لقد احتل النقاش خلال السنوات الأخيرة حول الجهوية حيزا كبيرا لا لشئ, إلا لأن الحاجة في تبني نمط من الجهوية يراعي الخصوصية المجالية ويهدف الى الرفع من مستوى عيش السكان اقتصاديا واجتماعيا بات امرا ملحا أكثر منه ضرورة حتمية. و الجهوية كمقاربة للتدبير المحلي، يمكن تحديدها من خلال منظومة الجهة في مستواها التقليدي كجماعة ترابية معترف لها بمجموعة من الاختصاصات والصلاحيات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتتمتع في سبيل الاضطلاع بهذه الصلاحيات بمجموعة من الإمكانات ووسائل العمل المادية والبشرية، أما الجهوية الموسعة فإنها هي الأخرى مقاربة للتدبير المحلي، إلا أنه تدبير يحوز على درجة متقدمة, سواء في التمثيلية الشعبية أو في الصلاحيات والاختصاصات الجهوية، التي قد تنظم بمقتضيات دستورية أو في الوسائل والإمكانات التي قد تصبح مقسمة بين كل من الدولة كوحدة مركزية والجهات كوحدات محلية. إن الجهوية الموسعة ليست في آخر المطاف سوى تمكين المواطنين في دائرة ترابية محلية محددة من تدبير أمورهم بأنفسهم، وذلك من خلال هيآت جهوية ينتخبونها، لها من الصلاحيات والموارد ما يمكنها من تحقيق التنمية المحلية. ولعل الظرفية المتسمة بالغموض والضبابية, خصوصا فيما يتعلق بإخراج نموذج للجهوية يراعي التحولات الاقتصادية والاجتماعية الجارية، وعدم تفعيل باقي القوانين ذات الصلة بالدستور، لهي معيقات تثبط الانتقال من وسائل التدبير التقليدية والمتجاوزة إلى مأسسة التدبير . وفي هذا الإطار يمكن تعريف الجهوية على أنها آلية من آليات التدبير الترابي وأن المنتخبين من المفروض فيهم أن يمارسون هذا التدبير ، وإذا كانت الجهوية الموسعة تعني توسيع الاختصاصات والصلاحيات ومواجهة مقولة المغرب النافع والمغرب غير النافع مراعاة لجميع المكونات الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية، فإن الهاجس المطروح هو هاجس أجرأة الاختصاصات وصياغة مفهوم وتصور واضح للجهوية بالمغرب لمواجهة العديد من التحديات من بينها : غياب الديمقراطية الداخلية داخل المجالس المنتخبة عدم استمرارية السياسات العمومية ، غياب الفكر الديمقراطي المراقبة والمحاسبة ضعف الإرادة السياسية، ضعف مكونات المجتمع المدني، ضعف النخب الجهوية ، معيقات ثقافية واثنية ، هذا بالإضافة إلى إشكالية النخب المحلية, فهل نملك نخبا محلية قادرة على التنزيل السليم لمشروع الجهوية الموسعة؟ الكل يعرف بأن التدبير المحلي بشكل عام شهد مجموعة من الإختلالات وتجلياتها تكمن في غياب الرؤية الواضحة و كذلك نقص الكفاءة وغياب الفكر الجهوي. كل هذه العوامل و التحديات تجعلنا من الصعب أن نتفاءل لمستقبل الجهوية الموسعة بالمغرب. ومن خلال قراءة ومناقشة هذه التحديات من طرفنا نرى أنه بات من الضروري، اعتماد مقاربة تشاركية للتفكير في نموذج متكامل وموحد للجهوية يعكس التحولات الديمغرافية التي شهدها المغرب خلال السنوات الأخيرة.والتي يشكل فيها الشباب نسبة لا يستهان بها. ونتساءل حول مسؤولية الدولة في فتح المجال للشباب لبلورة آليات يتحملون من خلالها المسؤولية في المجالس الجهوية والمحلية على اعتبار أن انخراطهم ضروري للبحث عن مكانتهم والمساهمة في الأجرأة لبناء القرار السياسي الصائب ، والاستئناس بكل التجارب المقارنة في التقسيم الترابي لتحقيق التوازن بين الجهات،وذلك من خلال التركيز على مايلي: أهمية الاستراتيجيات الجهوية في إشراك الشباب كأفكار إبداعية ، مراجعة النظام الضريبي، ضرورة تشخيص لواقع الجهات لبناء مشروع الجهوية الموسعة ، تجاوز أنماط التدبير القديم ، ضرورة دعم وتشجيع الشباب وتوسيع مشاركتهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد ، تعميق دور المجتمع المدني، وفتح حوار جاد ومسؤول واعتماد الفعالية والنجاعة في العمل، الحق في الولوج إلى المعلومة + والحق في المحاكمة العادلة كمدخل لاستقلال السلطة القضائية و تحقيق الأمن القضائي وبناء الديمقراطية المواطنة. المساهمة في القضاء على الفوارق الطبقية بين العالم القروي والحضري الوسائل: العمل بالمقاربة الحقوقية كمدخل أولي إلى جانب المقاربة الأكاديمية و اعتماد المقاربة التنموية في المساهمة في تدبير الشأن العام، قيام وسائل الإعلام بدورها في طرح قضايا الجهوية وتمتين جسور التواصل فيما بين الشباب لتسليط الضوء على القضايا الكبرى وفتح النقاش، دعم التنسيق و التواصل بين تنظيمات المجتمع المدني وباقي المؤسسات العمومية، اعتبار الجهوية منطق سياسي وإستراتيجية للتنمية ، ونستنتج من خلال هذا أن المدخل الحقوقي و العلمي ضروري لبناء جهوية تنبني على مقومات وصلاحيات تؤهلها للنهوض بأوضاع السكان، حيث هناك عقليات تعيق التعاون اللامركزي وهي تلك المرتبطة بعقليات رؤساء الجماعات الترابية والتي يجب تجاوزها لتحقيق تنمية مستدامة كمدخل للاستفادة من الثروات التي تزخر بها الأرض وتطويرها مراعاة لمستقبل الأجيال القادمة، وتحسين الفاعلية الاقتصادية للوصول إلى نظام جهوي اقتصادي قادر على خلق التنوع. * محام متمرن بهيئة المحامين بمراكش