وزارة العدل تتفاعل مع الحكم ومصادر تقول بأنه لا حق دستوري لها في مناقشة القرار الوزارة لم تكن الجهة المخولة دستوريا للتعليق على القرار لأن الإحالة كانت من طرف مجلس النواب القرار يؤكد الحاجة الملحة إلى نصوص دقيقة تحترم التوازن بين السلط وضمانات المحاكمة العادلة في خطوة قضائية حاسمة، أسقطت المحكمة الدستورية عشرات المقتضيات القانونية من مشروع قانون المسطرة المدنية، عقب إحالة بيضاء من رئاسة مجلس النواب قصد التحقق من مدى دستورية النص برمته، رغم مصادقة الأغلبية البرلمانية الحكومية عليه في مجلسي البرلمان. وجاء قرار المحكمة الصادر بتاريخ 31 يوليوز 2025 استجابة للتحفظات التي أثارتها مكونات من المعارضة البرلمانية، مدعومة برأي عام مهني وحقوقي واسع، حذر من خطورة عدد من المواد على استقلال القضاء والحق في المحاكمة العادلة. من بين المقتضيات التي اعتبرتها المحكمة غير مطابقة للدستور كانت المادة 7 الفقرة الثانية التي فرضت أجلًا ضيقًا لتقديم المقال الافتتاحي، وهو الإجراء الذي يمكن أن يحرم المتقاضين من فرصة كافية لإعداد دفاعهم، خصوصًا في حالات معقدة تتطلب وقتًا للتحضير، مما يعد تقييدًا فعليًا للولوج إلى العدالة. أما المادة 19 الفقرة الأخيرة فسمحت للمحكمة برفض الطلب دون أن تلزم بتعليل هذا الرفض، وهو ما يخالف المبدأ الدستوري الخاص بتعليل الأحكام والقرارات القضائية، وهو أساس ضروري لضمان الشفافية والحق في الطعن في القرار. وبخصوص المادة 45، أشارت المحكمة إلى أن طرق التبليغ المعتمدة في النص غير كافية لضمان علم الأطراف بشكل فعلي بالدعوى، وهذا من شأنه المساس بحقوق الدفاع، حيث يُفترض أن تكون طرق التبليغ واضحة وفعالة لضمان تمكين الأطراف من الدفاع عن حقوقهم بوعي كامل. كما أسقطت الفقرة الأخيرة من المادة 90 التي منعت أطراف الدعوى من التعقيب على مستنتجات المفوض الملكي، معتبرة أن هذا النص يقيد بشكل غير مبرر حق الدفاع المكفول دستوريًا، خصوصًا أن التعقيب على هذه المستنتجات يمثل فرصة متاحة للطرفين لمناقشة قضايا جوهرية في الدعوى. أما المادة 147 الفقرة الأولى، فقد اعتبرتها المحكمة غامضة في تحديد نطاق الأوامر الاستعجالية، التي هي أوامر قضائية تُصدر في حالات استعجالية تتطلب سرعة البت، فغياب التحديد الدقيق يمكن أن يؤدي إلى استخدام مفرط لهذه الصلاحية، مما قد يؤدي إلى زعزعة الأمن القانوني للمحاكم وضياع حقوق المتقاضين. في المادة 288، وجدت المحكمة خطأ في الإحالة التشريعية التي خلطت بين نصوص قانونية مما يخل بوضوح التشريع الذي هو من المبادئ الدستورية الأساسية، إذ يجب أن تكون النصوص القانونية واضحة ومفهومة لجميع الأطراف المعنية لتجنب اللبس والخلط في تطبيق القانون. أما المادة 323، فانتقدت المحكمة غياب ضمانات واضحة للطعن، بحيث لا تحدد بوضوح الشروط أو الإجراءات التي يمكن للأطراف الالتزام بها للطعن في القرارات القضائية، مما يهدد مبدأ المساواة بين الأطراف ويضعف آليات المحاكمة العادلة. وأسقطت الفقرة الثانية من المادة 339 التي لم تلزم المحكمة بتعليل قرار رفض الإذن بالطعن، مما يعارض مبدأ الشفافية القضائية ويحد من قدرة الأطراف على فهم أسباب الرفض والتمكن من الطعن في القرار بطريقة مدروسة. أما المادتان 408 و410 فقد منحتا وزير العدل صلاحية استثنائية في إحالة بعض الطلبات إلى محكمة النقض، وهو ما اعتبرته المحكمة تدخلاً في استقلال القضاء ومسًا بمبدأ فصل السلطات، إذ أن هذه الصلاحيات يجب أن تُمنح للقضاء فقط دون تدخل السلطة التنفيذية. وأخيرًا، أسقطت المادتان 624 و628 اللتان تنصان على إشراف وزارة العدل على النظام الإلكتروني لتوزيع القضايا، وهو أمر اعتبرته المحكمة تدخلاً غير مبرر في شؤون القضاء، رغم التنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ما يخالف مقتضيات الدستور التي تؤكد على استقلالية القضاء وتمنع أي تدخل إداري في سير العمل القضائي. في بلاغ رسمي صدر يوم 6 غشت، رحبت وزارة العدل بقرار المحكمة الدستورية واعتبرته محطة مهمة في مسار البناء الديمقراطي، مؤكدة احترامها التام لاختصاص المحكمة واستقلالها، والتزامها بتكييف النصوص المطعون فيها انسجامًا مع أحكام الدستور. وأكد وزير العدل عبد اللطيف وهبي في تصريحاته على أن الوزارة لا تخشى الرقابة الدستورية، بل تعتبرها ضمانة أساسية لدولة القانون، وأن التشكيك في دور المحكمة الدستورية هو تشكيك في جوهر الديمقراطية، داعيًا إلى نقاش قانوني رصين يعزز الإصلاح المؤسسي ويحمي استقلال القضاء. غير أن مصدرًا مطلعًا اعتبر أن الوزارة لم تكن الجهة المخولة دستوريًا للتعليق على القرار، باعتبار أن الإحالة كانت من طرف مجلس النواب، ما يجعل أي رد مؤسساتي من اختصاص رئاسة الحكومة أو رئاسة مجلس النواب فقط. وحذر المصدر من أن هذا التعليق الوزاري قد يُقرأ كتأويل أو تأطير غير مشروع لقرار المحكمة الدستورية، مشددًا على أن قرارات هذه المؤسسة لا تُناقش سياسياً، وتُعد بمثابة قواعد دستورية ملزمة لجميع السلط، ولا يجوز لأي طرف تنفيذي احتكار قراءتها أو توجيه النقاش حولها. يعيد هذا القرار إلى الواجهة جدلية صناعة التشريع في ظل الأغلبية الحكومية، ويؤكد الحاجة الملحة إلى نصوص دقيقة تحترم التوازن بين السلط وضمانات المحاكمة العادلة، خاصة في ما يتعلق بالقوانين الإجرائية التي تمثل العمود الفقري للعدالة. ويُنتظر أن يُطلق هذا القرار حوارًا مؤسساتيًا وتشريعيًا جديدًا حول جودة القانون وأدوار الرقابة الدستورية والتفاعل المؤسساتي الرشيد، بما يعيد الاعتبار لروح الدستور ويحمي ثقة المجتمع في دولة المؤسسات.