جلالة الملك يهنىء رئيس جمهورية سلوفاكيا الجديد    3 ملفات تفصل النقابات والحكومة عن حسم اتفاق نهائي قبل فاتح ماي    عدم استكمال هيكلة مجلس النواب يؤجل جلسة تقديم حصيلة الحكومة    شركة ميتا تكشف عن سعيها لإحداث ثورة في التعليم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    تفكيك عصابة مختصة في سرقة محل لبيع المجوهرات    بينهم قاضي ومحامي .. مستجدات محاكمة "شبكة السطو على أراضي الدولة والخواص" نواحي فاس    الحسن أيت بيهي يصدر أولى إبداعاته الأدبية    ابن كيران: رفضنا المشاركة في ملتمس الرقابة بسبب إدريس لشكر(فيديو)    علماء أمريكيون يحذرون من تأثير مادة "الباراسيتامول" على صحة القلب    إسبانيا توفر خدمات لعاملات مغربيات    اسرائيل: كنردو على هجوم إيران. طهران: اللي كيمس مصالحنا ما يلوم الا راسو    هشام الدكيك: "الفوز ضد زامبيا أفضل سيناريو من أجل بداية الدور المقبل"    مسؤولية كبيرة قدام الطالبي العلمي للي مصر على تطبيق الدستور وابعاد البرلمانيين المتابعين فالفساد من المسؤولية: اليوم عندو اجتماع حاسم مع رؤساء الفرق على مناصب النيابات ورؤساء اللجان وكولشي كيستنا لاليست ديال البام    جلسة مجلس الأمن المغلقة حول الصحرا.. هادو هوما الدول الأعضاء اللي معانا واللي ضدنا واللي واقفة على الحياد    أرباب المقاهي يفاجئون المغاربة برفع أسعار القهوة والمشروبات الغازية    الصندوق المغربي للتقاعد.. نظام التقاعد "التكميلي" يحقق نسبة مردودية صافية بلغت 5.31 في المائة سنة 2023    بحالو بحال قيوح: القاديري البرلماني الاستقلالي كيموت على المناصب وداير حملة وحرب باش يبقا فمكتب مجلس النواب ومكفاتوش تعدد المسؤوليات وبغا ريع الامتيازات وطوموبيل البرلمان باش يتفطح    استخدام الرقمنة لتقاسم الأنشطة التربوية بالمؤسسات التعليمية محور لقاء بأكادير    تأجيل جلسة البرلمان المخصصة لعرض الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة إلى وقت لاحق    مساء اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : لمحات من سيرة وشعر الأمير الشاعر المعتمد بن عباد دفين أغمات    دونالد ترامب في مواجهة قضية جنائية غير مسبوقة لرئيس أمريكي سابق    تأجيل مباراة العين والهلال بسبب سوء الأحوال الجوية بالإمارات    مجازر جهوية جديدة للرباط بطاقة استيعابية تبلغ 30 ألف طن سنويا    الأمين بوخبزة في ذمة الله .. خسارة للحركة الإسلامية والعمل التطوعي بالمغرب    هذه مستجدات إلغاء ذبح أضحية عيد الأضحى لهذا العام    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الحصيلة الإجمالية للقتلى ترتفع في غزة    كمية الصيد المتوسطي تتقلص بالمغرب    الإعلان عن مواعيد امتحانات الباكالوريا وهذه التدابير الجديدة    إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024 من مدينة أولمبيا اليونانية    الدكيك: ملي كنقول على شي ماتش صعيب راه ما كنزيدش فيه والدومي فينال مهم حيث مؤهل للمونديال.. وحنا فال الخير على المنتخبات المغربية    سانشيز: سننظم كأس عالم ناجحة لأننا مجتمعات تعشق كرة القدم    دراسة: الشعور بالوحدة قد يؤدي إلى مشاكل صحية مزمنة    بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع التراجع    كيف يمكن أن تساعد القهوة في إنقاص الوزن؟: نصائح لشرب القهوة المُساعدة على إنقاص الوزن    عبد الإله رشيد يدخل على خط إدانة "مومو" بالحبس النافذ    هجوم شرس على فنان ظهر بالملابس الداخلية    مؤسسة منتدى أصيلة تنظم "ربيعيات أصيلة " من 15 إلى 30 أبريل الجاري    العالم يشهد "ابيضاض المرجان" بسبب ارتفاع درجات الحرارة    وفاة الأمين بوخبزة الداعية و البرلماني السابق في تطوان    الجزائر تغالط العالم بصورة قفطان مغربي .. والرباط تدخل على خط اللصوصية    دراسة تحذر من خطورة أعراض صباحية عند المرأة الحبلى    أشرف حكيمي: "يتعين علينا تقديم كل شيء لتحقيق الانتصار في برشلونة والعودة بالفوز إلى باريس"    المدرسة العليا للأساتذة بمراكش تحتفي بالناقد والباحث الأكاديمي الدكتور محمد الداهي    بعد إيقافه بأزمور.. وقفات تضامنية مع الناشط الحقوقي مصطفى دكار    مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان يدعو إلى انهاء الحرب في السودان    سليم أملاح في مهمة صعبة لاستعادة مكانته قبل تصفيات كأس العالم 2026    العنصرية ضد المسلمين بألمانيا تتزايد.. 1464 جريمة خلال عام وجهاز الأمن تحت المجهر    المغرب وبلجيكا يدعوان إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    المغرب التطواني يصدر بلاغا ناريا بشأن اللاعب الجزائري بنشريفة    عمل ثنائي يجمع لمجرد وعمور في مصر    هذه طرق بسيطة للاستيقاظ مبكرا وبدء اليوم بنشاط    الأمثال العامية بتطوان... (572)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    هل قبل الله عملنا في رمضان؟ موضوع خطبة الجمعة للاستاذ إلياس علي التسولي بالناظور    مدونة الأسرة.. الإرث بين دعوات "الحفاظ على شرع الله" و"إعادة النظر في تفاصيل التعصيب"    "الأسرة ومراعاة حقوق الطفل الروحية عند الزواج"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ عبد العزيز بناني: عندما يغمُر الشغف بنوره الكفاءة لتحقيق الكرامة

نظم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يوم السبت الماضي بالرباط، حفلا تكريميا لعبد العزيز بناني، الرئيس السابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان وعضو سابق بهيئة الإنصاف والمصالحة، وذلك في إطار الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف 10 دجنبر من كل سنة
وحضر هذا الحفل التكريمي العديد من الفعاليات الحقوقية والسياسية يتقدمهم المجاهد الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، محمد اليازغي، محمد بنسعيد أيت إيدر، فتح الله ولعلو، محمد الصديقي، محمد أوجار، إدريس اليزمي،مبارك بودرقة، محمد الحلوي، عبد العزيز بنزاكور، محمد النشناش، محمد الصبار، عبد الكريم المانوزي وخديجة المروازي وغيرهم من الشخصيات التي طبعت تاريخ المغرب السياسي ونضاله الحقوقي .
وبهذه المناسبة أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان كتابا عن المحتفى به بعنوان « عبد العزيز بناني المدرسة» جامعا لمساهمات العديد من أصدقاء بناني ورفقاء دربه، من بينهم وزير العدل محمد أوجار، و الحبيب بلكوش، وعبد الإله بن عبد السلام، ومنية بناني الشرايبي، وأمينة بوعياش ومحمد النشناش، وهما رئيسان سابقان بالمنظمة المغربية لحقوق الإنسان.
كما ساهم في الكتاب المحجوب الهيبة، وادريس اليزمي، وصلاح الوديع، ومحمد الصبار، وسعيد السولامي، وأحمد حرزني، ومصطفى يزناسني، ومصطفى العراقي، وبوبكر لاركو، الرئيس الحالي للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وخديجة المروازي، وربيعة الناصري، وجمال الدين الناجي، ومحمد اليازغي، وفتح الله والعلو، وخالد الناصري، وفاطنة سرحان، بالإضافة إلى مساهمات عدد من المحامين، من بينهم النقيب عبد الرحيم الجامعي، مصطفى الناوي، خالد السفياني، عبد الكبير طبيح، حورية صادق التازي، وسعدية وضاح.
وخلال هذا الحفل التكريمي القيت كلمات تطرقت إلى مسار الأستاذ عبد العزيز بناني ونضاله من أجل حقوق وكرامة الإنسان عبر العديد من المحطات التي شهدها تاريخ بلادنا
وفي مايلي كلمة جمال الدين ناجي التي ضمنها كتاب عن المحتفى به…
لو كنتم من جيلي وتحتفظون بقصاصات صفحة تشهد على زمن سنوات الرصاص، أتمنى أن تكونوا قد احتفظتم ببعض الصور التي تروي أحداث المحاكمات السياسية آنذاك(مراكش، الدار البيضاء على وجه الخصوص). وقد تتعرفون على أصحاب الزي الأسود وسط قاعة الجلسات المكتظة عن آخرها، أشهر من نار على علم، حينذاك، بمرافعاتهم ونضالاتهم التي قادت بعضهم إلى تذوق مرارة السجن والمنفى والتعذيب، والتي ساعدت معظمهم لاحقا (ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي) في تشييد مطالب استرداد حقوق الإنسان والديمقراطية بالمغرب بشتى طرقها، ويدعى هؤلاء: عبد الرحيم بوعبيد، محمد التبر، عبد الرحيم برادة، عمر بنجلون، امحمد بوستة، ابن عامر، الفاروقي، الصديقي، محمد بوزوبع، المعطي بوعبيد، محمد كرم، صابري، الولادي وآخرون… في الأربعين والثلاثين من عمرهم، نجد من بينهم شخصا مفعما بالنشاط والحماس، رغم بنيته الضعيفة: الأستاذ عبد العزيز بناني.
كان الخصوم أو السُذَّج يعتبرون هذا النشاط البارز اضطرابا مفرطا أو حتى تطرفا عقيما، فهذا النوع من النشاط هو الأمر الذي لفت أنظاري طيلة المحاكمات الجائرة الصادرة في حق العديد من زملائي بالثانوية أوالجامعة أو الاتحاد الوطني لطلبة المغرب التي سجلها شهر يناير 1977، وشكّلت المحاكمات السياسية بالنسبة لهذا المحامي الشاب الشغوف بمنصة الشهود والسجال العلني، فرصة لصقل موهبته وتطوير براعته. وكان خيرَ خلف للأستاذ جون-شارل لوكران، أبرز المدافعين عن المقاومين خلال فترة الاستعمار، بتوليه لمكتبه الكائن بساحة «مارشال» بالدار البيضاء، كان هذا الرمز يقدح ذهني يوم كنا نشرع سويا في المراجعة الأخيرة قبل طبع أول مؤلف حول «حرية الصحافة والإعلام بالمغرب، تحديات وآفاق» الذي نشرته المنظمة المغربية لحقوق الإنسان سنة 1995.
وقد التقيت لأول مرة بالأستاذ بناني في مراسم تشييع ودفن صديقي ورفيق دربي، الذي لا طالما تقاسم وإياي ميولاتي الثقافية والذوقية وقضيت بمعيته أوقاتا ممتعة، المرحوم محمد الركاب الذي وافته المنية سنة 1990. وقد ألقى الأستاذ بناني ذلك اليوم كلمة تأبين مؤثرة في مقبرة الشهداء، الأمر الذي عَهِدناه في جل مداخلاته. ومن الجلي أنه منذ ذلك اليوم إلى الحين، لم يحظ بالتكريم والتقدير المفروضين للإشادة بمآثر ومناقب أحد أعلام السينما والتلفزة، وأحد مؤسسي المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، الذي انطفأت شعلته مبكرا في محاولاته الخارقة والمنهكة لوضع لبنته رغم المشقة التي يقتضيها بناء دولة الحق والقانون، القائمة على احترام الكرامة الإنسانية وتعزيز المناصفة للشعب وثقافته اللذين يتعرّضان للتجاهل والإقصاء باعتبارهما حقا مشروعا بالنسبة للمواطنين والمواطنات المغاربة.
عندما تمّكن رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، الأستاذ بناني، من إقناعنا نحن أعضاء المكتب الوطني بإعلان يوم 3 غشت « يوما وطنيا لحقوق الإنسان»، أعرب عن رغبته الملحة في وصول الشعب المغربي إلى تبني واسترجاع وتوطين المبادئ والموروثات الكونية لحقوق الإنسان، فإذا كنا نشاطر العالم بأسره تخليد يوم 10 دجنبر، أليس من الرمزي والتحفيزي، بالنسبة لنا كمغاربة، الاحتفاء الآن وعلى أرضنا بيوم وطني مماثل؟ فمن المؤكد أن كونية هذا الخيار من شأنها أن تعزز هذه الحقوق…ولا شك أن أَمَلك قد خاب تماما مثلي يا أستاذ، فيوم الثالث من غشت تركه"مجتمع حقوق الإنسان» ، مع مرور الزمن، في طي النسيان! لقد أَبَنت عن شغفك وعملك على قدم وساق من أجل بناء مشاريع شبه حضارية تُرسخ ثقافة حقوق الإنسان وقيمها عند الحاكمين والمحكومين، كما أنك برهنت وما زلت تبرهن عن إصغائك للغير رغم أنك دائما ما تبدو- الشيء الذي لا يروق للبعض- مستعجلا لاتخاذ الإجراءات اللازمة بل متسرِّعا أيضا… ياحسرتاه! لو أن كل المغاربة تحلَّوا بخصالك تلك المتمثلة في الرغبة والإرادة والإصرار في اتخاذ الإجراءات على عجلة من الأمر! في أغلب الأحيان، كان يمكننا، نحن بعض أعضاء المكتب الوطني للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، الإنصات ببالغ الاهتمام، لجعلك حليفا ومحاميا لنا لإقناع أعضاء المجلس الوطني الآخرين بتعريج حقوق الإنسان من ذلك المسار النضالي المعتاد ومن منطقة الأمان التي يمكن الاصطلاح عليها دون أية مبالغة بالثقافة النضالية «للبلاغ»… هكذا أقدمنا بصحبتك على الخروج بحقوق الإنسان بمعنى المنظمة المغربية لحقوق الإنسان إلى الشارع بين سنتي 1991 و1995… وبالأحرى، في المعارض العمومية للفن التشكيلي (معرض نظمه الفقيد محمد القاسمي، جمع 22 رساما في رواق باب الرواح بالرباط) والقاعات السينمائية (أيام السينما وحقوق الإنسان المنظمة بالرباط والدار البيضاء بالقاعات العمومية) والمسارح وقاعات العروض (الحفل الموسيقي للمرحوم منير بشير الموسيقار العراقي العملاق عازف العود، بمسرح محمد الخامس)… دون إغفال إسهامك الحتمي في إقامة مشروع ذي بعد وطني ومجتمعي بمقر المنظمة كحجر أساس من أجل: تحرير أدب السجون والاعتراف به أوعقد مشاورات مطولة حول وضع المرأة في إطار غير حزبي، الأمر الذي كان سيؤدي في ما بعد إلى عريضة المليون توقيع الشهيرة…لقد كُنت أول متطوع والأكثر مواظبة في تزويد الصفحات الخاصة ببعض الجرائد في ما يخص تحسيس وتقديم شروحات ديداكتيكية حول النصوص الأساسية والكونية لحقوق الإنسان وما تحمله في ثناياها من قيم تهم العموم…
لم يمنع الحماس من أجل العمل والارتقاء بالقضية واستثمار الرموز (لقاءات فنية، تواريخ، مؤلفات…)، الأستاذ بناني من توخي الحيطة والحذر، خاصة عندما تكون استقلالية المناضل وغيرته على قضيته التي قد تكون مهددة بشبهات واضحة أو محتملة. هكذا رفضنا بحِكمة مِنحة عرضها علينا الوزير الأول الفرنسي (عن طريق لجنة حقوق الانسان) في الوقت الذي كنا ننفق من أموالنا الخاصة بتحملنا عبء التكاليف الضرورية لعمل المنظمة. كل نضال يشُقّ عصا الطاعة ويعارض الوضع الراهن ولاسيما عندما يكون هذا النظام غير منصف أو قاهر، لن يكون مصداقيا ولا فعالا إلا إذا حافظ على استقلاليته المادية أولا، التي قد تخضع لها خيارات وأهداف هذا النضال بشكل مباشر أو غير مباشر. ولعل سبب إشارتي إلى هذا المنعطف، الذي ربما لا يرد في طيات أرشيفات ذاك الزمن بالمنظمة، يرجع إلى غياب أو قلة أنصار هذه العقيدة، فإننا نشهد اليوم، وبكل وضوح، الانحراف والاستغلال الذي يطال الحركات النضالية التي تدافع عن مختلف القضايا، سواء تعلق الأمر بالساحة السياسية أو بما يطلق عليه «المجتمع المدني». فكيف يمكننا إذن الانتماء إلى «مجتمع مدني» واحد دون الامتثال إلى نهج صارم كهذا، إلى عقيدة مشتركة تهدف إلى تحقيق استقلالية الاختيارات وكذا الوسائل؟
وينبغي الأخذ بعين الاعتبار أن التنازل عن الفرص غير المتوقعة أو المحفوفة بالمخاطر، رغم قيمتها، لا يشكل البتة عائقا أمام تقدم الفرد وتألقه بمؤهلاته الخاصة، ولو كانت متواضعة، حيث أنها تضفي مع ذلك قيمة مضافة على الملكية والاستقلالية. ويعد إنشاء الموقع الالكتروني للمنظمة، حتى قبيل تصميم أول موقع رسمي للدولة المغربية (موقع وزارة الاتصال)، مجرد برهان واحد عن الإنجازات التي ساهم في تحقيقها الرئيس بناني، فقد اعتبرنا هذا الموقع في جوهره كونيا، لأنه كان يرمي إلى خلق شبكات تربط بين المدافعين عن حقوق الإنسان داخل القارة الافريقية… التشبيك هو كلمة سحرية في زمننا الحالي، كانت تعد آخر علامات الشغف التي تشبع بها الأستاذ البناني، فقد كان أكثر استباقية منا في المضي نحو التشبيك، الشيء الذي جعله يتمتع بسمعة صانع/ميسر الشبكات الدولية، حيث أصبح خبيرا على صعيد العالم العربي والعالم المتوسطي والقارة السمراء. إلا أن هذا الصدى الدولي الذي أضفاه الرائد/زعيمنا على المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، لم يمنعه من البقاء على النهج الذي اتخذه من أجل توسيع نطاقات النضال وإبراز مناضلي حقوق الإنسان وطنيا، وذلك من خلال الخوض في معارك أخرى والالتزام بقضايا جديدة. فقد بذل قصار جهده لجعل المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تحدث فروعا جهوية (الدار البيضاء، فاس…)، ثم نقل صوت المنظمة داخل مناقشات وتوصيات المناظرة الوطنية الخاصة بالإعلام والاتصال والمنعقدة في مارس 1993، إضافة إلى منتديات ومحافل وطنية ودولية أخرى ذات صدى مماثل أو أوسع. كما تم تكييف هذه النظرة الاستراتيجية، بسبل بدت مستعجلة، ليس فقط لإقامة علاقة فعلية بين البعدين الوطني والدولي ونسج صلة وثيقة بين استغلال الفضاءات والمنتديات من جهة، والفوز بقضايا جديدة للنضال أو بأجيال شابة تدعم حقوق الإنسان من جهة أخرى، بل تتعدى ذلك، وكذا سجل الحقوق السياسية والمدنية، التي تعد بصمة أصيلة من صلب وماهية المنظمة (الحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية – التي بادروا إليها منذ ذلك الحين…). وقد دفعت هذه الخطوة الجريئة أيضا بالمنظمة، تحت رئاسته، إلى «التدخل»، بسلاسة وبدون عقدة، في أوضاع حقوق الإنسان في الأوطان المعروفة بكونها التربة الأصلية لحقوق الإنسان، في شمال حوض البحر الأبيض المتوسط…. لقد فرض هذا الوضع بعد المنظمة الكوني وكذا فخرها واسترجاعها المستقل لكل ما هو كوني أيضا، إذ تعتبر هذه الممارسة عسيرة بالنسبة للآخرين، أما في ما يخص السي بناني، فلا طالما اختار سبلا وطرقا عدة: مرافعات، بلاغات، تحقيقات ميدانية، دراسات وتقارير، مراجع ومعارض ومحاضرات وحلقات نقاش ومشاورات الخبراء ومنتديات وعروض ومقالات صحفية، إلخ.
كيف يسعنا تأكيد صحة هذه المعالم من حياة السي عبد العزيز التي أتطوع لسردها؟ يختار كل فنان رسام بورتريه، بعناية فائقة، زوايا انعكاس الضوء، ويختار تفخيم ملامح بدل أخرى، ويوحي بخصال دون أخرى… ولكن لا يوجد أي لون وأية عبارة تجسد، بمنتهى الأمانة والدقة، ذلك الجزء المهيمن في الصورة غير تلك الطاقة الهائلة والسخاء الكبير اللذين لا يبخلان بالقوى الفكرية والجسدية لرجل فصيح اللسان وسريع الكلام، بالتأكيد، بيد أنه يتقبل دوما رأي الآخرين بصدر رحب، من خلال نقاشاته المتميزة بتضارب للأفكار والصراحة والصدق. هو محام لا يعرف التسلط قط، كما يظن أولئك الذين لا تُطرب مسامعهم المناقشات ولا تضارب الأفكار والآراء. فقد بات شغف الأستاذ بناني الصادق للنضال من أجل حقوق الإنسان يكسبه، باستمرار، ثقة مخاطبيه وحتى معارضيه، مهما علت درجة عنادهم، وفي نهاية المطاف هذه الثقة هي التي تثبت خبرته وتشرفه.
ثقة، خبرة، شغف صادق تتخللهم جدية شبه-صوفية تتعلق بذاته أولا وقبل كل شيء، وهي الخصال التي طمأنت الأجيال الثلاثة ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان التي أجرت هيئة الإنصاف والمصالحة التحريات بشأنها منذ 1956، فقد وضع هؤلاء ثقتهم في ذلك الرجل، المناضل، ضحية سابقة ذاقت مرارة معاناتهم، والمدافع المتمكِّن، حيث أنهم التجأوا إليه وإلى لجنته، واضعين بين يديه شهاداتهم الطافحة بالألم، خلال التحقيقات وجلسات الاستماع في سبيل تقصي الحقائق وجبر الضرر، وهو مسار يتسم بالحكمة والاتزان، في عهد الأيقونة الشهيرة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، المرحوم إدريس بنزكري «با ادريس».
يسري في عروق الأستاذ بناني دم ذلك المناضل السياسي والمحامي الكفء المتشبع والمقولب بالمحاكمات السياسية، وقد شكلت هذه المرافعات المحرك الأساسي أو المنهج الضروري لخوض غمار حقوق الإنسان وثقافتها، أتم تكوينه داخل المحكمة خلال مرافعاته وفي السجون أيضا. وفي النهاية، قاده ضميره اليقظ في ما يتعلق بحقوق الإنسان ومحاربة الظلم الراسخ في النفوس إلى إنشاء ركيزة النضال والمعارك والعوامل والمعايير لفائدة جيلين أو ثلاثة، من أجل احترام حقوق الإنسان وصيانتها، وهو الهدف السامي الذي نأمل أن يكون مسارا لا رجعة فيه على المدى الطويل، على المستويين المجتمعي والثقافي، وأن يتجاوز التجارب التي راكمناها على الصعيدين السياسي والمؤسساتي، بفضل رجال ونساء من طراز السي عبد العزيز بناني، وبعزمه القوي وصدقه الواعي بمخلفات الظلم والتعسف اللذين يمسان كرامة الإنسان، يتجاهل الأستاذ بناني جحود البعض وعدم امتنان البعض الآخر، مع أن ذلك أمر صارخ للغاية… فلم يعد يكترث لغياب امتنان الآخرين، منهم من دافع عنهم ومنهم من ساعدهم على التمتع بالحق في كرامتهم الإنسانية أو استرجاعها.
ومن وجهة نظري، فهذه الفرصة التي أتيحت لي ولزملائي من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان حقا لن تضاهي السعادة التي أحسسنا بها حينما كنا نسعى سويا بكل ما نملكه من قوى، أنا كتلميذ مشاكس أمام أستاذ مشاكس أيضا إلا أنه يتمتع بخبرة عالية، لاختيار كلمة أو صيغة أو تحوير عبارات أو تلخيص فقرة طويلة في إطار مشروع بلاغ…. وحصل ذلك – وكأنه البارحة – عندما كان النضال من أجل حقوق الإنسان يخاض في بيئة خالية من ثقافة حقوق الإنسان وتعج بالمخاطر بالنسبة للمناضلين والرواد رفقاء الأستاذ بناني.
أتقدم بشكري الخالص لك السي عبد العزيز، وأود أن يكون هذا الشكر عابرا للأجيال، وأوجه سلاما خاصا للفنان الذواق للفنون والذي تزعم نضالا نبيلا يضع الإنسان في قلب قضاياه، أنت تحفة فنية تشهد على مسار تاريخ الكفاح من أجل حقوق الإنسان في هذا البلد.
(*) عضو مؤسس للمنضمة المغربية لحقوق الإنسان، عضو سابق في المكتب الوطني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.