عندما يتم الحديث عن مفهوم الترابية (Territorialisation) بأبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية، نستحضر التراب المحلي بإمكانياته الطبيعية والبشرية وحرص المؤسسات والفاعلين الاقتصاديين على استغلال كل إمكانياته المتاحة للانخراط في مسار التنمية المجالية المستدامة بروح انتماء وطني يستحضر مصلحة الذات ومصلحتي الساكنة والوطن. بدوار سيدي موسى بالمجدوب بإقليمالمحمدية، انتصب مشروع سياحي ترفيهي على مساحة 20 هكتارا اسمه قرية الأحلام Dream village، أرض على واجهة جبل صغير غير قابلة للزراعة، تحول إلى وجهة مفضلة للأسر من مختلف الأقاليم المجاورة وحتى البعيدة. إن الولوج إليه يمكن الطفولة والشباب، والآباء والأمهات، من قضاء يوم ممتع داخل فضاء طبيعي بامتياز يمتد من التاسعة صباحا إلى الثامنة ليلا. إن إحياء هذه الأرض وتخصيبها اقتصاديا وجماليا لا يمكن لأحد أن ينازع أو يعارض في شأن قوة الفكرة الاستثمارية لصاحب المشروع ولا في أحقية ارتقائها إلى نموذج للفعل التنموي في إطار ربط الترابية كمفهوم بالتنمية الوطنية. هذا المشروع هو عبارة عن فضاء ترفيهي شاسع وجذاب، تتوافد عليه العائلات بكثرة، يستمر فيه التنشيط الفني من الصباح إلى المساء، يضم حديقة كبيرة للحيوانات من مختلف دول العالم، والطيور والزواحف المتنوعة، والخيول المتأصلة بألوانها المختلفة، وتجهيزات السباحة متعددة الوظائف aqua) park)، وأمكنة لتبديل الملابس، وفضاء للتدريب على الفروسية والقيام بجولات ممتعة، ومطعم شاسع بوجبات مختلفة الأذواق والألوان. إن التطرق إلى هذا المشروع دافعه الأساسي هو إثارة انتباه الدولة والفاعلين الاقتصاديين الحائرين في استثمار ثرواتهم أن البلاد تتوفر على إمكانيات ترابية ضخمة ومربحة في مختلف الجهات والجماعات الترابية، وأن الانتماء إلى هذا الوطن والمجالات الترابية المحلية بمختلف مستوياته (جماعة، إقليم، جهة) لا يحتمل الهدر الزمني الاستثماري ولا ارتكان أصحاب رؤوس الأموال المتراكمة والمكدسة في البنوك في خانة المقتصرين عن الفوائد السنوية. في هذا الباب، تعد جماعة الكنصرة بإقليمالخميسات، التي يشق ترابها نهر واد بهت وتتوسطها بحيرة سد عال برمزية ثقافية راسخة في الأذهان، من المجالات النموذجية الجذابة بغناها الطبيعي والتاريخي وبرصيدها العقاري المحفز للاستثمار (المجال الغابوي الشاسع، وآلاف هكتارات الأراضي السلالية الجبلية، وفصائل الأشجار والنباتات المتنوعة، ورصيدها المائي الهائل، وطقسها النقي والصحي،…..). كما تمتاز ساكنتها بألوانها الفلكلورية التاريخية التي تتجلى في رقصات أحيدوس والفروسية. كما تتمتع المنطقة بكاملها بموقع استراتيجي ببنية تحتية مشجعة على التواصل والتكامل الاقتصادي ما بين غرب المغرب وشرقه، وتتوسط حضارة عريقة تميزها عواصم تاريخية كالرباط وسلا والقنيطرة، ومدن منطقة الغرب المتوسطة كسيدي سليمان وسيدي يحيى الغرب وسيدي قاسم، والتي تمتد إلى الحاضرة الإسماعيلية مكناس بارتباط مندمج مع جمالية منطقة الأطلس المتوسط. تضاريسها لا تقارن جودة وجاذبية مع المجال الذي انتصب فيه مشروع قرية الأحلام بسيدي موسى المجدوب بالمحمدية. فزائر تراب جماعة الكنصرة يعجز عن التحكم في عينيه التي تتسابق نظراتها تجوالا لتعانق الجبال والتلال الراسية التي ينبعث منها النسيم العليل والألوان الزاهية، واخضرار الغابات الفسيحة، وجمالية ضيعاتها التي تكسو المساحات السقوية على ضفاف واد بهت. إنها منطقة المهرجانات الثقافية التي تلتقي فيها قبائل بني احسن المجاورة والقبائل الأمازيغية التابعة لإقليميمكناسوالخميسات. وفي الختام، تبقى الإشارة إلى أن المغرب في حاجة إلى إيجاد السبل والتحفيزات القانونية والنفسية للاستثمار في المجالات الترابية في مختلف الجهات، حاجة يتوخى منها تقوية ارتباط حق الدولة والمجتمع في التوفر على منظومة لترسيخ ثقافة الاستثمار على أساس إنتاج أفكار إبداعية وعبقرية ذات مردودية وفائدة خاصة وعامة تعطي الأسبقية لتجويد أنماط العيش وتوليد السعادة للأفراد والجماعات. وهنا، يبقى التشريع في مجالات فرض ضريبة على الثروة وخلق نسق للتحفيز الاستثماري، وتبسيط المساطر وتسريع تثبيت المشاريع ترابيا في حاجة إلى إرادة سياسية حاسمة، تحول مناطق المغرب الخلابة إلى ملجأ ترفيهي وسياحي للمغاربة والأجانب.