عادت ظاهرة التشرميل بقوة٬ بعد تسجيل عدة حوادث إجرامية على قدر كبير من الخطورة. ورغم التدابير التي اتخذت السنة الماضية لمحاصرة هذه الظاهرة٬ إلا أن الأحداث المسجلة بأكثر من مدينة مغربية مؤخرا٬ تعكس عودة التشرميل بوتيرة مقلقة رغم كل الجهود التي تبذلها المصالح الأمنية والسلطات المحلية منذ منتصف السنة الماضية. ومع عودة هذا الكابوس المقلق٬ لا يتردد المتتبعون في التساؤل حول فشل المقاربات الأمنية والتحسيسية في اجتثاث هذه المعضلة الأمنية من المشهد العام. تشخيص الظاهرة من حيث مسبباتها٬ يؤكد أن مقاربة التعاطي الأمني وحدها مع هذه الإشكالية المركبة لا تكفي٬ خصوصا أن هناك شبه تقصير لدى باقي المعنيين٬ من مجتمع مدني٬ وأسرة٬ ومدرسة وغيرها. غير أن القسط الأكبر من المسؤولية يتحمله الجهاز القضائي بالمملكة٬ بسبب طبيعة الأحكام المخففة التي ينطق بها بعض القضاة في ملفات الجريمة والانحراف. إن تتبع غالبية الأحكام الصادرة عن مختلف محاكم المغرب٬ يكشف اللثام عن تساهل وتسامح القضاة مع مرتكبي حوادث الإجرام٬ من خلال النطق بأحكام لا تتناسب وطبيعة الجرم المرتكب٬ والنتائج الاجتماعية الخطيرة لبعض الجرائم٬ كما يشجع بعض المجرمين والمنحرفين ومنعدمي الضمير على التمادي في استهداف أمن وسلامة المواطنين وممتلكاتهم. قراءة مضمون ومنطقوق بعض الأحكام٬ يصيب المتتبع بالدهشة إن لم نقل الصدمة٬ إذ كيف يعقل أن يحكم مجرم تسبب في عاهة مستديمة لشخص ما بستة أشهر أو سنتين حبسا٬ وقد يغادر السجن بعد ذلك لارتكاب جرائم أكثر خطورة٬ بكل ما يعنيه مضمون مصطلح العود من خطورة إجرامية معتبرة. وحتى عندما تقوم السلطات ومصالح الأمن بحملات للقبض على المجرمين٬ فإنها قد تفاجأ بالإفراج عنهم في نفس اليوم أو بعد شهر أو شهرين إذا تمت إدانته ٬ ما يضيف أعباء جديدة على كاهل المصالح الأمنية التي تبذل جهودا مشكورة عليها٬ ثم ما تلبث أن تذهب أدراج الرياح. كما أن قرارات القضاء هذه٬ تصيب الشرطة بالإحباط٬ وبالتخاذل٬ ما دام القضاء لا يصدر عقوبات مشددة في حق المجرمين. عودة ظاهرة الإجرام بالتزامن مع طرح مشروع مدونة القانون الجنائي الذي أغفل على ما يبدو هذه المعضلة رغم راهنية الطرح من خلال استغلال القانون الجديد لرفع العقوبات بإعادة الأعمال الشاقة وتشديد العقوبات على كل من يستهدف أمن المواطن وسكينته. مصطفى الرميد ضيع فرصة الضرب بيد من حديد على جيوش المجرمين والمشرملين الذين يستغلون تسامح القانون لمواصلة إجرامهم دون التفكير في طبيعة العقوبات المخففة والتي تعتبر إهانة لضحايا هذه الحوادث. إن أحكام بعض رجال القضاء هي أصل العلة٬ وهذه حقيقة يجب عدم السكوت عنها٬ إن كنا نريد خيرا لهذا البلد. وما يعانيه المواطن اليوم من رعب وهلع بسبب تفشي التشرميل٬ ليس إلا نتيجة لهذا التساهل القضائي. يجب على الجهات المسؤولة مركزيا٬ في وزارة العدل والحريات٬ فتح هذا الملف بشكل عاجل٬ وإجراء تعديلات فورية ومستعجلة٬ حتى تكون الأحكام وفقا للأفعال الإجرامية.