مع تصاعد التحديات المناخية على المستويين الوطني والدولي، تبرز جهة طنجة-تطوان-الحسيمة كأحد المراكز الترابية التي يُعوَّل عليها في تنزيل رؤية المغرب للحد من انبعاثات الكربون، وسط سعي حثيث إلى إدماج هذه الرؤية ضمن السياسات الجهوية والمحلية. ففي الوقت الذي التزمت فيه المملكة المغربية بخفض 45.5 في المئة من الغازات الدفيئة بحلول سنة 2030، وبلوغ الحياد الكربوني في أفق 2050، يبدو أن جهة الشمال تشق طريقها بخطى ثابتة لتكون منصة اختبار أولى لهذا الطموح الوطني. إذ تشهد الجهة، التي تجمع بين واجهتها الصناعية الساحلية ومجالاتها الجبلية والقروية، تقاطعا دقيقا بين متطلبات التنمية ومقتضيات التحول الطاقي، وهو ما يضعها في صدارة الجهات المعنية بالتفعيل الترابي للاستراتيجية الوطنية. وهذا ما أوضحه محمد أولحاج، نائب رئيس مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية، خلال ورشة نُظّمت مؤخرا بطنجة، حيث أشار إلى أن الجهة "تسعى إلى إعداد خارطة طريق إقليمية لتنزيل الاستراتيجية على الصعيد الجهوي"، عبر إشراك مختلف المتدخلين في مجال مواجهة التغيرات المناخية، ضمن مقاربة تشاركية. وعلى الرغم من أن الاستراتيجية الوطنية للحياد الكربوني، التي اعتمدها المغرب أواخر 2023، تشمل مجموع التراب الوطني، إلا أن التركيز العملي على جهة طنجة-تطوان-الحسيمة يعكس توجها نحو اختبار قدرة الجهات على الانخراط في ترجمة الالتزامات البيئية الدولية، وتحديدا مقتضيات اتفاقية باريس التي تلزم الدول بوضع خطط طويلة الأمد للحد من الكربون. ويؤكد هذا المنحى ما عبّر عنه محمد العمراني، عن المديرية الجهوية للبيئة، موضحا خلال الورشة ذاتها أن "المجالس الجهوية تشكل فاعلا رئيسيا في تنزيل هذه الرؤية"، في إشارة إلى أن الانتقال من التصور المركزي إلى العمل الترابي بات شرطا لإنجاح الاستراتيجية. وتستمد جهة الشمال مكانتها من كونها تتوفر على بنية تحتية متقدمة، ونسيج اقتصادي كثيف، إلى جانب خصوصياتها البيئية المتنوعة، مما يجعل التحديات المناخية فيها أكثر تعقيدا من جهات أخرى. كما أن قربها من أوروبا يمنحها حساسية خاصة في ما يتعلق بتتبع معايير خفض الكربون، لا سيما في القطاعات الصناعية واللوجستية المرتبطة بالسوق الأوروبية. وبينما تتجه الجهة إلى مراجعة مخططها الجهوي للتنمية، يشكل إدماج أهداف الاستراتيجية الوطنية أحد المحاور التي يُنتظر أن تطبع البرامج المستقبلية، بما فيها على مستوى الجماعات الترابية. ويعكس هذا التوجه وعيا متزايدا بضرورة التحول من منطق "الاستدامة كخطاب" إلى "الاستدامة كالتزام عملي"، في منطقة تُعد من بين أكثر الأقاليم دينامية على مستوى المغرب. وفي ظل هذا المسار، لا تبدو جهة طنجة-تطوان-الحسيمة مجرّد مستفيد من برامج بيئية مركزية، بل تتحول تدريجيا إلى فاعل مبادر، يضع نفسه في قلب التجربة الوطنية للتحول الطاقي، مع ما يتطلبه ذلك من تملك سياسي وتقني لتحديات خفض الكربون، في أفق استيعاب التحدي الأكبر: حياد مناخي لا يُنتج على الورق فقط، بل على الأرض.