تكوين في التحري عن ادعاءات التعذيب    قرب الانتخابات يجدد نقاش جدوى المشاركة الأمازيغية في المشهد الحزبي    أداء سلبي في تداولات بورصة البيضاء    ترامب: خطة ماسك "حطام قطار"    الكرواتي راكيتيتش يعتزل كرة القدم عن عمر 37 عاما    مصرع طفل في حادث انقلاب "تريبورتور"    483 لسعة عقرب بأزيلال في يونيو    مذكرة دولية لتعزيز حماية التراث المغربي    دراسة ألمانية تؤكد خطورة فيروس التهاب الكبد E لمهاجمته خلايا الكلى    رداً على ادعاءات مغلوطة.. إدارة سجن رأس الماء بفاس توضح حقيقة تعرض سجناء للابتزاز    أسعار النفط تتراجع                القوات المسلحة الملكية ستحول "برج دار البارود بطنجة" إلى فضاء ثقافي مفتوح أمام العموم    رئيس جزر القمر يشيد بالشراكة الاستراتيجية مع المغرب    منع الباحث أحمد ويحمان من دخول افتتاح المنتدى العالمي للسوسيولوجيا    الرباط: انطلاق أشغال المنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا بمشاركة باحثين من أزيد من 100 بلد    الدبيبة: الميليشيات تمتلك قوة عسكرية تفوق الدولة والحكومة ماضية بكل قوة في خطتها الأمنية    استثمار صيني جديد يعزز الزراعة الذكية في المغرب لمواجهة تحديات الماء والمناخ        بنكيران بين "أحواش" و"موازين": رقصة على حبل التناقضات    إدانة لترهيب المبلغين عن الفساد ومطالب بالتحقيق والمحاسبة في ملفات الفساد بمراكش    الانتخابات الجزئية… رسائل صناديق الاقتراع        اتفاقية لإدماج 110 من الأطفال والشباب في وضعية هشة بالدار البيضاء            جدل في ويمبلدون بسبب تقنية الخطوط        أبرزهم أوناحي.. أولمبيك مارسيليا يُنزل 6 لاعبين إلى الفريق الرديف    طوفان الأقصى: عودة إلى نقطة الصفر    أعمو: جهة سوس ماسة تشكو ارتفاع المديونية وضعف المداخيل وتعثر مشاريع مهيكلة    محمد بهضوض... الفكرة التي ابتسمت في وجه العالم    توسيع صادرات الأفوكادو يثير الجدل بالمغرب في ظل أزمة الجفاف    سلسلة بشرية في الدار البيضاء ترفع أعلام فلسطين وتندد ب"الإبادة" في غزة    التوصل إلى طريقة مبتكرة لعلاج الجيوب الأنفية دون الحاجة للأدوية    الأساتذة المبرزون يصعّدون احتجاجهم ضد وزارة التربية الوطنية ويدعون لاعتصام وطني بالرباط    افتتاح متحف للنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو في هونغ كونغ    تراجع الذهب نتيجة التقدم في تمديد مهلة الرسوم الجمركية    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين بالمغرب    بالأرقام.. المغرب في طليعة الذكاء الاصطناعي: نحو ريادة عالمية برؤية شاملة وأخلاقيات راسخة    فيضانات تكساس.. ارتفاع حصيلة القتلى إلى 82    دراسة: ليس التدخين فقط.. تلوث الهواء قد يكون سببا في الإصابة بسرطان الرئة    رئيس وزراء ماليزيا: "البريكس" أمل الجنوب العالمي لنظام دولي أكثر عدلاً    لفتيت يكشف أرقاماً صادمة عن الجريمة بالمغرب    المركز الوطني للإعلام وحقوق الإنسان يرفض مشروع قانون تنظيم المجلس الوطني للصحافة ويعتبره «نكسة دستورية»    "لبؤات الأطلس" يتدربن في المعمورة    اللاعب المغربي محمد أوناجم ينضم إلى نادي كهرباء الإسماعيلية    القهوة تكشف سرا جديدا.. "إكسير الشباب" يعزز صحة الأمعاء ببكتيريا نافعة    بومداسة يوقع "إثنوغرافيا الدرازة الوزانية"    الوعي الزائف:رسالة إلى امرأة تسكنها الأوهام!    غويركات يرثي محمد بهضوض.. "الفكرة التي ابتسمت في وجه العالم"    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد بهضوض... الفكرة التي ابتسمت في وجه العالم
نشر في لكم يوم 07 - 07 - 2025

لم يكن محمد بهضوض مجرد إسم في سجل الفكر المغربي، بل كان ومضة متقدة في ليل الأسئلة الكبرى، رجلا لم يهادن المعنى، ولم يستكن لسهولة الأجوبة. حمل الفكر كمن يحمل مصباحا في ممرات العتمة، لا ليتباهى بضوئه، بل ليبحث عما يتوارى في الزوايا. كان النقد عنده طهارة من الأوهام، والكتابة فعل مقاومة ضد انغلاق المعنى، وضد الخضوع لطمأنينة زائفة.
غادرنا صباح يوم الجمعة، بصمت يليق بالذين لم يشتكوا يوما من ثقل الحياة. ومع ذلك، لم يرحل تماما، فصدى فكره ما يزال يتردد بيننا، هادئا كما عهدناه، صارما كما أحببناه. لم يكن بهضوض أستاذا يعظ أو يلقي من علٍ، بل رفيقا متواضعا في درب السؤال، يسائلنا، يحاورنا، يبتسم في وجه الاختلاف، ويؤمن أن التفكير في الإنسان أسمى ما يمكن أن يبلغه المثقف.
وجلساتنا التي جمعتنا به، نحن والميلودي شغموم، وسعيد بنكراد، وحسن بحراوي، وإبراهيم إغلان، وأحمد مكسي، والشهم الحبيب بنمالك، وعمر الزيدي، والمرحوم الصديق الاحرش وآخرين كُثُر، لم تكن ترفا فكريا، بل تمرينا يوميا على الإنصات والاختلاف، ومساحة للتفكير الحر في قضايا المعنى، والهوية، والسياسة. كنا نناقش بحرارة، نختلف بأخلاق، ونتلاقى في محبة الحقيقة، كما رآها هو، أفقا لا يُحد، ومسعى لا يتوقف. في حضرة تلك الحوارات، لم يكن بهضوض يبحث عن الغلبة، بل عن الإنارة-نور خافت يفتح دروبا جديدة لا تُرى إلا إذا سألناها بصبر.
لقد سكنه سؤال الخلاص كما يسكن العطش جسد التائه، لكنه لم يسقط في وهم المدينة الفاضلة، ولم يقدم إجابات نهائية. في كتابه الفارق "سياسات الخلاص، نقد العقل الأيديولوجي" رفع سؤاله الحارق، هل يمكن للإنسان أن يخلص ذاته دون أن يقع في شرك الإيديولوجيا؟ وكان جوابه، كما حياته، مفتوحا، متواضعا، إنسانيا، الحقيقة ليست عتبة تُبلَغ، بل أفق يناظر، واليقين وهمٌ يصنعه الخوف.
النقاش معه لم يكن يختتم عند النادي أو ينتهي في قاعة ندوة، كنت أوصله إلى بيته بعد كثير من تلك اللقاءات، وكان الطريق امتدادا لما لم يُقَل بعد. هناك، حيث تقلّ الكلمات وتكثف الإشارات، كان يفتح نوافذه الأخيرة من الحجة، ويضيء زوايا لم أكن أراها. كم مرة تحول الرصيف أمام بيته إلى صالون مفتوح للبحث، إلى فسحة لا تُطيق الصمت ولا ترضى باليقين السهل.
وحين أثقل المرض جسده، لم تتغير ابتسامته. حضر تأبين صديقه الفنان محمد الشوبي رغم الألم، لا فقط ليؤدي واجب الوفاء، بل وكأنه جاء ليودعنا بهدوئه المعهود. وحدهم الكبار يعرفون كيف ينهون فصولهم بصمت نبيل.
أثناء جنازته، لم تكن الجموع التي شيّعته مجرد أصدقاء أو زملاء، بل آثار من بصم فكرهم، ولامس حياتهم، وأوقد فيهم سؤالا. كانت جنازة مهيبة، حضرها من سمع صوته، وقرأ فكره، وساجله يوما، ومن أوصلهم إلى حدود السؤال ثم تركهم ليكملوا وحدهم. تلك هي أخلاق الكبار، يفتحون لنا الدروب دون ادعاء، ويغادرون دون ضجيج.
نم هادئا يا صديقي. لم يدفن فكرك، فهو حي بيننا، في الهامش الذي كنت تحوله إلى مركز، في السؤال الذي لم يكتمل بعد، وفي ابتسامتك التي كانت تقول "أنا هنا، لا لأجيب... بل لأسأل بصحبة جميلة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.