طنجة: وفاة الأربعيني الذي أضرم النار في جسده بشارع أهلا متأثرا بحروقه البليغة    بنك المغرب: ارتفاع الديون المتعثرة ب4,5 في المائة    700 مليون درهم لدعم مربي الماشية وإعادة تكوين القطيع الوطني    وزارة الصحة الإيرانية تعلن مقتل 627 شخصا في الهجمات الإسرائيلية    أولمبيك الدشيرة يحرز لقب أول نسخة من كأس التميز    تفاصيل الحكم بالسجن على بطل الكيك بوكسينغ جمال بن صديق في بلجيكا    موجة حر غير مسبوقة تضرب المغرب لستة أيام متتالية.. الأرصاد الجوية تحذر وتعلن مستوى يقظة برتقالي    أسبوع دموي على الطرقات.. 23 قتيلاً ومئات الجرحى في أزيد من 2000 حادثة سير بالمغرب    مأساة.. أربعيني يُضرم النار في جسده ويفارق الحياة بعد 24 ساعة من المعاناة    الداخلية تشرع في إعداد لوائح المجندين الجدد تنفيذا للتعليمات الملكية    موازين.. الفناير تراهن على التراث والتجديد لمواجهة ضغوط السوشيال ميديا    كأس العالم للأندية.. مبابي يستأنف تدريباته الجماعية مع ريال مدريد    مونديال الأندية.. دورتموند يقهر أولسان وفلومينينسي يفلت من كمين صنداونز    عكس باقي مدن الشمال .. حملات محتشمة بإقليم الحسيمة لتحرير الشواطئ    إعلام فرنسي: أشرف حكيمي قدم موسما استثنائيا ويستحق الكرة الذهبية    نزاع حول حقوق هولوغرام عبد الحليم حافظ يشعل مواجهة قانونية بين XtendVision ومهرجان موازين    ولد الرشيد يجري مباحثات مع نائب رئيس جمهورية السلفادور حول سبل تعزيز التعاون الثنائي    توقعات طقس الأربعاء في المغرب    لجنة مركزية من وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تحل بشفشاون لمواكبة التلقيح ضد الحصبة    أول مصنع من نوعه خارج القارة الآسيوية .. المغرب يدخل عصر البطاريات الخضراء باستثمار 20 مليار درهم    انقلاب شاحنة على الطريق الوطنية رقم 2 باقليم الحسيمة يخلف اصابات    بعد وفاة مؤسسه بنعيسى... موسم أصيلة الثقافي الدولي يواصل مسيرته بصيغة صيفية حافلة بالفنون    ابتلاع كيس يحتوي على مخدرات يودي بحياة موقوف بطنجة خلال تدخل أمني    السياحة المغربية تحقق أداء قويا في 2025 بارتفاع العائدات وعدد السياح    انطلاق أول عملية توريق للديون المتعثرة وأخرى قيد الإعداد    اجتماع بوزارة الداخلية لتحديد معايير استخراج أسماء المدعوين لأداء الخدمة العسكرية برسم الفوج المقبل للمجندين    ارتفاع حصيلة شهداء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 56 ألفا و156 منذ بدء الحرب    إيران تؤكد أن منشآتها النووية "تضررت بشدة" جراء الهجمات الأميركية    الملك محمد السادس يهنئ أمير قطر بذكرى توليه الحكم    مبادرة مدنية ترفض حرمان الجمعيات من التبليغ عن الفساد وتعتبره دوسا على الدستور والالتزامات الدولية للمغرب    دراسة تحذر: انتكاسات كبيرة في برامج التلقيح تعرض الأطفال لخطر الأمراض القاتلة            كأس العالم للأندية.. طاقم تحكيم كندي بقيادة درو فيشر يدير مباراة العين الإماراتي والوداد الرياضي    المنتخب المغربي النسوي يبدأ تحضيراته استعدادا لكأس أمم إفريقيا    بنكراد: معظم المحتجين في 20 فبراير بمجرد ما عرضت عليهم المناصب ذهبوا لها وانفضوا    بكين.. مؤتمر يستكشف أوجه التعاون الصيني – المغربي في قطاع السياحة    مع استمرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران جيش الاحتلال يواصل استهداف غزة واتصالات لوقف الحرب وسط وعود جديدة لترامب        طنجة.. كلب يهاجم فتاة وسائق يدهس شابا ويلوذ بالفرار    عودة الدواجن البرازيلية إلى الأسواق المغربية بعد زوال المخاطر الصحية    مقتل 6 من جنود اسرائيليين في قطاع غزة    أكاديمية المملكة تنظم تظاهرة دولية    مجلس النواب الأميركي يرفض مبادرة لعزل ترامب    الجواهري: الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي بسبب تصاعد حالة اللايقين العالمية    ترامب يؤكد مجددا أن المواقع النووية في إيران "دمرت بالكامل"    كأس العالم للأندية لكرة القدم.. فلامنجو البرازيلي يتعادل مع لوس أنجلوس الأمريكي (1-1)    أموال الناظور تمول مدنا أخرى.. أين الأبناك من تنمية المنطقة ودعم الرياضة والثقافة كما أرادها جلالة الملك؟    مجموعة بريكس تدعو إلى "كسر حلقة العنف" في الشرق الأوسط    والي بنك المغرب يدعو الحكومة إلى إنجاح برامج تمويل المقاولات الصغرى    مؤسسة أحمد الوكيلي تطمح إلى إخراج "الآلة" من النخبوية الموسيقية    بعد غياب طويل.. عودة الإعلامية لمياء بحرالدين للساحة الإعلامية بشكل جديد    قهوة بالأعشاب الطبية تثير فضول زوار معرض الصين – جنوب آسيا في كونمينغ    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ عبد العزيز بناني: عندما يغمُر الشغف بنوره الكفاءة لتحقيق الكرامة

نظم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يوم السبت الماضي بالرباط، حفلا تكريميا لعبد العزيز بناني، الرئيس السابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان وعضو سابق بهيئة الإنصاف والمصالحة، وذلك في إطار الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف 10 دجنبر من كل سنة
وحضر هذا الحفل التكريمي العديد من الفعاليات الحقوقية والسياسية يتقدمهم المجاهد الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، محمد اليازغي، محمد بنسعيد أيت إيدر، فتح الله ولعلو، محمد الصديقي، محمد أوجار، إدريس اليزمي،مبارك بودرقة، محمد الحلوي، عبد العزيز بنزاكور، محمد النشناش، محمد الصبار، عبد الكريم المانوزي وخديجة المروازي وغيرهم من الشخصيات التي طبعت تاريخ المغرب السياسي ونضاله الحقوقي .
وبهذه المناسبة أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان كتابا عن المحتفى به بعنوان « عبد العزيز بناني المدرسة» جامعا لمساهمات العديد من أصدقاء بناني ورفقاء دربه، من بينهم وزير العدل محمد أوجار، و الحبيب بلكوش، وعبد الإله بن عبد السلام، ومنية بناني الشرايبي، وأمينة بوعياش ومحمد النشناش، وهما رئيسان سابقان بالمنظمة المغربية لحقوق الإنسان.
كما ساهم في الكتاب المحجوب الهيبة، وادريس اليزمي، وصلاح الوديع، ومحمد الصبار، وسعيد السولامي، وأحمد حرزني، ومصطفى يزناسني، ومصطفى العراقي، وبوبكر لاركو، الرئيس الحالي للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وخديجة المروازي، وربيعة الناصري، وجمال الدين الناجي، ومحمد اليازغي، وفتح الله والعلو، وخالد الناصري، وفاطنة سرحان، بالإضافة إلى مساهمات عدد من المحامين، من بينهم النقيب عبد الرحيم الجامعي، مصطفى الناوي، خالد السفياني، عبد الكبير طبيح، حورية صادق التازي، وسعدية وضاح.
وخلال هذا الحفل التكريمي القيت كلمات تطرقت إلى مسار الأستاذ عبد العزيز بناني ونضاله من أجل حقوق وكرامة الإنسان عبر العديد من المحطات التي شهدها تاريخ بلادنا
وفي مايلي كلمة جمال الدين ناجي التي ضمنها كتاب عن المحتفى به…
لو كنتم من جيلي وتحتفظون بقصاصات صفحة تشهد على زمن سنوات الرصاص، أتمنى أن تكونوا قد احتفظتم ببعض الصور التي تروي أحداث المحاكمات السياسية آنذاك(مراكش، الدار البيضاء على وجه الخصوص). وقد تتعرفون على أصحاب الزي الأسود وسط قاعة الجلسات المكتظة عن آخرها، أشهر من نار على علم، حينذاك، بمرافعاتهم ونضالاتهم التي قادت بعضهم إلى تذوق مرارة السجن والمنفى والتعذيب، والتي ساعدت معظمهم لاحقا (ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي) في تشييد مطالب استرداد حقوق الإنسان والديمقراطية بالمغرب بشتى طرقها، ويدعى هؤلاء: عبد الرحيم بوعبيد، محمد التبر، عبد الرحيم برادة، عمر بنجلون، امحمد بوستة، ابن عامر، الفاروقي، الصديقي، محمد بوزوبع، المعطي بوعبيد، محمد كرم، صابري، الولادي وآخرون… في الأربعين والثلاثين من عمرهم، نجد من بينهم شخصا مفعما بالنشاط والحماس، رغم بنيته الضعيفة: الأستاذ عبد العزيز بناني.
كان الخصوم أو السُذَّج يعتبرون هذا النشاط البارز اضطرابا مفرطا أو حتى تطرفا عقيما، فهذا النوع من النشاط هو الأمر الذي لفت أنظاري طيلة المحاكمات الجائرة الصادرة في حق العديد من زملائي بالثانوية أوالجامعة أو الاتحاد الوطني لطلبة المغرب التي سجلها شهر يناير 1977، وشكّلت المحاكمات السياسية بالنسبة لهذا المحامي الشاب الشغوف بمنصة الشهود والسجال العلني، فرصة لصقل موهبته وتطوير براعته. وكان خيرَ خلف للأستاذ جون-شارل لوكران، أبرز المدافعين عن المقاومين خلال فترة الاستعمار، بتوليه لمكتبه الكائن بساحة «مارشال» بالدار البيضاء، كان هذا الرمز يقدح ذهني يوم كنا نشرع سويا في المراجعة الأخيرة قبل طبع أول مؤلف حول «حرية الصحافة والإعلام بالمغرب، تحديات وآفاق» الذي نشرته المنظمة المغربية لحقوق الإنسان سنة 1995.
وقد التقيت لأول مرة بالأستاذ بناني في مراسم تشييع ودفن صديقي ورفيق دربي، الذي لا طالما تقاسم وإياي ميولاتي الثقافية والذوقية وقضيت بمعيته أوقاتا ممتعة، المرحوم محمد الركاب الذي وافته المنية سنة 1990. وقد ألقى الأستاذ بناني ذلك اليوم كلمة تأبين مؤثرة في مقبرة الشهداء، الأمر الذي عَهِدناه في جل مداخلاته. ومن الجلي أنه منذ ذلك اليوم إلى الحين، لم يحظ بالتكريم والتقدير المفروضين للإشادة بمآثر ومناقب أحد أعلام السينما والتلفزة، وأحد مؤسسي المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، الذي انطفأت شعلته مبكرا في محاولاته الخارقة والمنهكة لوضع لبنته رغم المشقة التي يقتضيها بناء دولة الحق والقانون، القائمة على احترام الكرامة الإنسانية وتعزيز المناصفة للشعب وثقافته اللذين يتعرّضان للتجاهل والإقصاء باعتبارهما حقا مشروعا بالنسبة للمواطنين والمواطنات المغاربة.
عندما تمّكن رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، الأستاذ بناني، من إقناعنا نحن أعضاء المكتب الوطني بإعلان يوم 3 غشت « يوما وطنيا لحقوق الإنسان»، أعرب عن رغبته الملحة في وصول الشعب المغربي إلى تبني واسترجاع وتوطين المبادئ والموروثات الكونية لحقوق الإنسان، فإذا كنا نشاطر العالم بأسره تخليد يوم 10 دجنبر، أليس من الرمزي والتحفيزي، بالنسبة لنا كمغاربة، الاحتفاء الآن وعلى أرضنا بيوم وطني مماثل؟ فمن المؤكد أن كونية هذا الخيار من شأنها أن تعزز هذه الحقوق…ولا شك أن أَمَلك قد خاب تماما مثلي يا أستاذ، فيوم الثالث من غشت تركه"مجتمع حقوق الإنسان» ، مع مرور الزمن، في طي النسيان! لقد أَبَنت عن شغفك وعملك على قدم وساق من أجل بناء مشاريع شبه حضارية تُرسخ ثقافة حقوق الإنسان وقيمها عند الحاكمين والمحكومين، كما أنك برهنت وما زلت تبرهن عن إصغائك للغير رغم أنك دائما ما تبدو- الشيء الذي لا يروق للبعض- مستعجلا لاتخاذ الإجراءات اللازمة بل متسرِّعا أيضا… ياحسرتاه! لو أن كل المغاربة تحلَّوا بخصالك تلك المتمثلة في الرغبة والإرادة والإصرار في اتخاذ الإجراءات على عجلة من الأمر! في أغلب الأحيان، كان يمكننا، نحن بعض أعضاء المكتب الوطني للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، الإنصات ببالغ الاهتمام، لجعلك حليفا ومحاميا لنا لإقناع أعضاء المجلس الوطني الآخرين بتعريج حقوق الإنسان من ذلك المسار النضالي المعتاد ومن منطقة الأمان التي يمكن الاصطلاح عليها دون أية مبالغة بالثقافة النضالية «للبلاغ»… هكذا أقدمنا بصحبتك على الخروج بحقوق الإنسان بمعنى المنظمة المغربية لحقوق الإنسان إلى الشارع بين سنتي 1991 و1995… وبالأحرى، في المعارض العمومية للفن التشكيلي (معرض نظمه الفقيد محمد القاسمي، جمع 22 رساما في رواق باب الرواح بالرباط) والقاعات السينمائية (أيام السينما وحقوق الإنسان المنظمة بالرباط والدار البيضاء بالقاعات العمومية) والمسارح وقاعات العروض (الحفل الموسيقي للمرحوم منير بشير الموسيقار العراقي العملاق عازف العود، بمسرح محمد الخامس)… دون إغفال إسهامك الحتمي في إقامة مشروع ذي بعد وطني ومجتمعي بمقر المنظمة كحجر أساس من أجل: تحرير أدب السجون والاعتراف به أوعقد مشاورات مطولة حول وضع المرأة في إطار غير حزبي، الأمر الذي كان سيؤدي في ما بعد إلى عريضة المليون توقيع الشهيرة…لقد كُنت أول متطوع والأكثر مواظبة في تزويد الصفحات الخاصة ببعض الجرائد في ما يخص تحسيس وتقديم شروحات ديداكتيكية حول النصوص الأساسية والكونية لحقوق الإنسان وما تحمله في ثناياها من قيم تهم العموم…
لم يمنع الحماس من أجل العمل والارتقاء بالقضية واستثمار الرموز (لقاءات فنية، تواريخ، مؤلفات…)، الأستاذ بناني من توخي الحيطة والحذر، خاصة عندما تكون استقلالية المناضل وغيرته على قضيته التي قد تكون مهددة بشبهات واضحة أو محتملة. هكذا رفضنا بحِكمة مِنحة عرضها علينا الوزير الأول الفرنسي (عن طريق لجنة حقوق الانسان) في الوقت الذي كنا ننفق من أموالنا الخاصة بتحملنا عبء التكاليف الضرورية لعمل المنظمة. كل نضال يشُقّ عصا الطاعة ويعارض الوضع الراهن ولاسيما عندما يكون هذا النظام غير منصف أو قاهر، لن يكون مصداقيا ولا فعالا إلا إذا حافظ على استقلاليته المادية أولا، التي قد تخضع لها خيارات وأهداف هذا النضال بشكل مباشر أو غير مباشر. ولعل سبب إشارتي إلى هذا المنعطف، الذي ربما لا يرد في طيات أرشيفات ذاك الزمن بالمنظمة، يرجع إلى غياب أو قلة أنصار هذه العقيدة، فإننا نشهد اليوم، وبكل وضوح، الانحراف والاستغلال الذي يطال الحركات النضالية التي تدافع عن مختلف القضايا، سواء تعلق الأمر بالساحة السياسية أو بما يطلق عليه «المجتمع المدني». فكيف يمكننا إذن الانتماء إلى «مجتمع مدني» واحد دون الامتثال إلى نهج صارم كهذا، إلى عقيدة مشتركة تهدف إلى تحقيق استقلالية الاختيارات وكذا الوسائل؟
وينبغي الأخذ بعين الاعتبار أن التنازل عن الفرص غير المتوقعة أو المحفوفة بالمخاطر، رغم قيمتها، لا يشكل البتة عائقا أمام تقدم الفرد وتألقه بمؤهلاته الخاصة، ولو كانت متواضعة، حيث أنها تضفي مع ذلك قيمة مضافة على الملكية والاستقلالية. ويعد إنشاء الموقع الالكتروني للمنظمة، حتى قبيل تصميم أول موقع رسمي للدولة المغربية (موقع وزارة الاتصال)، مجرد برهان واحد عن الإنجازات التي ساهم في تحقيقها الرئيس بناني، فقد اعتبرنا هذا الموقع في جوهره كونيا، لأنه كان يرمي إلى خلق شبكات تربط بين المدافعين عن حقوق الإنسان داخل القارة الافريقية… التشبيك هو كلمة سحرية في زمننا الحالي، كانت تعد آخر علامات الشغف التي تشبع بها الأستاذ البناني، فقد كان أكثر استباقية منا في المضي نحو التشبيك، الشيء الذي جعله يتمتع بسمعة صانع/ميسر الشبكات الدولية، حيث أصبح خبيرا على صعيد العالم العربي والعالم المتوسطي والقارة السمراء. إلا أن هذا الصدى الدولي الذي أضفاه الرائد/زعيمنا على المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، لم يمنعه من البقاء على النهج الذي اتخذه من أجل توسيع نطاقات النضال وإبراز مناضلي حقوق الإنسان وطنيا، وذلك من خلال الخوض في معارك أخرى والالتزام بقضايا جديدة. فقد بذل قصار جهده لجعل المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تحدث فروعا جهوية (الدار البيضاء، فاس…)، ثم نقل صوت المنظمة داخل مناقشات وتوصيات المناظرة الوطنية الخاصة بالإعلام والاتصال والمنعقدة في مارس 1993، إضافة إلى منتديات ومحافل وطنية ودولية أخرى ذات صدى مماثل أو أوسع. كما تم تكييف هذه النظرة الاستراتيجية، بسبل بدت مستعجلة، ليس فقط لإقامة علاقة فعلية بين البعدين الوطني والدولي ونسج صلة وثيقة بين استغلال الفضاءات والمنتديات من جهة، والفوز بقضايا جديدة للنضال أو بأجيال شابة تدعم حقوق الإنسان من جهة أخرى، بل تتعدى ذلك، وكذا سجل الحقوق السياسية والمدنية، التي تعد بصمة أصيلة من صلب وماهية المنظمة (الحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية – التي بادروا إليها منذ ذلك الحين…). وقد دفعت هذه الخطوة الجريئة أيضا بالمنظمة، تحت رئاسته، إلى «التدخل»، بسلاسة وبدون عقدة، في أوضاع حقوق الإنسان في الأوطان المعروفة بكونها التربة الأصلية لحقوق الإنسان، في شمال حوض البحر الأبيض المتوسط…. لقد فرض هذا الوضع بعد المنظمة الكوني وكذا فخرها واسترجاعها المستقل لكل ما هو كوني أيضا، إذ تعتبر هذه الممارسة عسيرة بالنسبة للآخرين، أما في ما يخص السي بناني، فلا طالما اختار سبلا وطرقا عدة: مرافعات، بلاغات، تحقيقات ميدانية، دراسات وتقارير، مراجع ومعارض ومحاضرات وحلقات نقاش ومشاورات الخبراء ومنتديات وعروض ومقالات صحفية، إلخ.
كيف يسعنا تأكيد صحة هذه المعالم من حياة السي عبد العزيز التي أتطوع لسردها؟ يختار كل فنان رسام بورتريه، بعناية فائقة، زوايا انعكاس الضوء، ويختار تفخيم ملامح بدل أخرى، ويوحي بخصال دون أخرى… ولكن لا يوجد أي لون وأية عبارة تجسد، بمنتهى الأمانة والدقة، ذلك الجزء المهيمن في الصورة غير تلك الطاقة الهائلة والسخاء الكبير اللذين لا يبخلان بالقوى الفكرية والجسدية لرجل فصيح اللسان وسريع الكلام، بالتأكيد، بيد أنه يتقبل دوما رأي الآخرين بصدر رحب، من خلال نقاشاته المتميزة بتضارب للأفكار والصراحة والصدق. هو محام لا يعرف التسلط قط، كما يظن أولئك الذين لا تُطرب مسامعهم المناقشات ولا تضارب الأفكار والآراء. فقد بات شغف الأستاذ بناني الصادق للنضال من أجل حقوق الإنسان يكسبه، باستمرار، ثقة مخاطبيه وحتى معارضيه، مهما علت درجة عنادهم، وفي نهاية المطاف هذه الثقة هي التي تثبت خبرته وتشرفه.
ثقة، خبرة، شغف صادق تتخللهم جدية شبه-صوفية تتعلق بذاته أولا وقبل كل شيء، وهي الخصال التي طمأنت الأجيال الثلاثة ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان التي أجرت هيئة الإنصاف والمصالحة التحريات بشأنها منذ 1956، فقد وضع هؤلاء ثقتهم في ذلك الرجل، المناضل، ضحية سابقة ذاقت مرارة معاناتهم، والمدافع المتمكِّن، حيث أنهم التجأوا إليه وإلى لجنته، واضعين بين يديه شهاداتهم الطافحة بالألم، خلال التحقيقات وجلسات الاستماع في سبيل تقصي الحقائق وجبر الضرر، وهو مسار يتسم بالحكمة والاتزان، في عهد الأيقونة الشهيرة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، المرحوم إدريس بنزكري «با ادريس».
يسري في عروق الأستاذ بناني دم ذلك المناضل السياسي والمحامي الكفء المتشبع والمقولب بالمحاكمات السياسية، وقد شكلت هذه المرافعات المحرك الأساسي أو المنهج الضروري لخوض غمار حقوق الإنسان وثقافتها، أتم تكوينه داخل المحكمة خلال مرافعاته وفي السجون أيضا. وفي النهاية، قاده ضميره اليقظ في ما يتعلق بحقوق الإنسان ومحاربة الظلم الراسخ في النفوس إلى إنشاء ركيزة النضال والمعارك والعوامل والمعايير لفائدة جيلين أو ثلاثة، من أجل احترام حقوق الإنسان وصيانتها، وهو الهدف السامي الذي نأمل أن يكون مسارا لا رجعة فيه على المدى الطويل، على المستويين المجتمعي والثقافي، وأن يتجاوز التجارب التي راكمناها على الصعيدين السياسي والمؤسساتي، بفضل رجال ونساء من طراز السي عبد العزيز بناني، وبعزمه القوي وصدقه الواعي بمخلفات الظلم والتعسف اللذين يمسان كرامة الإنسان، يتجاهل الأستاذ بناني جحود البعض وعدم امتنان البعض الآخر، مع أن ذلك أمر صارخ للغاية… فلم يعد يكترث لغياب امتنان الآخرين، منهم من دافع عنهم ومنهم من ساعدهم على التمتع بالحق في كرامتهم الإنسانية أو استرجاعها.
ومن وجهة نظري، فهذه الفرصة التي أتيحت لي ولزملائي من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان حقا لن تضاهي السعادة التي أحسسنا بها حينما كنا نسعى سويا بكل ما نملكه من قوى، أنا كتلميذ مشاكس أمام أستاذ مشاكس أيضا إلا أنه يتمتع بخبرة عالية، لاختيار كلمة أو صيغة أو تحوير عبارات أو تلخيص فقرة طويلة في إطار مشروع بلاغ…. وحصل ذلك – وكأنه البارحة – عندما كان النضال من أجل حقوق الإنسان يخاض في بيئة خالية من ثقافة حقوق الإنسان وتعج بالمخاطر بالنسبة للمناضلين والرواد رفقاء الأستاذ بناني.
أتقدم بشكري الخالص لك السي عبد العزيز، وأود أن يكون هذا الشكر عابرا للأجيال، وأوجه سلاما خاصا للفنان الذواق للفنون والذي تزعم نضالا نبيلا يضع الإنسان في قلب قضاياه، أنت تحفة فنية تشهد على مسار تاريخ الكفاح من أجل حقوق الإنسان في هذا البلد.
(*) عضو مؤسس للمنضمة المغربية لحقوق الإنسان، عضو سابق في المكتب الوطني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.