تعيينات جديدة في مناصب عليا بقطاعات مختلفة    بايتاس: الحكومة تثمن التعاطي الإيجابي للنقابات.. والنقاش يشمل جميع الملفات    الحكومة: لا زيادة في أسعار قنينة الغاز في الوقت الراهن    المغرب يستنكر بشدة اقتحام المتطرفين الإسرائيليين للمسجد الأقصى    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    وضع اتحاد كرة القدم الإسباني تحت الوصاية    الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي : إصدار 2905 تراخيص إلى غاية 23 أبريل الجاري    ألباريس يبرز تميز علاقات اسبانيا مع المغرب    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    الجماعات الترابية تحقق 7,9 مليار درهم من الضرائب    تشافي لن يرحل عن برشلونة قبل نهاية 2025    3 مقترحات أمام المغرب بخصوص موعد كأس إفريقيا 2025    عدد زبناء مجموعة (اتصالات المغرب) تجاوز 77 مليون زبون عند متم مارس 2024    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    من بينها رحلات للمغرب.. إلغاء آلاف الرحلات في فرنسا بسبب إضراب للمراقبين الجويين    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    استئنافية أكادير تصدر حكمها في قضية وفاة الشاب أمين شاريز    مدريد جاهزة لفتح المعابر الجمركية بانتظار موافقة المغرب    الرباط.. ندوة علمية تناقش النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة (صور)    أبيدجان.. أخرباش تشيد بوجاهة واشتمالية قرار الأمم المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي    "فدرالية اليسار" تنتقد "الإرهاب الفكري" المصاحب لنقاش تعديل مدونة الأسرة    رسميا.. الجزائر تنسحب من منافسات بطولة اليد العربية    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    تتويج المغربي إلياس حجري بلقب القارىء العالمي لتلاوة القرآن الكريم    المالية العمومية: النشرة الشهرية للخزينة العامة للمملكة في خمس نقاط رئيسية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    مكناس .. تتويج 12 زيت زيتون من أربع جهات برسم النسخة 14 للمباراة الوطنية    بحر طنجة يلفظ جثة شاب غرق خلال محاولته التسلل إلى عبارة مسافرين نحو أوروبا    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    واشنطن طلبات من إسرائيل تعطي إجابات بخصوص "المقابر الجماعية" ف غزة    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أئمة الفتنة والتطرف

يعتبر المسجد ركنا من أركان الحياة الإسلامية، ولذلك نجده حاضرا في حياة المسلمين منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، يؤدون فيه صلواتهم، ويعرضون فيه أمور حياتهم في أحوال السلم والحرب ويتعارفون فيه، فيجمع شملهم، ويقوي صفوفهم، وفيه يجد المسلم الأمان والمساواة والموعظة الحسنة والطمأنينة النفسية والطهارة الروحية... وغير ذلك من القيم الجميلة التي شرعها الإسلام. ولصلاة الجماعة في يوم الجمعة منزلة كبرى في مجال العبادة، ولذلك يحرص المسلمون -صغيرهم وكبيرهم- على الذهاب إلى المسجد لنيل أجر صلاة الجماعة في أبهى الحلل امتثالا لقوله تعالى: «يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد» (صورة الأعراف: الآية 29)، ولقوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا لذكر الله، وذروا البيع، لكم خير لكم إن كنتم تعلمون، فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله» (سورة الجمعة: الآية 9 و10) غير أن هذا الجو الإسلامي، النقي والطاهر، الصافي والمقدس، الذي ينبغي أن يهيمن على المسجد، أفسده ويفسده بعض الأئمة، أقول بعض الأئمة، دعاة الحقد والكراهية وأنصار العنف والإرهاب، أئمة تسلطوا على منابر الجمعة بغرض قلب الحق باطلا والباطل حقا، بغرض مهاجمة الحداثة والتنوير والثقافة الإنسانية، متأولين نصوص الدين تأويلا سيئا وتوظيفها توظيفا مشبوها، متحذلقين في العبارات بغرض إثارة النقمة والكراهية في صفوف المصلين، ليس فقط ضد الحضارة الإنسانية وضد الثقافات الأخرى، بل ضد إخوانهم من المغاربة الذين يخالفونهم في الرأي والموقف، وهم في كل ذلك لا يصدرون إلا عن نزواتهم السياسية الضيقة، وانتمائهم إلى حزب يعتقد أصحابه أنهم «يكتسحون الساحة»، ويزحفون إلى السلطة (وقد وصلوا؟)، وهم من أجل ذلك يسوغون لأنفسهم كل السبل والوسائل، بما في ذلك أكثر انحطاطا وهي الكذب، بل إن بعضهم بلغ به الغلو، والانحراف عن تعاليم الإسلام وأد حرمة المسجد، إذ قام بالدعاية الانتخابية داخل المسجد... إن هذه هي الطريق المؤدية رأسا إلى الفتنة. إن منبر الجمعة هو مكان للوعظ والإرشاد الديني، وإقامة الصلاة، وليس حلقة للتأطير السياسي، لأن المصلين إن كان يجمعهم الإيمان الديني وتوحد بينهم القبلة، فإن السياسة تباعد بينهم.
هؤلاء الأئمة يستغلون منبر الجمعة لتصريف خطابات ما أنزل الله بها من سلطان، خطابات غاية في الجهل والبعد عن الله تعالى، خطابات تؤسس للإرهاب وتضفي الشرعية على قتل الأبرياء بدعوى أنه «جهاد»، ينشرون خطاب العنف وعنف الخطاب.
لقد ظلت المساجد أوكارا لهذه الطينة الغريبة من الخطباء الذين لا فرق عندهم بين المغرب والسعودية وأفغانستان، يعتدون بالقذف والتحريض والاتهام بالصهيونية والعمالة للأجنبي على أحزاب سياسية وجمعيات مدنية تخالفهم الرأي، يكفرون الجميع، يتهمون كل من يناضل من أجل احترام الاختلاف الفكري والعقائدي، واحترام التعدد الثقافي واللغوي للبلاد، يتهمونه بالزندقة والإلحاد، يهدرون دم كل من انخرط في المشروع الحداثي، ويستبيحون دم كل من يحمل القيم الكونية ذات البعد الحقوقي والإنساني.
يستغلون منبر المسجد ليرشحوا بالسم والحقد والقصور العقلي، وقد ابتلي الإسلام في كل زمان ومكان بهذا الصنف من الأئمة الذين أثبتوا بسبب فهمهم المنحرف للإسلام أنهم لا يصلحون إلا لقيادة قوافل التخلف، ولذلك الآن نصفق على هؤلاء حين نسمع كلامهم عن الإسلام والغرب، وما يتعرض له المسلمون من تحديات العصر والعولمة. أبأمثال هؤلاء ومريديهم ومستخريهم، يمكن للإسلام أن ينتشر، وللمسلمين أن يتحدوا التخلف والعولمة والنظام الجديد؟ إذا كان هؤلاء يشتمون المسلمين في بيت الله، فماذا نقول عنهم حين يتعلق الأمر بموقف هؤلاء من الغرب، وغير المسلمين؟
نحن أمام ظاهرة استفحل خطرها، وتعاظم حجمها، وعلى الجهات المعنية الغيورة على الإمامة أن تفكر في الموضوع بجدية ومسؤولية حتى لا يصل إلى المنبر الدراويش، والطرقيون والمتحزبون والمتشبعون بالفكر الظلامي العنصري، وكل من هب ودب. فليس كافيا في هذا العصر، أن يعرف الشخص نواقض الوضوء لتسند إليه مهمة الإمامة، فيعتلي المنبر، بل أقول إن على الإمام، بجانب الشرط العلمي الديني، أن يكون مسلحا بثقافة العصر، متشبعا بفكر إسلامي تجديدي واجتهادي حقيقي، فكر إسلامي تنويري حديث لا يعلن الحرب على أحد، ولا يزرع الكراهية والحقد، لا يرهب المسلمين وغير المسلمين، يحترم الاختلاف الفكري والتعدد اللغوي...
والغريب أن بعض الأئمة -كما يتبين من خطبهم- يجهلون ألف باء الإسلام، لأن الإسلام دين الانفتاح والتسامح، دين الحب والرحمة، وهؤلاء عرقيون عنصريون، منغلقون متزمتون، يعادون الآخر المختلف، ويهاجمون الغرب ولغاته، ولكنهم ويا للمفارقة، يرسلون أبناءهم إلى كلية الطب وشعب الفرنسية والإنجليزية، ويعلمون أبناءهم في البعثات وفي فرنسا والولايات المتحدة، ويمكن أن أذكر عشرات الأمثلة، والأكثر غرابة أن هؤلاء لا يتورعون عن مخالفة النصوص القرآنية الصريحة، والسنة النبوية الشريفة، فهم ضد الاختلاف والتنوع ولا يلتفتون إلى الآيات العديدة التي تنص على أن الحكمة الإلهية اقتضت الاختلاف في الحياة البشرية، وأكتفي تجنبا للإطالة بقوله عز وجل في الموضوع، «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله بجعلكم امة واحدة» (سورة المائدة: الآية 50) ومن هذا الاختلاف اختلاف ألسنة الناس، فيغيب عن ذهنهم ?أو يغيبون ذلك، قوله تعالى: «ومن آياته خلق السماوات والأرض، واختلاف ألسنتكم وألوانكم» (سورة الروم: الآية 21).
هؤلاء الأئمة لا يجدون حرجا في أن يظهروا بوجهين: وذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها، وجه يظهرهم مؤمنين بالديموقراطية والاختلاف والتسامح، ومنهم من يحاضر في الموضوع،ووجه يظهرهم متعصبين يعادون الاختلاف والتنوع، والمسلمين وغير المسلمين. إن هؤلاء الأئمة كشفوا عن الوجه الحقيقي وأسقطوا أقنعتهم عندما أباحوا لأنفسهم تعطيل سنة الله في خلقه، وركب الجهل والوقاحة، فيشتمون من منبر المسجد من جاء عابدا، طالبا للثواب والغفران والكلمة الطيبة، وفي أحايين كثيرة والمؤمنون يستمعون إلى هؤلاء الأئمة يتساءلون: هل لهؤلاء قرآن يستمدون منه غير القرآن الكريم الذي يعرفونه؟! وهل لهؤلاء سنة غير السنة النبوية الشريفة يعودون إليها؟ فالذي يقره القرآن الكريم هو الاختلاف، والتسامح، والجدال بالحسنى، والكلمة الطيبة، والتعاون بين البشر، ألم يأت في كلامه عز وجل: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم» (سورة الحجرات: الآية 13)، وقوله: «أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن» (سورة النحل: الآية 125)، وقوله: «وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون» (سورة الحجر: الآية 66) وقوله «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن» (سورة العنكبوت: الآية 46) وقوله: «إدفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» (سورة فصلت: الآية 33)، وقوله: «ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء توتي أكلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار» (سورة إبراهيم: الآيات 26، 28).
ونخاف، أيها الأئمة، أن تكونوا بعملكم التحريضي على الحقد والعنف واللاتسامح تحيون ما فعله أبو عامر الخزرجي وجماعته الذين نزل فيهم قوله تعالى: «الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين، وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل، وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى، والله يشهد إنهم لكاذبون، لا تقم فيه أبدا، لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه، رجال يحبون أن يتطهروا، والله يحب المتطهرين» (سورة التوبة: الآيات 108، 109).
فهل تريدون من المسجد/المساجد الذي تحلون به أئمة أن يكون مفرقا للمسلمين كمسجد جماعة أبي عمار؟ أو تريدونه -وهذا ما نرجوه- أن يكون كمسجد «قباء» الذي أسس على الورع والتقوى؟
والذي يظهر أن هؤلاء الأئمة يجيزون لأنفسهم حق تعطيل هذه الآيات، فينفرون المسلمين من الذهاب إلى المساجد، وغير المسلمين من الإقبال على الإسلام، وكيف يقبل على الإسلام من يسمع بعض الأئمة يزعمون أن الإرهاب منصوص عليه في الإسلام وحجتهم قوله تعالى: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم» (سورة الأنفال: الآية 61)، فهل هناك إساءة إلى الإسلام أكبر من هذه؟ وهي آتية على لسان من يزعمون أنهم دعاة، وينسى هؤلاء أو يتناسون القولة العظيمة «بشروا ولا تنفروا، يسروا ولا تعسروا».
والسنة النبوية الشريفة مجال آخر غاب عن هؤلاء الأئمة، فلو قرأوها وفهموها لاستحضروا على المنبر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم المليئة بالقيم الإسلامية الرائعة، فهو المؤمن بالاختلاف بمعناه الواسع، فقد كان يتعامل مع غير المسلمين كاليهود وغيرهم من الأجناس، أو لم يقل فيه القرآن الكريم: «وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا» (سورة سبإ» الآية 28)، «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» (سورة الأنبياء: الآية 106).
لما قررت المرأة المغربية المطالبة باسترجاع إنسانيتها وكرامتها، لما قررت المطالبة بحقوقها وبالمساواة بينها وبين الرجل، ولما عبرت عن إرادتها في المشاركة من أجل تنمية بلدها، وصفها هؤلاء الأئمة بالفسق المستورد من الغرب، وصفوها بالكفر والفجور، وألصقوا بها أقبح النعوت وأبشع الأوصاف، حاربوا القوى الديموقراطية التي تؤمن بحق المرأة في الحياة كإنسانة واعية عاقلة، تتمتع بحرية الإرادة والاختيار، هاجموا بشراسة الفكر الحداثي التنويري الذي يروم تحرير المرأة، الأم، الزوجة، الأخت، البنت، من الجبروت والجهلوت، تحرير المرأة من أوهام وأصنام الفكر القروسطوي، تحريرها من أغلال وقيود الفكر الذي ورثناه من عصور الانحطاط والجمود.
في خطبهم يسلبون المرأة إنسانيتها يشيئونها، يحرمون عليها حق التفكير والتعبير، حق الحرية والاختيار، حق التسيير والتدبير حق الصمود وحق العمل والإنتاج، حق الرفض والاحتجاج، حق السعادة والحياة... المرأة في نظرهم لا شيء، منفعلة لا فاعلة، عليها أن تطيع وتخدم «السي السيد» بضاعة تباع بالبخس الأثمان، موضوع لا ذات موضوع للجنس الذي يمارسه «أمراء الظلام» بكل عنف وحيوانية، المرأة عديمة الفكر والعقل، عديمة الحقوق الطبيعية فالأحرى المدنية، صرخوا وهاجوا، ولولوا وهاجموا، أرعبوا الناس وارهبوهم وحرضوهم على محاربة المرأة ومن يناصر المرأة. المرأة عورة، ومن يدافع عن كرامة المرأة فهو كافر يحارب الإسلام والمسلمين.
في خطبهم يحرمون كل ما هو جميل، يزرعون القبح، ينشرون الحقد والتعصب، يكرسون الجمود والظلام يعانقون الانغلاق والتخلف... أعداء القيم الإنسانية النبيلة، أعداء التسامح والانفتاح، أعداء النور التنوير، أعداء المجتمع والتاريخ، أعداء الله وأعداء الوطن.
ويحرمون الفن بمختلف تجلياته الإبداعية الجميلة، يحرمون الجمال بدعوى انه فتنة، كفر وزندقة والحاد، يحاربون الاختلاف في الرأي، الكلمة جاهزة: هذا يخالف الدين، الإسلام يحرم الاشتغال بالفن، بالموسيقى، بالعلم. يكفرون الديمقراطيين، يستبيحون اغتيال التقدميين يهدرون دم اليساريين...
يجهلون أن للطفولة عالما خاصا، للطفل حقوق، للطفل مؤهلات وقدرات تنمو في فضاء الحرية والجمال... قيدوه بأغاليل الجهل، بالكتب، التي تحكي عن البول والغائط، عن عذاب القبور وهول جهنم... حرام هذا، ممنوع ذاك، عذاب هنا، جهنم هناك، حساب وعقاب ويل وسعير، نار ولهيب... هكذا يغتصبون الطفل ويبعدونه عن عمق الإسلام، إسلام السماحة والانفتاح، إسلام السلام.
ومن الأخطار التي تتهدد مجتمعنا أن هذه الأفكار التي لا سند لها في القرآن والسنة، قد اقتحمت المؤسسات التعليمية، فوجدت لنفسها موطنا ومستقرا، وهذا أمر يجرنا إلى نوعية المدرسين الذين يتولون مهمة التكوين في مراحل التعليم المختلفة، ويبدو أن الأمور هنا أيضا ليست على ما يرام، فما زال هناك من يقول للتلاميذ: اليهود أبناء القردة والخنازير، وأن كراهيتهم واجب شرعي، دون أن يكون لكل هذه الأمور وجود في المقرر الدراسي أو في الكتاب المدرسي الرسمي.
إن من يعرف ما يحدث داخل أقسام الدرس في مؤسسات التعليم لن يصاب بالدهشة أو يتملكه العجب إذا رأى آثار الإرهاب المدمرة في الشارع، فهذه الثمرات الخبيثة من تلك البذور الفاسدة... هناك من المدرسين «الدعاة» من يضرب بالمقرر عرض الحائط، يبتعد عن الدرس، بل وينسحب من المادة فيحدث التلاميذ وينصحهم، يرشدهم، يعظهم، بل يخرب عقولهم ويدمر وجدانهم فأن تتحول حصص مواد علمية إلى وعظ وإرشاد أو حديث عن السياسة والسياسيين... فتلك خيانة في حق المتعلمين، لا نقصد من قولنا هذا استبعاد الأهداف الوجدانية وتنمية الشعور الوطني والقومي والإنساني، لكن نؤكد أن للأحزاب مقراتها، وللسياسة حقولها، ونؤكد على أن لمادة التربية الإسلامية رجالاتها ونساؤها كما أن للتاريخ وللرياضيات والفيزياء رجال ونساء أكثر تأهيلا من غيرهم لتدريس هذه التخصصات. فلكل مادة خصوصياتها التي يجب احترامها، وتكامل المواد أو تداخلها أو تعاطفها لا يعطي لأحد الصفة الأخلاقية ولا القانونية ولا التربوية للتدخل في مواد أخرى بهذا الشكل السافر، وبقدر ما نحن في حاجة إلى تربية النشء تربية إسلامية حقيقية، تحتاج البلاد والأمة، وبنفس الأهمية، إلى تلميذ قوي بمعارفه ومهاراته وكفاياته العلمية القانونية والفلسفية واللغوية، تلميذ قوي ومتكامل البنيان.
في الأخير أتساءل إلى أي حد يمكن أن نستخلص العبر، ليس فقد من التجربة المغربية، بل كذلك مما يحدث في مجتمعات أخرى كالسودان وإيران ومصر وأفغانستان... لأن ما يحدث في هذه المجتمعات على العموم هو إفلاس المشروع الأصولي، الذي لا يظهر أنه تبلور كمشروع مجتمعي متكامل، له مكوانته العلمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية مع هزالة العطاء الفكري والذي يتحول في كثير من الأحيان إلى صراع بين «الأمراء» وإلى الاعتماد على العنف في الوصول إلى طموحات كرزماتية التي يطمح إليها القادة في ما يمكن أن يسمى «توسعات طلبانية» تؤدي إلى سهولة الاتهام بالإلحاد والردة والخيانة.
إن المرحلة التاريخية التي نمر منها اليوم هي مرحلة البناء الديموقراطي وبالتالي لا يمكن تخيل أية مقاربة للعملية السياسية تقفز إلى المعطى الديموقراطي.
بتعبير آخر السؤال المطروح هو التالي: هل التنظيمات الإسلامية ناضجة بالقدر الكافي لتقبل بعض المقدمات السياسية في العمل السياسي، وهي ليست شروطا، بل فقط مقدمات تعمل على أساسها كل القوى السياسية، هذه المقدمات هي كالتالي:
1- الإسلام ملك مشاع لكل المغاربة، ولا يحق لأي تنظيم جمعوي أو سياسي أن يحتكره ويدعي لنفسه صلاحية الحسم فيما هو متفق مع الإسلام وما هو خارج عنه. هذا هو المدخل الأول، لأننا في مجال الإسلام بقيمه السنية وبمذهبه المالكي وفي نطاق ديني يترأسه أمير المؤمنين.
2- الخيار الديمقراطي خيار أساسي لا رجعة فيه، يجب وضعه ضمن المقدسات، فإذا كان من المتداول في الحقل السياسي في المغرب أن هناك ثلاثة مقدسات، وهي الدين الإسلامي والمؤسسة الملكية والوحدة الترابية، فإنه يجب الإقرار، وفق الدستور الجديد، بأن هناك مقدسا رابعا وهو الخيار الديمقراطي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.