الوداد ينهزم أمام كوجالي سبور في أولى مبارياته الودية بتركيا        كرة القدم.. سون هيونغ-مين يعلن رسميا رحيله عن توتنهام    المغرب، بقيادة جلالة الملك، نف ذ إصلاحات منهجية موجهة نحو المستقبل (صحيفة صينية)    رسوم ترامب الجمركية تُربك الاقتصاد العالمي وتُسقط البورصات وسط مخاوف دولية واسعة    "فوج السلطان أحمد المنصور الذهبي".. سليل الناظور أسامة بلهادي يؤدي القسم أمام جلالة الملك    عيد العرش: وزير الداخلية يعقد لقاء عمل مع الولاة والعمال المسؤولين بالإدارة الترابية والمصالح المركزية للوزارة    نيابة نانتير الفرنسية تطالب بإحالة حكيمي على المحكمة الجنائية بتهمة الاغتصاب    سباق الذكاء الاصطناعي يدفع عمالقة التكنولوجيا إلى إنفاق 344 مليار دولار    تفوق مغربي لافت.. 24 تلميذا يجتازون بنجاح مباراة ولوج المدرسة متعددة التقنيات بباريس    تجربة السفر تختلف بين معبر مليلية وميناء بني انصار.. والأخير يحظى بالإشادة    في رحيل زياد الرّحْباني (1956-2025) سيرةُ الابْن الذي كَسَّر النَّاي .. ومَشَى    بلجيكا.. اطلاق نار على مراهق في مولنبيك    دراجة نارية مسرعة تصدم شخصين بطريق طنجة البالية وإصابة أحدهما خطيرة    الحدود المغربية الجزائرية في الخطاب الملكي    ترامب يأمر بنشر غواصتين نوويتين ردا على تصريحات روسية "استفزازية"    غزة.. ارتفاع وفيات التجويع الإسرائيلي إلى 162 فلسطينيا بينهم 92 طفلا        أمين حارث يُقنع دي زيربي ويعزز حظوظه في البقاء مع مارسيليا    المنتخب المغربي يدخل "الشان" بخبرة البطولات وطموح التتويج    سعر الدولار يتراجع بعد بيانات ضعيفة    مديرية الأرصاد الجوية تحذر من موجة حر من السبت إلى الأربعاء بعدد من مناطق المملكة    وزير العدل : لا قانون يلزم الموظفين بشهادة مغادرة البلاد    الجمارك المغربية تحبط محاولة تهريب أزيد من 54 ألف قرص مهلوس بباب سبتة    تقدير فلسطيني للمساعدة الإنسانية والطبية العاجلة للشعب الفلسطيني، وخاصة ساكنة قطاع غزة    لقاء سياسي مرتقب بوزارة الداخلية لمناقشة المنظومة الانتخابية المقبلة        تتناول قضية الصحراء المغربية.. الكاتب الطنجاوي عبد الواحد استيتو يطلق أول رواية هجينة في العالم    "مكتب الفوسفاط" يخطط لزيادة إنتاج أسمدة "تي.إس.بي" إلى 7 ملايين طن نهاية 2025    المبعوث الأميركي ويتكوف يزور غزة وسط كارثة إنسانية    رشيد الوالي: فيلم «الطابع» تكريم للعمال المغاربة في مناجم فرنسا    المهرجان المتوسطي للناظور يختتم نسخته الحادية عشرة وسط حضور جماهيري غير مسبوق    عبد العلي النكاع فنان مغربي يبدع بإلهام في فن التصوير الفوتوغرافي الضوئي    مصدر رسمي: نسب ملء مؤسسات الإيواء تؤكد الدينامية السياحية بالمغرب    وثائق مزورة وأموال "النوار" .. فضائح ضريبية تنكشف في سوق العقار    دراسة: مشروب غازي "دايت" واحد يوميا يرفع خطر الإصابة بالسكري بنسبة 38%    رئيس البنك الإفريقي للتنمية: المغرب بقيادة الملك محمد السادس يرسخ مكانته كقوة صاعدة في إفريقيا    الشيخات وجامعة ابن طفيل.. أين يكمن الخلل؟    دراسة تُظهِر أن البطاطا متحدرة من الطماطم    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية البنين بمناسبة العيد الوطني لبلاده    إسبانيا تُزيل علمها بهدوء من جزيرتين قبالة سواحل الحسيمة    مجدلاني يشيد بالمساندة المغربية لغزة    أسامة العزوزي ينضم رسميا إلى نادي أوكسير الفرنسي    أربعة قتلى حصيلة سلسلة الغارات الإسرائيلية الخميس على لبنان    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    ديواني: اعتماد الحافلات الكهربائية في المغرب يطرح تحديات متعددة    "غلوفو" توقع اتفاقا مع مجلس المنافسة وتعلن عن خطة دعم لعمال التوصيل    تحكيم المغرب خارج مونديال الفتيات    أوسيمهن ينضم لغلطة سراي بصفة نهائية مقابل 75 مليون أورو    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    بعد فصيلة "الريف" اكتشاف فصيلة دم جديدة تُسجّل لأول مرة في العالم        ما مدة صلاحية المستحضرات الخاصة بالتجميل؟    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    على ‬بعد ‬أمتار ‬من ‬المسجد ‬النبوي‮…‬ خيال ‬يشتغل ‬على ‬المدينة ‬الأولى‮!‬    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصص قصيرة. .على شفا حُفْرة

في مدينة الدهليزالأطول، الممتد في ضيق لا مثيل له، سهوتُ فسرتُ بضع خطوات في زقاق ، فقادتني نحو حارة المدفونين، وتنبهت إلى نوافذ، كنّ ثلاثأ، أو اثنتين ربما، كانتا مغلقتين إغلاقاً محكما، وقد أضيفت لتثبيت إغلاقهما من الخارج ألواح سُمِّرَتْ على شكلِ ، علامات الضرب أو صلبان مائلة، ما إن رأيت إلى إحداها حتى وصلني صوت يصرخ ، كأنه عربيد ، أو مقيد يحاول التخلص مما يعوق حركته، وقد يكون بكاءُ مجنون مقيد، أورثه طول أسره جنوناً، فصار لا يكف عن الصراخ طلباً للنجدة فيما يظن، إذا وصل صوته إلى عابر سبيل ، ومن النوافذ الأخرى كانت تنبعث أصوات قطط محاصرة وكلاب محبوسة وبشر أسارى كثيرين، وطبول وادوات موسيقى نحاسية تعزف بجنون ثم تسكت على حين غرة، وقلما يعبر أحد المارة هذه الحارة التي لا يعرف أولها من آخرها، فليست بعيدة عنها مدافن المدينة التي سارت بذكرها الركبان، وإذا كان يكثر في ما نرى زوار مقابر يدفن فيها أهل الدهليز موتاهم، فلا يزور حارة المدفونين إلا من تقوده خطى تضل السبيل، ويخشى الجميع الوقوع في ما يمكن أن يؤدي بهم إليها، وأنا لم أقصد الذهاب نحوها ، بل وجدتني أحدق في كتابة على جدار فرضت عليّ أن اقترب منها، لعلي أقرأ بوضوح حروفها التي لم يسعفني قصور نظري القصيرمن تهجئتها، فوجدتني أقترب دون شعور من حائط كتب عليه : شارع السور الأعظم ، رغم أن السور كان أقصر من أن يكون جداراً بالمعنى الكامل، وهكذا غصت ، بعض غوص ، في أجواء حارة لو أنني قطعت بها بضع خطى زائدة لذهب بي الدهليز ، ولابتلعتني ظلمات أنفاقه ، إلا أنني سرعان ما أرجعتني إلى وعيي صرخة المجنون التي أتتني من أعماق أحد البيوت ، من وراء نافذة مغلقة، إلا أنني رغم محاولتي التراجع ، للتخلص مما كان يهم أن يطبق عليَّ، كنتُ أحس كأن شيئأً يمسك بساقيّ، ويجمد ركبتيَّ مانعاً إياهما من الحركة، حينما تحوَّلَ الصراخُ المجنونُ إلى قهقهات، وكلام واضح يبدي كثير ترحيب بالوافد الجديد:
مرحباً…مرحبا…لن نتأخر عنك ، وسوف نفتح لك أبوابنا.
فشعرت بنبضات قلبي تعلو، أمام من يدعوني إلى ما أنا في الحقيقة في غنى عنه. ومع اضطراب خفقان في صدري، لم أستطع العثور على صوتي الذي غاص إلى أعماقي، فلم أكن قادراً على جواب بالرفض أو بالقَبول، فرفعت طرفي إلى أعلى باحثاً عن طاقة نور أو نسمة هواء ، فوجدت السقف مظلماً، ثم حاولت يائساً أن أتراجع إلى حيث كانت خطواتي الأولى ، على عتبة هذا الزقاق اللعين، فسمعت ضحكات تعلو ولا تتوقف، حتى جاءني صوت يقول:
أنت في غنى عن أن تسبنا، أو أن تسب حتى الصدفة التي قادتك هذا المساء إلينا أيها الضيف العزيز.
عندها صكت أذنَيَّ أصواتُ إغلاق ابواب على كل الجهات، وأشتد إظلام في المكان من حولي ، وأهازيج في ما يشبه العزيف تتردد ،ولا تهدأ من ورائي وأمامي، ، قريباً مني وعلى بعد غير محدَّدٍ، وهي تعلن على طريقتها الخاصة ترحيبها بالنزيل الجديد، دون أن يكون لي علم بما ستقوم به معي.
دوت انفجارات على شكل شهب اصطناعية، حتى أصبح من العسير عليَّ أن أتبين من يتحرك من خلالها ، أو من أين تنطلق، ومن يطلقها، وكل ما كنت متأكداً منه هو وجود سجن كبير وراء حارة المدفونين، ولربما كان اسمها مستوحىً منه، إن لم يكن مستوحى من المقبرة غيرالبعيدة عن هذا المكان الذي تحيط به أيضاً أفرانٌ وبراميل نيران مدفونة هي أيضاً ،إلا أن اصواتاً مختنقة ، كانما البكاء يمنعها من تنطلق إلى الآفاق، كانت تأتي من بعض الأبراج التي شيدت بأشكال تبعث على الضحك أكثر من اي شيء آخر، كان يعلو منها ما يشبه الأذان ، و ليس كذلك، وإنما غناء سكارى في آخر الليل ، يجددون دعوة بعضهم البعض للقاء على موائد الشراب في حانات أغلقها خصوم الفرح منذ عقود ،ولم يعد المخلصون لمواعيدها يسمعونها أواخر كل ليل، إلا على شكل أنين.
قد ذكرني صوت كان يأتي من أعلى الأبراج ، خارج الحارة، بمن أكون ، ومن أين أتيت، فتمالكت نفسي ، وثبَت جأشي، حينما عاد لي هدوء نبضي، وأنا أتقدم نحو شبح كان يتطاول، ويعلو كأنه من دخان، منتظراً أن أسمع ممن يتمايل أمامي أي كلام، فلما لم يتكلم، قلت وكانما صوتي يخرج من أبعد جهة في صدري:
أما من ضوء يدلني على مخرج مما أنا فيه؟
فارتفع ضحك هادرٌ، وأنا أرى الشبح يتبخر ، والمكان يضاء ، وصوت صديقي عبده السكاكيني ، وهو يقول:
كيف طالت رجلاك ، حتى وصلتْ حارتنا هذه، ألم تكن تعرف شيئاً عن مستشفى مجانيننا التي تنسب إلى صاحب مدينتنا ؟ فإنك الآن في وسطها ،ولولا انك من المحظوظين لكان قد ظفر بك أحد اصحابنا المسلَّحين، ودفنك حيث أعتاد اهل هذه المدينة أن يدفنوا أومواتهم في كل زمان وحين.
أيكون مسعاي في البحث عن نفسي قد قادني إلى حيث كنت على شفا هاوية، أوشِكُ أن أدفن وأنا من الغافلين.
فاحتار السكاكيني بين أن يضحك أو أن يسرع إلى إسعافي قبل أن يعود الشبح اذي كنت حسبته تبخَّر ، وهو في الحقيقة كان قد وقف منزوياً في انتظار أصحابه الآخرين ليجهزوا على طريدتهم ، ويقتسموا غنيمتهم بينهم بالقُسْطَاسِ المستقيم.
ثمّ لذنا بحانة غير بعيدة، وهو يذكر لي وقائع لا تصدق عن حارة المدفونين. سال فيها من الدم أكثر مما صُبَّ على موائد هذه الحانة، ومن أجيال هؤلاء الشاربين، وظلَّ يتكلم وهو يضحك ويشرب، وينظر إلي غير مصدق أنني أمامه وقد أفْلَتُّ من هلاكٍ أكيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.