والعبارات الصادرة عن القائد «زرعا لثقافة الحقد والكراهية والفتنة ومسا بالأمن والاستقرار ونعمة التسامح التي تزخر بها المملكة»، ولم يفت الجمعية دعوة مختلف الجهات المسؤولة إلى «التدخل الفوري لضمان حرية العمل الجمعوي والضرب على أيدي العابثين بالمفهوم الجديد للسلطة»، كما دعت كل الغيورين والفعاليات إلى مؤازرتها ومساندتها. وكان المجلس العلمي المحلي لإقليمخنيفرة قد أشرف، خلال مارس الماضي، على افتتاح «مدرسة عمرة بنت عبد الرحمن» للتعليم العتيق، وحضر حفل الافتتاح، إلى جانب أعضاء المجلس العلمي، شخصيات علمية وفقهية وعسكرية وأمنية ومدنية ومنتخبة وجمعوية وتربوية وإعلامية، يتقدمهم عامل إقليمخنيفرة، وعشرات النساء والمستفيدات من التعلم بالمدرسة ذاتها، حيث افتتح الحفل بكلمة رئيس المجلس العلمي، الدكتور مصطفى زمهنى، الذي أبرز من خلالها مرامي افتتاح هذه المدرسة كواحدة من أشكال تأسيس الذات وترسيخ الثوابت الدينية التي أجمعت عليها الأمة المغربية، ولبنة من لبنات وجودها المعنوي في تعليم القرآن وقواعد الدين الإسلامي للمرأة المغربية. ولم يفت رئيس المجلس العلمي حينها التذكير بمدى اهتمام الدولة المغربية بالمدارس العتيقة، وأهمية النهوض بهذه المدارس في فعل التصدي لكل مروجي الميولات المتطرفة المعاكسة للخصوصيات الدينية، في إشارة لخطاب الملك محمد السادس خلال أبريل 2004 الذي تطرق فيه لموضوع المدارس العتيقة في قوله «حرصنا على تأهيل المدارس العتيقة، وصيانة تحفيظ القرآن الكريم، من كل استغلال أو انحراف يمس بالهوية المغربية مع توفير مسالك وبرامج التكوين، تدمج طلبتها في المنظومة التربوية الوطنية، وتجنب تخريج الفكر المنغلق، وتشجع الانفتاح على الثقافات»، وهو ما لم يصل ربما إلى علم القائد المعلوم الذي لم يفهم التحول الذي تعيشه البلاد.